أحدث المواضيع >>
تحميل ...

الأحد، 10 مارس 2024

الدليل التجريبي المفند لنظرية التطور موجود بداخلك

الدليل التجريبي المفند لنظرية التطور موجود بداخلك




كيف ذلك؟


أي جرح صغير في اصبعك هو بالنسبة لجسمك بمثابة غزو فضائي لأنه في لحظة واحدة يدخل ملايين الغزاة الغرباء لجسمك من فيروسات وبكتيريا وفطريات وطفيليات وتبدأ مهمة الجهاز المناعي في مطاردتهم والقضاء عليهم. 


لكن لكي يكون الجهاز المناعي مستعدا لهذه المواجهات فعليه أن يمتلك ترسانة أسلحة متجددة تضم عشرة تريليون شكل مختلف من الأجسام المضادة والمستقبلات، وحتى يتمكن من تخزين هذا الكم المعلوماتي في قاعدة بيانات يمكن استنساخها مثل باقي معلوماتنا الوراثية، فهذا أمر يتطلب ملايين الجينات في حين أن الجينوم البشري كله لا يتعدى الخمسة وعشرين ألف جين فقط. 


لكن الله وهبنا جهاز مناعي تكيفي مذهل تجاوز هذه المشكلة بطريقة بديعة وهي السماح لبعض الخلايا البائية والتائية بإعادة تشكيل الجينات الخاصة بإنتاج المستقبلات والأجسام المضادة. وهذا فضاء مرعب من الحرية شبيه بالطفرات مما ينتج عنه بالضرورة وجود النافع والضار. وهنا يأتي دور الغدة الزعترية (للخلايا التائية) ونخاع العظام (للخلايا البائية) كهيئة رقابية تمر عليها كل الخلايا التائية والبائية لتصل إلى النضج وهناك يتم اختبارها فإذا كانت أشكال المستقبلات والأجسام المضادة نافعة في علاج الأمراض يتم تنشيطها وإذا كانت مضرة أو تهاجم خلايا أجسامنا يتم إعدامها ولا يخرج من الغدة الزعترية ونخاع العظام سوى 2٪ فقط ويتم إعدام الباقي الذي نتج عن هذا الفضاء الحر فيما يعرف بعملية الانتخاب السلبي. 


ولو كان هناك خلل في هذه الهيئة الرقابية فإن الجسم يكون معرض لأمراض الجهاز المناعي الفتاكة التي تؤدى إلى الوفاة، وهذا ثابت في البشر وغيرهم مثل هذه التجارب التي أجريت على الفئران (1). وذلك لأن هذا الفضاء الحر ينتج عنه بالضرورة ما يهاجم الجسم ويفتك به حتى ينهار النظام البيولوجي المتمثل في جسم الكائن الحي. 


لاحظ أن الفرق بين الانتخاب السلبي والانتخاب الطبيعي (الآلية الداروينية) أن الأول ينتقى ما يصلح للنظام بغائية مسبقة أما الثاني فينتقى ما يصلح للفرد نفسه بدون غائية وبصرف النظر في عواقب الأمر على النظام العام. 


فالمناعة التكيفية تضرب مثال تجريبي لما قد ينتج عن فضاء الحرية وما يترتب عن ذلك إذا تم تولى الأمر بطريقة غائية وفقا لهيئة رقابية أو بطريقة غير غائية وفقا للطفرات والانتخاب الطبيعي. ولذلك فهي محاكاة كاملة لدور آليات التطور والتصميم الذكي في النظام البيولوجي والنتيجة اللازمة لكل منهما. 


ولو استحضرنا معضلة التعاون وفضاء الطفرات الحر المولد لاحتمالات للانهائية لأنانيين مدمرين للنظام البيولوجي لوجدنا أنفسنا أمام حلين لا ثالث لهما. 


إما انهيار النظام البيولوجي نتيجة دعم الانتخاب الطبيعي للأنانية واستحالة وجود واستمرار الحياة تماما مثلما يقضى الجهاز المناعي على الجسم في غياب الهيئة الرقابية


وإما وجود هيئة رقابية كونية يمر عليها كل تغير يحدث في أي خلية لكائن حي يعيش على سطح الأرض لكي تصطفى بغائية وتقدر ما يصلح للنظام ويضمن استمراره وتمنع ما يدمره. 


ولأن الحياة مازالت مستمرة فلابد أن الأمر لم يترك يوما للطفرات العشوائية والانتخاب الطبيعي وإنما هو خلق وتدبيره العليم الخبير الرقيب سبحانه.


إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الأربعاء، 6 مارس 2024

لماذا يجب أن يكون الأزلي كلي القدرة عليم مريد؟


1- المنع يكون بغياب سبب عن مفتقر
2- يمتنع على المفتقر الاتصاف والتأثير بما غابت أسبابه
3- الأزلي الذي ليس قبله شيء، غني بذاته غير مفتقر
4- غياب كل الأسباب لا يمنع وجود الأزلي
5- غياب كل الأسباب لا يمنع وجود أي (وكل) تأثير للأزلي
6- الأزلي كلي القدرة
7- العالم منظم نتج عن تأثيرات مخصصة للأزلي
8- الأزلي عليم مريد
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الاثنين، 4 مارس 2024

البديهيات ومبدأ الانفجار المنطقي Principle of explosion

 

في المنطق الكلاسيكي الرياضي لراسل وفريجه  ( وكذلك في المنطق الحدسي Intuitionistic logic  والمنطق الضبابي متعدد القيم fuzzy logic وغيرهم) لو وقع تناقضا واحدا بإثبات شيء ونقيضه (أي انتهاك لمبدأ عدم التناقض وليس الثالث المرفوع) يلزم من ذلك سقوط المنطق وانهيار النظام بأكمله وحصول التفاهة triviality أي أن يكون استنتاج أي شيء وكل شيء مباح بل ربما ضروري مبرهن وهذا يعرف أيضا باسم مبدأ الانفجار Principle of explosion

لكن ما الذي جعل وقوع تناقضا واحدا مستلزما لحصول الانفجار؟

فمثلا لو قلنا

1- كل الليمون أصفر اللون

2- كل الليمون ليس أصفر اللون

فقد نتوقع أنه من خلال هاتين المقدمتين المتناقضتين يمكننا استنباط نتيجة ما متعلقة بالليمون أو بلونه فقط أو ربما لا يمكننا استنباط أي شيء لكن كيف تقودنا المقدمات السابقة إلى استنتاج مثل:

3- العنقاء موجودة أو الفيلة تطيل أو المثلث مربع أو الواحد = اثنين .... إلخ

أو كيف يقود التناقض إلى استنتاج رقم هاتف شخص ما بشكل صحيح كما هو موضح بالصورة؟


ما هو السبب إذن في حدوث الانفجار والتفاهة triviality ؟
وما هي العلاقة بين وقوع التناقض وبين أن يصبح أي شيء وكل شيء مبرهن؟

السبب أننا إذا بنينا على المقدمة الأولى (كل الليمون أصفر اللون)  المقدمة الثانية (كل الليمون ليس أصفر اللون)

فهذا البناء في حد ذاته ينفي التراتبية المنطقية أو العلاقة الاستدلالية ويبيح لك أن تستنبط في النتيجة النهائية أيشيء وكل شيء لأن العلاقة الاستنباطية نفسها أصبحت منفية  بموجب المنطق بعد حصول هذا التناقض

فإذا كان بوسعك الاستدلال من أن كل الليمون أصفر على أن كل الليمون ليس بأصفر فيسعك بعد ذلك الاستدلال من نفس المقدمة على أي شيء آخر لأنه لن يكون أكثر تناقضا من هذا التناقض الأول.

هذا هو مبرر مبدأ الانفجار وهو أمر يشبه إلى حد كبير ما ذكرته عن لوازم افتراض سقوط السببية (متى تنهدم السببية؟)  وأنه لو افترضنا وجود شيء اخترق السببية لمرة واحدة وحصلت له النتائج بدون أسباب (وبدون خالق يهبه النتيجة فيكون فعله السبب) فإن هذا الشيء سوف يطغى ضرورة على كل شيء ويحدث كل أثر ممكن في كل زمان ومكان مما يلزم عنه استحالة انتظام أي قانون في الكون أو تمايز الأشياء واستقرار خصائصها لأنه لن يفلت شيء من تأثيرات هذا الطاغي. وذلك لأنه إذا كانت السببية هي الافتقار للأسباب فإن اختراقها يعني عدم الافتقار لأي سبب وبالتالي لن يمنع مخترق السببية غياب الأسباب عن تحصيل النتائج فيكون بذلك كلي القدرة غني عن أي سبب ولأنه غير مريد فلن يكون لقدرته أي ضابط فتصدر عنه كل التأثيرات.

والسببية بالفعل بديهة مثلها مثل عدم التناقض تماما وإن غفل عن ذلك كثير من الفلاسفة والمناطقة في بناء أطرهم المعرفية.فإثبات أن الشيء يلزم عنه نقيضه سيؤدي إلى هدم البديهيات كما أن علاقة المقدمات بالنتائج نفسها علاقة سبب ونتيجة فلو سقط الترابط المنطقي بينهما صح استنتاج أي نتيجة من أي سبب أو حتى من دون سبب فهناك توافق كبير بين فكرة الانفجار وفكرة سقوط الافتقار السببي.

لكن بعض المناطقة زعموا أن عندهم منطق استثنائي تعايش مع التناقضات بدون أن يتسبب ذلك في انهياره أو حصول الانفجار نتيجة وقوع التناقضات, وهذا المنطق هو منطق المفارقات Paraconsistent Logic

وهناك انتقادات حول هذا الزعم منها أتى من خارج المناطقة المنتسبين لمنطق المفارقات مثل انتقادات ديفيد لويس وإثباته أن مبدأ الانفجار مازال لازما لهم (1,2,3)

ومنها ما أتى من مناطقة منتسبين لمنطق المفارقات نفسه. ليوضحوا ويفسروا حقيقة التناقضات التي يسمح بها منطق المفارقات. ومن هؤلاء والتر كارنيلي أستاذ المنطق الرياضي (4) وقد بين والتر في ورقة حديثة له (5) أن التناقضات التى يسمح بها منطق المفارقات ليست تناقضات حقيقية (مثل قبول الفلسفة الجدلية الديالكتيكية dialetheism وجود تناقضات حقيقية في الواقع) وإنما هي تناقضات إبستيمية معرفية  حول أدلة إثبات الحقائق وليست تناقضات أنطولوجية حول حقائق الأشياء

فكل التناقضات التي يمكن قبولها هي  من باب المعتقدات حول الشيء وتوصيف الشيء وتضارب الأدلة حول ذلك وليس الأمر أنه إثبات لنفس الشيء ونقيضه ولذلك فهي ليست تناقضات حقيقية يستلزم وقوعها انتهاك مبدأ عدم التناقض.

كما برهن رياضيا على أن التناقضات ليست متعادلة وأن التناقضات الحقيقية مستحيل وقوعها في منطق المفارقات تماما مثل استحالتها في المنطق الكلاسيكي.

وأن التناقضات المسموح بها في منطق المفارقات هي تناقضات في أدلة الإثبات وليست تناقضات في ذات الحقائق المستدل عليها.

ومن اجل هذه البرهنة استخدم منطق المفارقات لبناء نظامين منطقيين:

النظام الأول ( BLE ) عن الدليل وما يضاده. وتكون تناقضاته غير حقيقية لأنها بمثابة تضارب الأدلة وليس الحقائق.

والنظام الثاني ( JETj) عن الحقائق ذاتها وتكون تناقضاته حقيقية.

ثم  مدد النظام الأول ليصل به إلى الثاني فظهر أن التناقضات الحقيقية ممنوعة  وأن مبدأ الانفجار يعمل. ويتسبب وقوع تناقض واحد في إنتاج أي شيء وكل شيء تماما مثلما هو الحال في المنطق الكلاسيكي.


وأختم ببعض الاقتباسات المتفرقة من الورقة لمن أراد الاطلاع عليها:

The purpose of this paper is to present a paraconsistent formal system and a corresponding intended interpretation according to which true contradictions are not tolerated. Contradictions are, instead, epistemically understood as conflicting evidence, where evidence for a proposition A is understood as reasons for believing that A is true


The main aim of this paper is to present a paraconsistent formal system, that we call the Logic of Evidence and Truth (

), and an anti-dialetheist explanation of it according to which contradictions are understood epistemically as conflicting evidence and true contradictions are not allowed.


The aim of this section is to devise a paraconsistent formal system suited to the reading of contradictions as conflicting evidence.


Hence, it seems natural to have a connective able to distinguish ‘different kinds’ of contradictions, separating the contradictions that do not lead to explosion from those that do.


As we have seen above, it cannot be that all contradictions are equivalent in a paraconsistent logic. 


There is, thus, no rivalry between classical and paraconsistent approaches, and this is made possible by the fact that, according to the proposed interpretation, classic and paraconsistent logics are ‘talking about different things’.


the consequence relation of JETj

 trivializes in the presence of a true contradiction. Therefore, Fact 16 implies that JETj

 is anti-dialetheist in the sense that it cannot tolerate any true contradiction.


A corollary of Fact 18 is that once a formula A is marked with 

, no contradiction is allowed


We have presented here an approach to paraconsistency that explicitly rejects dialetheism. According to the intended interpretation of JETj

, true contradictions are not allowed because they imply triviality (see remarks on Fact 16).



إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الأربعاء، 21 فبراير 2024

اكتشاف تزوير دارويني جديد

 حفرية الترايدنتينوصور التي تعد حجز الزاوية في تطور الزواحف لأن عمرها يقدر ب 290 مليون عام أي ما يسبق ظهور الديناصورات على الأرض. اكتشفت تلك الحفرية في ايطاليا منذ مائة عام تقريبا وتم الاستشهاد بها من مئات الأوراق العلمية لكن بدون تدقيق وفحص عن قرب للأسف.

لكن منذ أيام كشف فريق علمي في ورقة بحثية أن الحفرية مزورة وأن أحد المحتالين قد رسمها ولونها فهي ليست حفرية لكائن حي حقيقي
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

السبت، 17 فبراير 2024

مفارقة دوران العملة


لو عندك ترس يكمل أربع دورات كاملة (ينقلب ثم يعتدل) على شريط مسطح. 

ثم قمت بثني الشريط للداخل أو الخارج على شكل مربع (أو دائرة أو مثلث أو أي شكل هندسي) بدون أن يتغير شيء في طول الشريط أو محيط الترس فهل يمكن أن يزيد أو ينقص ذلك من عدد دورات الترس لتصبح خمس أو ثلاث دورات أم ستظل أربعة؟


الإجابة هي خمس دورات من الخارج وثلاثة من الداخل 

أي أنها لن تكون أربعة ابدا 


هذه تسمى مفارقة تدوير العملة وقد اكتشفت بالصدفة عام 1982 في اختبار sat الذي يؤهل الطلبة في أمريكا للالتحاق بالجامعة وهو اختبار يحتاج إلى سرعة لأن كل سؤال متاح له دقيقة واحدة تقريبا ومع ذلك فقد كتب أحد الطلاب في ورقة إجابته أن جميع الخيارات المكتوبة في ورقة الأسئلة خاطئة ولم يلتفت حينها المصححين لهذا التنبيه لكنه أصر على أن الإجابات كلها كانت خاطئة ثم قام بإثبات الإجابة الصحيحة التي لم تكن من بين الخيارات حينها


فلو كانت دورات الترس أو العملة أو الكرة (شيء مستدير) على شريط مسطح ما هي 4 دورات فإنها ستزيد دورة إضافية لتصبح 5 دورات لو كانت حول أي شكل هندسي من الخارج له نفس طول الشريط المسطح

وسوف تكون أقل بدورة أي أنها تصبح 3 دورات لو كانت من الداخل لشكل هندسي بنفس طول الشريط المسطح 

ولذلك تكمل العملة دورتين كاملتين بدلا من دورة واحدة إذا دارت حول عملة مطابقة لها في الحجم

وهذا أمر يتسبب فيه الانحناء الذي يجعل الشريط المسطح ينغلق على نفسه ( 360 درجة ) بصرف النظر عن عدد الزوايا التي سيمر عليها الترس أو العملة

وهذا أصبح له تطبيقات فيزيائية فلكية تفسر اختلاف السنة الشمسية (365.25 يوم) عن السنة النجمية (366.25 يوم ) التي تفضلها بيوم إضافي 






إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الاثنين، 12 فبراير 2024

المربع المركب

 المربع المركب


تعقيبا على منشوري السابق المربع المكعب الذي بينت فيه أنه ليس كل حدوث يدل على افتقار الذات لغيرها ولا كل اختصاص يدل على افتقار الذات لغيرها فكذلك نبين في هذا المنشور أنه ليس كل تركيب يدل على افتقار الذات لغيرها
وإنما الافتقار السببي فقط هو الضابط الصحيح دائما وأبدا لإثبات افتقار الذات لغيرها

فلو فرضنا أن هناك مربع أزلي مركب من أربعة أضلاع وهي مرتبطة أزلا
فهل يصح أن يقال إن فرضنا هذا باطل لأن المربع المركب من أجزاء لا يكون أزليا؟

الجواب لا لأن التركيب لا يلزم منه الحدوث بالضرورة

ولو قال قائل إن القسمة العقلية الحاصرة وفقا لقانون عدم التناقض تقتضي أن كل جزء (أحد الأضلاع) من أجزاء هذا المربع الأزلي إما أن يكون هو الكل (المربع) وإما أن يكون غيره. وكلاهما تناقض...
لأنه لو كان أحد الأضلاع هو المربع صار الجزء هو الكل.
ولو كان غيره صار الكل مفتقرا في وجوده إلى غيره والمفتقر إلى غيره لا يكون قائم بنفسه أزليا.

والجواب عن هذا أن أحد الأضلاع ليس هو المربع وليس غيره.
ولا سلطة هنا لمبدأ عدم التناقض (وعلى الدقة هنا مبدأ الثالث المرفوع وليس عدم التناقض) لأن كلا الخيارين لا ينطبقا في حال الضلع مع المربع تماما مثلما تقول هل الجدار أعمى أم بصير؟ فبالرغم من أن العمى نقيض الإبصار إلا أن الجدار ليس قابلا لهما جميعا.

فالضلع الواحد (الجزء) ليس هو المربع (الكل) لأن المربع هو مجموع الأضلاع.
كما أن الضلع ليس شيئا مغايرا عن المربع لأننا افترضنا اقتران أزلي بين الأضلاع فالضلع لم يكون منفرد أبدا ولم يكن شيئا مستقلا عن المربع فلا يصح أن يقال إنه غير المربع

فلا وجود للمربع بدون أضلاعه ولا انفكاك بين هذه الأضلاع عن المربع فهي مجتمع أزلا بلا بداية فيكون بذلك المربع مركبا وأزليا في نفس الوقت.

وبذلك نكون قد أشرنا إلى الخلل في دليل التركيب الكلامي بمثال المربع المركب والخلل في دليل التخصيص الكلامي بمثال المربع المكعب والخلل في دليل الحدوث الكلامي بمثال الإلكترون




إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الثلاثاء، 16 يناير 2024

إلزام المعتزلة بأن المربع مكعب وفقا لقاعدتهم في تعدد القدماء





ليس كل حدوث يدل على افتقار الذات وليس كل اختصاص يدل على افتقار الذات أيضا

وإنما يمتنع في حق الله الافتقار إلى غيره

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل والنقل:

(وما ينبغي ان يعرف في مثل هذه المسائل المنازعات اللفظية فإن القائل إذا قال التخصيص يفتقر إلى مخصص والتقدير إلى مقدر كان بمنزلة من يقول التحريك يفتقر إلى محرك وامثال ذلك وهذا لا ريب فيه فإن التخصيص مصدر خصص يخصص تخصيصا وكذلك التقدير والتكليم ونحو ذلك ومصدر الفعل المتعدى لا بد له من فاعل يتعدى فعله فإذا قدر مصدر متعد بلا فاعل يتعدى فعله كان متناقضا بخلاف ما إذا قيل الاختصاص يفتقر إلى مخصص والمقدار إلى مقدر ونحو ذلك فان هذا ليس في الكلام ما يدل عليه لان المذكور إما مصدر فعل لازم كالاختصاص ونحوه او اسم ليس بمصدر كالمقدار وكل من هذين ليس في الكلام ما يوجب افتقاره إلى فاعل يتعداه فعله فإذا قيل الموصوف الذي له صفة وقدر قد اختص بصفة وقدر فلا بد له من مخصص لم يكن في هذا الكلام ما يدل على افتقاره إلى مخصص مباين له يخصصه بذلك بخلاف ما إذا قيل إذا خص بصفة او قدر فلا بد له من مخصص فإن هذا كلام صحيح )

ويقول:

(وبسبب ذلك تجد جماعات غلطوا في هذا الموضع في مثل هذه المسالة إذا قيل البارى تعالى مخصوص بكذا وكذا أو مختص بكذا وكذا قالوا فالمخصوص لا بد له ممن خصه بذلك والمخصص لا بد له من مخصص خصصه بذلك)

ويقول:

(ومعلوم أن هذا تناقض، فإن نفي الاختصاص بخاصة من الخواص، ودعوى انه وجود مطلق لا يختص بوجه من الوجوه يمنع أن يختص بعلم أو قدرة أو مشيئة ونحو ذلك من الصفات، فإن العالم مختص بعلمه متميز به عن الجاهل ن والقادر مختص بقدرته متميز بها عن العاجز ن والمختار مختص بالاختيار متميز به عن المستكره، فإن أثبت شيئاً من صفات الكمال فقد أثبت اختصاصه بذلك، وإن نفى جميع الصفات ولم يثبت إلا وجوداً مطلقاً تناقض كلامه وقيل له المطلق لا يوجد إلا في الذهن لا في الخارج ن فلا يتصور أن يكون في الخارج شيء مطلق، لا حيوان ولا إنسان مطلق ولا جسم مطلق ولا موجود مطلق، بل كل موجود فله حقيقة بها لا يشركه فيها غيره وقيل له هذا الوجود المطلق اهو وجود المخلوقات أم غيره؟ فإن قال هو هو، بطل إثبات الخالق، وإن قال هو غيره قيل له فوجوده مثل وجود المخلوقات أو ليس مثله ن فإن كان الأول لزم أن يكون الخالق مثل المخلوق، والمثلان يجوز ويجب ويمتنع على أحدهما ما يجوز ويجب ويمتنع على الآخر، فيلزم أن يكون الشيء الواحد واجباً غير واجب، محدثاً غير محدث، وهو جمع بين النقيضين وإن قال وجوده مخالف لوجود المخلوقات فقد أثبت له وجوداً يختص به، لا يشركه فيه غيره، فلا يماثله غيره وهذا وجود مخصوص مقيد، لا وجود مطلق وقد بسط الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع والمقصود هنا الكلام في أن كل مختص بأمر هل يفتقر إلى مخصص منفصل عنه؟ لأن الكلام كان في المسلك الثاني في حدوث الأجسام، الذي بين فساده الآمدي والأرموي وغيرهما، فإنه مبني على مقدمتين إحداهما أنها مفتقرة إلى ما يخصصها بصفاتها والثانية أن ما كان كذلك فهو محدث. وقد بينوا فساد المقدمة الثانية كما تقدم وأما الأولى فقررت بوجهين. أحدهما أن المختص بمقدار لا بد له من مخصص، وقد تبين فساده أيضاً) انتهي كلامه

الفلاسفة والمتكلمون منعوا الحدوث والتركيب والتخصيص بشكل مطلق بدون التفريق بين حقه وباطله وبدون الانتباه إلى الضابط الصحيح فيما لا يجوز في حق الله ألا وهو الافتقار السببي للغير

فقال الفلاسفة أخص وصف لله هو وجوب الوجود وقالت المعتزلة القدم ونفوا باقى صفات الله خوفا من شبهة تعدد القدماء وجعلوا ذلك أصلهم الأول في التوحيد فإذا قيل لهم أليس في إثباتكم لله الوحدانية اختصاص؟

قالوا لا لأن تعريف واجب الوجود أنه ما يلزم من فرض عدمه تناقض. فالوجود يتحقق بذات واحدة فتكون واجبة ولو فرضنا عدمها وقع التناقض أما الذاتين أو الثلاثة أو الأربعة أو ما فوق ذلك فيمكن افتراض عدمه ولن يقع التناقض لأنه مازال هناك وجود.

والصواب أن القول بأن الله واحد وليس أكثر فيه اختصاص كما أن القول بأن الله متصف بصفات الكمال دون صفات النقص فيه اختصاص لكنه اختصاص هوية غير دال على الافتقار لأنه ليس قائم بسبب خارجي وليس فيه نقص يمكن جبره بسبب غائب.

لكن لنثبت لهؤلاء أن توحيد الله هو نوع اختصاص سنثبت لهم أولا أن تعريف (أو شرط أو الحد الأرسطي) واجب الوجود لا يتضمن الوحدانية كما زعموا فإما أن يلتزموا قاعدتهم ويثبتوا لله فقط ما تضمنه مفهوم واجب الوجود وينفوا حينها الوحدانية عن الله ويقولوا بتعدد القدماء الذي فروا منه وإما أن يضيفوا لهذه الصفة صفة أخرى هي صفة الوحدانية ويكونوا أيضا حينها قائلين بتعدد القدماء إذا اعتبروا أن تعدد الصفات يعني تعدد القدماء.

صحيح أن تعريف واجب الوجود يلزم منه إثبات وجود ما لكنه لا يخبرنا عن ماهية هذا الوجود وبالتالي فلا يمكنه إخبارنا هل يتحقق هذا الوجود بذات واحدة أم أنه يلزمه أكثر من ذات للتحقق؟

فلو قلت أن عندي خزينة أزلية تفتح برقم سري أزلى فلا يحق لأحد أن يقول لي لقد عرفت الرقم السري وانكشف سرك؟ الرقم السري هو واحد لأنه أزلي واجب الوجود فلا يمكن افتراض عدمه ولا يمكن أن يكون اثنين او ثلاثة أو أربعة لأن هذه الأرقام يمكن افتراض عدمها بدون تناقض.

أو لو قلت أن هناك انفجار قد وقع فوجود القنبلة المنفجرة واجب ولذلك فلابد أن هذه القنبلة كان بها مادة متفجرة واحدة وليس اثنين أو خمسة أو عشرة لأن الانفجار يقع بمادة واحدة. فهذا تخرص ورمي بالغيب فوقوع الانفجار تابع لماهية القنبلة وقد لا يتحقق إلا بتفاعل أكثر من مادة. 

فهذا كله وهم وتصور لحصول معرفة بدون مبرر حقيقي

وبالقياس على تعريف  واجب الوجود بأنه  ما يلزم من فرض عدمه تناقض

نقول أن المربع هو ما يلزم من عدم تربعه تناقض

فإذا كان تعريف واجب الوجود لا يدلنا إلا على الواحد دون باقي الأرقام فتعريف المربع لا يدلنا إلا على شكل هندسي واحد (هو المربع) دون باقي الأشكال

وإذا كانت الدلالة منفكة في المربع أو كان الحصر في شكل هندسي واحد يتطلب تعريفات أخري وصفات أخرى وقواعد أخرى فالأمر نفسه في مفهوم واجب الوجود

والآن ماذا عن المكعب؟

أليس هو مربعا من جميع الاتجاهات ويحافظ على شرط التربيع دائما؟

بلي هو كذلك...

إذن فقاعدة (المربع هو ما يلزم من عدم تربعه تناقض) لا تتضمن الدلالة على شكل هندسي واحد بالرغم من توهمنا ذلك للوهلة الأولى. 

فبقي أن يلتزم أحدهم بأن المربع هو المكعب وهذا لا يقوله عاقل أو أن يعترف بعدم ثبوت الوحدانية من خلال الشرط الذي وضعوه وهو المطلوب إثباته.

فإذا قال أحدهم أن المربع يكون ثنائي الأبعاد لكن المكعب يكون ثلاثي الأبعاد 

قلنا لا بأس إذن فالقاعدة غير كافية ويجب إضافة شروط خاصة بالأبعاد وهذا يعني أننا قمنا بإضافة قواعد أخرى مستقلة و"صفات أخرى" للشيء الذي نبحث وجوده.  وهذا ما تمنعونه بحجة تعدد القدماء




إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الثلاثاء، 9 يناير 2024

المعرفة القبلية واللغة العالمية

 دراسة حديثة على الأطفال من عمر 3 إلى 12 عام  ركزت على الإيماءات 

أي أن الطفل يعرض أمامه مشهد (مثل :شخص يجرى تحت المطر ليدخل بيته) ويطلب منه أن يعبر عنه مرتان, الأولى بأن يعبر عن طريق الإشارة بدون أن يتكلم. والثانية بأن يعبر بالإشارة و الكلام معا.

وكانت المفاجأة أن الأطفال الناطقين بلغات مختلفة كانوا يعبرون بإشارات مختلفة أثناء الكلام لكن إذا ما إستخدموا الإشارة فقط كانوا يستخدمون جميعا نفس الإشارات. ...

مما يعني أننا جميعا نمتلك بديهيات أولية موحدة وطريقة فهم لغوي عالمية نولد بها وتنعكس تلك الملكات الذهنية اللغوية  على لغة الإشارات البدائية ولا تتأثر بلغاتنا المكتسبة وهذا يعد تأييد تجريبي جديد لنظرية تشومسكى اللغوية كما يعد نقضا لنظرية فتجنشتين الذي نفي وجود المعارف الأولية واعتبر أن قواعد اللغة تنشأ عن ممارستنا المجتمعية لا أن قابليتنا الفطرية لفهم وتعلم اللغة هى التي ينشأ عنها ممارساتنا اللغوية المجتمعية.


كما أن الدراسة تكشف عن تأثير اللغة على طريقة التفكير. لأن الإشارات تغيرت حين صاحبها التعبير اللغوي.  مما يؤيد كلام الإمام الشافعي حين انتقد العرب المسلمين في أخذهم لمنطق فلاسفة اليونان المتأثر بلغتهم واعراضهم عن قواعد الفهم القويم المستقاة من لغة القرآن.



إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الخميس، 28 ديسمبر 2023

تجربة الاقتراب من الموت


إذا توقف القلب والدماغ عن العمل يدخل الإنسان في حالة بين الموت والحياة. يمكث البعض في هذه الحالة بدون أي نشاط دماغي لعدة دقائق ثم يعود للحياة مرة أخرى.
تجربة الاقتراب من الموت هي تجربة روحية عاشها آلاف الناس حول العالم من مختلف الثقافات والديانات.
بعض الحالات المسجلة كانت لأشخاص ولدوا عميا لكنهم شاهدوا ووصفوا ما حدث في غرفة العمليات أثناء عملية انعاشهم حين كانوا فاقدي الوعي تماما وفي ظل توقف نشاط الدماغ لا يمكن تفسير هذه المشاهدات على أنها حلم أو هلوسة بل ولا يمكن حتى الاحتفاظ بها كذاكرة يمكن استدعاءها بعد مرور الأزمة ، وبعض الحالات الأخرى حلقوا وشاهدوا المكان من أعلى ووصفوه بدقة وأخبروا عن علامات وضعها الأطباء قصدا إذ لا يمكن مشاهدتها إلا من أعلى ، أو سمعوا النكات والأغاني من غرفة الممرضات البعيدة. بل شاهدوا بقعة الصلصة التي كانت على رابطة عنق الطبيب حين كان يتحدث إلى زويهم بالرغم من عدم وجود أي وسيلة تواصل بينهم.
كل هذه الأحداث تؤكد على وجود الروح ولامادية الوعي.
وأما المشاهدات الرمزية مثل رؤية نفق في آخره نور، فهذه يمكن اعتبارها إشارات ربانية وفرص للتوبة لكنها ليست انكشاف تام للغيب لأن هذا لا يقع إلا بعد الموت،ومثل ذلك يقع للمؤمن والكافر فقد رأى فرعون رؤيا عن زوال ملكه وكذلك رأى صاحبي يوسف عليه السلام رؤى حق. والله أعلم



إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الأربعاء، 13 ديسمبر 2023

الرد على محاولة تافهة لنقد دليل السببية

هذا الشيء المدعو حسام مسعور يعاني من نباح لا إرادي ونفس نتنة ولسان فاحش وذكاء دون المتوسط وعقلية خرافية متشنجة عدوانية كارهة للعلوم والبراهين بل يمكنك اعتبار رأسه محمية طبيعية للتناقضات والهراء. وقد عجبت من تجرؤ أحمق مثله على مهاجمة صياغتي لبرهان السببية فقد كان بوسعه أن يتترس من النقد خلف أطنان الرغى والإطناب التي سود بها صفحات كتبه ويراهن على ضيق أوقات الناس وسرعة مللهم من متابعة المغفلين. أو أن يختبئ خلف محتوي صفحة الضرار خاصته التي لا يوجد فيها شيئا نافعا سوي تنمية مهاراتك في السب والشتم وتوسيع قاموسك من الألفاظ النابية البذيئة، لكن يأبى الأحمق إلا أن يقول خذوني. فقد قال عنى في مقاله:

(الأرعن.. المسكين. متكلما جهميا ... أهل الأهواء.. على طريقة أهل الكلام ...الرجل أبعد وأجهل بطريقة أهل السنة ... خفة عقله وجهله الفاضح ... المنتسبين إلى السلفية زورا وكذبا... منتهى الهذيان ... أكاد أجزم بأنك لا تفهمه.. كلام لا هو فيزياء ولا علم كلام ولا كلام مفيد أصلا!... وهذا إطلاق تحكمي فاسد، من جنس إطلاقات أرسطو وأتباعه، التي أغرقت الجهمية في التعطيل!... فتأمل بربك مبلغ الجهل والتعطيل والجهمية التي شحن بها الرجل برهانه المزعوم.... وقل الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاه به!...  يا رجل إن أبيت إلا أن تكون متكلما جهميا، فهلا صبرت على نفسك حتى تتعلم من علم الكلام ما يتم لك ذلك على طريقة أصحابه، قبل أن تكتب تلك المهازل؟؟... أنتم يا هؤلاء لا تشعرون بمبلغ التجهم والتعطيل الذي تكبتونه في تلك الكتب... ما دلك ولا أفادك إلا بإغراقك في تعطيل الفلاسفة والمتكلمين!... أنا مشفق عليك والله! دعك من هذا الشأن فلست منه ولا هو لك ...وتب عن هذا العبث والسخف، فإن أمر الدين عظيم! وإلا فأصغر طالب علم أشعري يزن عشرين من أمثالك، ... فمن لتلك الفئة العصرية من أدعياء السلفية يقرعهم على رؤوسهم ليدركوا مبلغ الضياع الذي وقعوا فيه...أبشر بما يسوؤك إن لم تتب وتصلح وتقلع عما أنت فيه، فقد بليت المسلمين بما كانوا منه في عافية)

واحتراما لوقتي وأوقاتكم وموهبتي المعدومة في الشخصنة فسوف أتجنب التنويع في ألفاظ الشتم وأجمع أمر الرجل في كلمة واحدة استخدمها وهي (الأهطل) لأنها أنسب الأوصاف له في رأيي المتواضع. دعونا نبدأ في اكتشاف ما تفضل به علينا هذا الأهطل من خبايا عقله الألمعي 

قال: (هذه المحاولة البائسة لمحاكاة طريقة المتكلمين في صياغة البراهين السيلوغية )

قلت: هذه براهين قرآنية -والآيات التي تم تأسيس البرهان عليها مبثوثة في كتابي- عقلية وليست من طرق المتكلمين في شيء -والتي لا تحسن نقدها بالمناسبة-, لكنه يظن أن كل برهان نُصب للاستدلال على وجود الله فهو باطل وانزلاق في طرق المتكلمين وذلك لأن وظيفة العقل الوحيدة عند هذا الأهطل هي تركيب صياغات السب والشتم والتبديع أما الاستدلال على الخالق فبدعة منكرة عنده. وهو بليد أبله لا يستطيع إقامة برهان واحد متماسك على وجود الخالق وغاية ما يقف به أمام الملحد هو التشنيع الذي يستطيعه الصبيان الصغار والتنطع بأننا لسنا في حاجة لإقامة براهين وإذا ما اضطر للمواجهة تبنى كلام معاتيه فلسفة مناهضة الواقعية فإذا ما غرق في أوساخ الشك والنسبوية ونصب بجهله العداء لسائر البراهين والعلوم وسمع تصفيق المغفلين من حوله انتقل في حركة بهلوانية غير مبررة إلى التشبث بالبديهيات القطعية التي كان إسقاطها هو أول مهام الشكوكية النسبوية ومناهضة الواقعية.

قال :(وهنا يقال: أولا ما معنى "ناقص"؟ ناقص يعني محتاج! ومحتاج يعني ناقص! لأن كونه محتاجا لغيره، أو قائما بغيره، هذه كلها من معاني النقص في الموجود قطعا! فما فائدة المقدمة الأولى؟ لا شيء!)

قلت : هذه هي المسلمة الأولى

"إذا كان الشيء ناقصًا غير قائم بنفسه فسيكون محتاجًا إلى أسباب قيامه ويدور وجوده وعدمه مع وجودها وعدمها، فهو حادث سبقته أسباب وجوده"

وهذه المسلمة تربط بين معاني النقص والقيومية والكمال المطلق
والسببية والحدوث وهذه معان كبيرة تاه فيها إمامك هيوم الذي لم يحسن فهم جوهر السببية وخلط بينها وبين الحتمية وتاه فيها المتكلمون حين عطلوا مفهوم السببية أيضا وجعلوا كل حدوث أو تغير دال على النقص والحاجة لأنهم لم يدركوا مفهوم وحدود الافتقار والعجز السببي. فإذا كان هذا التأسيس المختصر وشرح السببية عموما المختصر -56 صفحة في الكتاب- قد استغلق عليك فهمه فأنت تنادى على نفسك بالغباء، وشفاء العي السؤال لا التكبر والتصدر لنقد ما يتجاوز عقلك الضيق.

قال :(وأما الثانية، فقوله الشيء المحكوم بالقوانين يكون خاضعا للسببية، هذا إطلاق فاسد، لأن قولك: القوانين هذا قول مجمل، إذ لا ندري هل المقصود بالقوانين هنا القانون الطبيعي خاصة، أي نظم الطبائع في المواد المخلوقة، أم القانون بإطلاق، وهو ما يشمل القانون الأخلاقي والمبادئ العقلية الضرورية، وما يفرضه صاحب الملك على نفسه من منع وتحريم كما حرم الله تعالى على نفسه الظلم، فهذه كلها تدخل في معنى السنن والقوانين، وهي بحيث لو خرج عليها رب العالمين للزم النقص في حقه! فهل يكون هذا نقصا في حقه وحدوثا عندك؟؟ بل إن مبدأ السببية نفسه يجري عليه سبحانه بالضرورة، لأنه يجري على السبب (أنه يؤثر في مسببه) كما يجري على المسبب بالضرورة! يجب أن يثبت التأثير حتى يثبت الأثر! فإذا كان الله تعالى هو المؤثر، فالأثر ينشأ عن فعله في إطار معنى السببية بالضرورة! بل إن بعض مذاهب المتكلمين حصرت معنى السببية في فعله وخلقه وتأثيره سبحانه!! وهذا غلط وفساد ولا شك، لكن القصد أن هذا الأرعن أخرج ربه من أن يكون سببا في شيء أصلا، ومن أن يكون جاريا على أي سنة عقلية (كمبدأ عدم التناقض مثلا) أو سنة أخلاقية (كالوفاء بالوعد إذا وعد)، من غير أن يشعر أو ينتبه!! فعبارة "الخاضع للسببية" هذه مجملة، وفك إجمالها يورد التعطيل على رب العالمين! فإن قال: أنا أقصد بالسببية هنا القوانين المخلوقة في العالم، فإنه بهذا يكون قد أسس مقدمته الثانية على النتيجة التي يفترض أنها لا تتحصل له إلا بعد سبع مقدمات كاملة!!)

قلت: هذه هي المسلمة الثانية

"الشيء المحكوم بالقوانين يكون خاضعًا للسببية، والشيء الخاضع للسببية يكون ناقصًا حادثًا."

لا يا أذكى اخواتك! المقصود هو الاحتكام لقوانين الطبيعة الفيزيائية وليس قوانين المبادئ العقلية ولا الأخلاق ولا قوانين مصلحة الجوازات ولا حتى قوانين العشق والحب. وشرح علاقة قوانين الفيزياء بالسببية مبسوط وموضح في صفحات الكتاب قبل سرد هذا البرهان وداخل البرهان أيضا وفي المقدمة التالية أتحدث عن الكون والطبيعة. ولا يقال على الله "محكوم بالقوانين" أصلا لكي يختلط الأمر عليك ولا يقال عنه "خاضع للسببية" حاشاه لأن السببية العامة البديهية عبارة عن مفهوم ذهني معنوي وليست كيانا خارجيا لكي يُفتقر إليها في الوجود وإنما الحديث هنا عن الافتقار السببي الفيزيائي. 
كما أن المسلمة الثانية ثابتة بمجرد ربط مفهوم القانون الطبيعي بمفهوم السببية باعتباره مظهرا له وأنا أعلم جيدا أنك لا تفهم ما هو القانون الطبيعي ولا تفهم كذلك ما هي السببية بل إن كلامك فيهما يدور بين المذهب الأشعري والهيومي وكلامك في القانون الطبيعي يدور بين الخيالات والخزعبلات وللقارئ أن يراجع مقالي "المؤدب جدا للأسف" المعنون باسم (الرجل الذي لا يعرف أنه من جماعة الأرض المسطحة) الذي كشفت فيه سوأتك فطفح حقدك وحسدك الدفين 

قال :
(السبب أم المسبب أم كلاهما، في نفس هذا العالم الذي تنسبه إليه ذلك "الخضوع"؟ يوجد في الواقع أسباب مخلوقة ومسببات مخلوقة، وأسباب غير مخلوقة ومسببات غير مخلوقة! نعم! يوجد مسببات غير مخلوقة! تدري ما هي؟؟ كلمات الله تعالى ومشيئاته! هذه حوادث تنشأ عن ذات الله تعالى وليست بمخلوقة! فهل تزعم أنها لا تقع منه عن أسباب في علمه سبحانه؟؟ ثم إن من أفعال الله تعالى ما يكون مترتبا على أفعال المخلوقين، فيما يسميه الأشاعرة على اصطلاح أرسطو في مقالاته العشر بالانفعال! وهو عندهم لا يكون إلا مخلوقا بسبب تلك المقالات! فهل عندك أنت يكون مخلوقا بسبب أنه قد "تسبب فيه"، بوجه ما، شيء مخلوق؟؟ نعم إجابة الدعاء ترتبت سببيا على صدور الدعاء من العبد! والدعاء فعل العبد، بينما الدعاء فعل الرب سبحانه! وكذلك إذا خاطب رب العالمين مخلوقا من مخلوقاته يرد على كلامه، كما رد على كلام الملائكة في قوله تعالى: ((قال إني أعلم ما لا تعلمون))، فكان تكليمه إياهم بسبب تكليمهم إياه! فهل بهذا يكون رب العالمين، على ميتافيزيقاك الهزلية هذه، قد "خضع للسببية"؟؟ وهو سبحانه لا يفعل فعلا من أفعاله إلا عن مشيئة حادثة في نفسه جل شأنه، والمشيئة راجعة سببيا إلى علمه وحكمته سبحانه! فهو إذن تقوم بذاته حوادث لها أسباب تسبقها! فهل يكون حادثا ناقصا عندك لقيام "المسببات" بذاته؟ هذا كله يا إخوان ونحن ما زلنا في المقدمة الثانية من سبع مقدمات أتحفنا بها الرجل في "برهانه" الفلسفي المبتكر هذا، والله المستعان! )

قلت: الله عز وجل لا يفتقر سببيا لشيء من مخلوقاته فاستجابة دعاء العبد لا شأن له بالافتقار السببي لأنه ببساطة ليس فيه أي افتقار! فلم يهب العبدُ لله سببا جعله قادرا على الاستجابة له بعد أن كان عاجزا عنها وإنما خلق الله العبد وقدرته وإرادته ودعاءه. فمدار الكتاب كله على شرح الافتقار السببي والغني المطلق للخالق ثم يأتي هذا الأهطل ليورد علينا مثل هذه الإيرادات الساذجة!! وهذه هي نفس إطلاقات المتكلمين المغلوط عن الحدوث والتغير وعدم استيعابهم لما هي دال على حدوث الذات وما ليس كذلك وما هو ممتنع وما هو جائز من التسلسل أيضا.

قال:(بذلك، أي بأي شيء؟؟ أنت غاية ما فعلته هنا أنك قلت: الكون حادث غير قائم بنفسه، إذن الكون حادث غير قائم بنفسه!! هذه مقدمة كبرى أم صغرى أم أي شيء تكون؟؟ هو يحاول في هذه المقدمات الأربعة أن يبدأ بإطلاق قاعدة ميتافيزيقية أسسها لنفسه، فيما يرجو، مفادها أن كل ما تحكمه القوانين أو هو خاضع لها، فهو حادث ناقص، فتكون يقرر جريان محمولها على الكون في مقدمته الصغرى، ومن ثم ينتهي إلى إثبات حدوث الكون على طريقة أهل الكلام في براهين الحدوث لديهم! لن أتكلف تنبيهه هنا إلى مخالفته أهل السنة في مبدأ استعمال براهين الحدوث على مقدمات ميتافيزيقية، لأن الرجل أبعد وأجهل بطريقة أهل السنة من أن يدري بموقف أهل السنة من مبدأ البرهنة على الحدوث بأمثال تلك المقدمات! أنا فقط أريد أن أبين خفة عقله وجهله الفاضح بلوازم كلامه، وبأوليات تلك الطريقة التي يتعلق بها وبمصطلحاتها من غير أن يعقل معانيها ومتعلقاتها، وجرأة هذه الفئة من المصنفين المنتسبين إلى السلفية زورا وكذبا، على ربهم جل في علاه!  

قلت: هذه هي المسلمة الثالثة التي يتحدث عنها

"ليس في هذا الكون أو الطبيعة شيء قائم بنفسه لا يحتاج إلى الأسباب في وجوده ولا تحكمه القوانين، وبذلك تكون كل الكيانات الفيزيائية الطبيعية الخاضعة للقوانين حادثة. "

هذه المسلمة ليس فقط تثبت حدوث الكون أو المادة أو الطاقة أو الأكوان المتعددة بل تثبت حدوث الطبيعة كلها بما حتى لو كانت كيانات فيزيائية مجهولة لنا. وهنا ينتهي الإلحاد العلمي والفلسفي الذي اعتنقه كثيرون قديما وحديثا واعتقدوا بأزلية الطبيعة أو شيء منها. ومرة أخري لا يوجد أي علاقة بين برهان الحدوث الكلامي - والذي أنتقده بما لا تستطيع أنت- وبين ما سطرته في هذا البرهان العقلي القرآني. لكن الرجل نمطي يفكر بطريقة القوالب الجاهزة والتهم المعلبة

قال : (ما معنى الكيانات الفيزيائية الطبيعية الخاضعة للقوانين؟؟ ما حد الكيان الفيزيائي وما تعريفه أصلا؟؟ إن قلت هو الشيء المخلوق، صادرت على المطلوب! وإن قلت هي كل موجود من موجودات الكون، صار حاصل المقدمة كما مر، أن تقول: الكون حادث إذن الكون حادث! وما زال الإجمال القاتل في العبارة "خاضع للقوانين" قائما لم يرفع! )

قلت: الكيانات الفيزيائية هو مصطلح علمي يا مغفل Physical entities  وهو كل شيء له وجود فيزيائي خارجي ويتأثر بأسباب وعلاقات فيزيائية سواء كان مادة أو طاقة.

قال :(لا ريب أنه لا يقصد بلفظة "سلسلة" هنا المعنى الاصطلاحي الكلامي، لأنه سينفي التسلسل بعد قليل! لكن إذن نقول له ما معنى "سلسلة" هنا؟؟ سلمنا بأن حدوث الكون ترتب على ما قدمت به (وإن كان يلزمه حدوث كل ما في الأعيان كما مر)، فمن أين جاء التقرير: وهو عبارة عن سلسلة من الحوادث؟؟ هذه مشاهدة أم استقراء أم قضية عقلية ضرورية مسلمة أم ماذا؟)

قلت: هذه هي المسلمة الرابعة التي يتحدث عنها
"إذًا هذا الكون حادث بكل ما فيه، وهو عبارة عن سلسلة من الحوادث." أقصد بالسلسلة.. السلسلة يا فزلوك أي مجموعة أشياء بينهم علاقة سببية يكون كل فرد منهم سببا لشيء لاحق له ويكون وجوده هو نتيجة لشيء سابق له تماما مثل.... مممممممم! ..... حلقات السلسلة مثلا! المعلقة في سقف بيتكم ويعتمد تعلق كل حلقة منها على التي قبلها. وهذا تسلسل سببي وهو نوع يمتنع أن يقوم بنفسه أو أن يمتد إلى ما لا بداية في الماضي خلافا للتسلسل الغير سببي الجائز الذي يشمل إرادات وأفعال الله والذي يخلط المتكلمون بينه وبين التسلسل السببي فيمنعوه هو أيضا ظنا منهم أن جميع التسلسلات ممتنعة. لكن لماذا تمثل الكيانات الفيزيائية تسلسل سببي دال على حدوثها دون أن ينطبق هذا على كل ما هو موجد في الخارج كما يتوهم الأهطل؟ لأن المسلمات السابقة لا علاقة لها بالوجود المطلق المجرد وإنما تثبت حدوث الوجود المفتقر لأسباب المحكوم بقوانين طبيعية فقط.

قال:(منتهى الهذيان والله! فهمت، فيما أظن)

قلت : بعد أن سطر ما يزيد عن ألف كلمة قال " فهمت فيما أظن" لا يا أهطل لم تفهم شيء ولن تفهم شيء ولو بعد مليون كلمة

قال:(يقصد بالقيام بالنفس أي عدم الافتقار إلى سبب خارجي يقيم الموجود)

قلت: يا له من اكتشاف متأخر لكن better late than never

قال :(فإذا كنا قد انتهينا فعلا مما مر إلى وصف الكون بالحدوث والنقص والافتقار (وهذا من ضرورة معنى الحدوث أصلا)، فما وجه أن نرجع لنحاول إثبات أن "سلسلة الحوادث" قائمة بغيرها لا بنفسها؟؟ أهو التكثر بالمقدمات حتى تشعر بقيمة البرهان وقوته مثلا؟؟)

قلت: أو لأن هذه هي نقطة بداية النقاش مع الملحد المادي الطبيعاني مثلا؟! والله لا أعلم من الذي جعل هؤلاء يتكلمون في نقد الإلحاد وهم لا يفهمون شيئا عنه!! فكل ما سبق من تأسيس لبرهان السببية تم تفعيله لنقد المذهب الطبيعاني هنا في هذه المسلمة الخامسة التي تقول

"سلسلة الحوادث لو كانت قائمة بنفسها وكان لها بداية لكان قيامها مرهونًا بقيام أولها الذي هو حادث قام بدون سبب وهذا مستحيل، ولو كانت قائمة بنفسها وليس لها بداية في الماضي لكانت سلسلة خيالية لا يمكن أن تقوم بنفسها في الواقع، وبالتالي فسلسلة الحوادث لا يمكن أن تكون قائمة بنفسها."

وبصرف النظر عن حب الرجل الظاهر للإيجاز والاختصار الذي دفعه لرؤية هذه المسلمة تطويل لا حاجة له. فالجدل المعاصر يبدأ مع الملحد من هذه النقطة ومن توهم غير ذلك فهو لا يعرف شيء عن الإلحاد. لأن الملحد يقول إن حدوث الأشياء من حولنا غير دال على افتقار الطبيعة فرغم التغير الكبير الذي نشاهده إلا أنه على مستوى الذرات لم يحدث شيء سوى تفكك بعض الروابط الخارجية لكن أصل المادة (أو الجسيمات الأولية أو الطاقة أو الفراغ الكمي أو الأوتار أو المجالات الكمومية ... إلخ) مازال واحداً. وكما أنكم أيها المؤمنون تعتقدون بأن الله يفعل الشيء ثم يفعل غيره فتكون سلسلة أفعال الله مكونة من متغيرات حادثة - سلسلة آثار- وهي مع ذلك غير دالة على افتقار الذات لشيء خارج عنها فإن الملحد يثبت نفس الشيء لبعض الكيانات الطبيعية الأساسية رغم التغيرات التي تظهر لنا على السطح.
والجواب على الملحد يكون بالوقوف على معيار الافتقار الذي أسسناه في المسلمات السابقة مما يجعل الحدوث والتغير الحاصل في الطبيعة دال على افتقارها. لأن كل تحول من مادة إلى أخرى أو من حالة إلى أخري سيكون مفتقر لأسباب هذا التحول. فمثلا الماء في صورته السائلة يكون وجوده مرهون بوجود أسباب مسبقة ونفس الشيء في صورته الغازية (بخار) أو الصلبة (ثلج) فيكون وجود كل صورة منهم مرهون ومفتقر ومحكوم بأسبابها المسبقة وهذا ليس خاص بالماء فقط بل كل ما هو فيزيائي فإن وجوده سيكون محكوما بقوانين وشروط سببية مسبقة سواء علمنا تفاصيل تلك القوانين أم لم نعلمها فدائما سيكون هناك قانونا حاكما يبين حدود العجز وإلا لزم طغيان الشيء الفيزيائي الغير مريد على كل ما سواه مما يعني استحالة وجود أي نظام قانوني أو تمايز خصائص الأشياء والكيانات في أي عالم ممكن كما أسسنا ذلك في جزء "متى تنهدم السببية" وهو جزء محوري في البرهان

قال:(ما معنى أن تكون السلسلة قائمة بنفسها أصلا؟ أن يكون كل حادث منها غير متعلل بحادث قبله من حوادث العالم، أليس كذلك؟)

قلت: لا ليس كذلك وقد وقفت هنا كثيرا وحاولت أن أستوعب حال الرجل وقدراته الذهنية. كيف يمكن أن يفهم شخص عاقل أن قيام سلسلة الحوادث بنفسها يعني أن كل فرد فيها مستقل في قيامه بنفسه وغير مفتقر سببيا لغيره؟! فهي بذلك فقدت معني التتابع والحدوث معا فبأي عقل يفكر؟!سلسلة الحوادث القائمة بنفسها يقصد بها الانغلاق السببي أو التسلسل الأزلي أي أن الملحد يقول إن هذه الطبيعة في حركة وتغيرات مستمرة منذ الأزل أو أن كل شيء فيها مفتقر لأسباب متوفرة في غيره وهكذا في دوائر مغلقة فيكون الشيء سبب لوجود غيره وغيره سبب في وجوده 

قال (قوله: "ولو كانت قائمة بنفسها وليس لها بداية في الماضي لكانت سلسلة خيالية لا يمكن أن تقوم بنفسها في الواقع"، قلت هذا كلام الأشاعرة في زعمهم أن ما تسلسل لم يتحصل، وهو باطل لا يتسع المقام لبيان بطلانه!)

قلت: حقا شر البلية ما يضحك! أشاعرة ايه بس وبطيخ ايه؟ أنت تنتقد صياغتي لبرهان السببية ولم تفهم بعد أن هذا الكلام عن تسلسل العلل الممتنع عند الجميع!؟ حسنا هذه عبارة ابن تيمية عن تسلسل العلل سلسلة المعدومات الخيالية المستحيل وجودها في الواقع" وَالتَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ: تَسَلْسُلٌ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ كَالتَّسَلْسُلِ فِي الْعِلَلِ وَالْمَعْلُولَاتِ، وَهُوَ التَّسَلْسُلُ فِي الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولَاتِ، فَهَذَا مُمْتَنَعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَسَلْسُلُ الْفَاعِلِينَ وَالْخَالِقِينَ وَالْمُحْدِثِينَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْمُحْدَثُ لَهُ مُحْدِثٌ، وَلِلْمُحْدِثِ مُحْدِثٌ آخَرُ إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى. فَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى امْتِنَاعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُحْدِثٍ لَا يُوجَدُ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ مَعْدُومٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُمْكِنٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، فَإِذَا قُدِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَتَنَاهَى، لَمْ تَصِرِ الْجُمْلَةُ مَوْجُودَةً وَاجِبَةً بِنَفْسِهَا، فَإِنَّ انْضِمَامَ الْمُحْدِثِ إِلَى الْمُحْدِثِ وَالْمَعْدُومِ إِلَى الْمَعْدُومِ وَالْمُمْكِنِ إِلَى الْمُمْكِنِ، لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُفْتَقِرًا إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ، بَلْ كَثْرَةُ ذَلِكَ تَزِيدُ حَاجَتُهَا وَافْتِقَارُهَا إِلَى الْفَاعِلِ، وَافْتِقَارُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُمْكِنِينَ أَعْظَمُ مِنَ افْتِقَارِ أَحَدِهِمَا، كَمَا أَنَّ عَدَمَ الِاثْنَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا. فَالتَّسَلْسُلُ فِي هَذَا وَالْكَثْرَةُ لَا تُخْرِجُهُ عَنِ الِافْتِقَارِ وَالْحَاجَةِ، بَلْ تَزِيدُهُ حَاجَةً وَافْتِقَارًا. فَلَوْ قُدِّرَ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَقُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ مَعْلُولٌ لِبَعْضٍ أَوْ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِفَاعِلٍ صَانِعٍ لَهَا خَارِجٍ عَنْ هَذِهِ الطَّبِيعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلِافْتِقَارِ وَالِاحْتِيَاجِ، فَلَا يَكُونُ فَاعِلُهَا مَعْدُومًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، بَلْ لَا يَكُونُ إِلَّا مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ قَدِيمًا لَيْسَ بِمُحْدَثٍ، فَإِنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَنْ يَخْلُقُهُ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ" انتهي.


قال:(هنا يخترع الرجل لنفسه حدا ميتافيزيقيا جديدا للتغير لا قائل به قبله، فيقول التغير هو فقد الصفة لفقد سبب قيامها بالموصوف بها!! وهذا إطلاق تحكمي فاسد، من جنس إطلاقات أرسطو وأتباعه، التي أغرقت الجهمية في التعطيل! وإلا فما الذي يمنع من أن يقال: التغير هو اكتساب صفة جديدة لظهور سبب لقيامها بالموصوف بها؟؟ هو يريد أن يعبر بالفقد، حتى يشعرك بالنقص وبأنه ملازم لمعنى التغير، فتنتهي إلى قاعدة الأشاعرة في أن ما قامت به الحوادث فهو حادث، والتغير قيام "للحوادث" بالموجود! وإلا فلو قال كما عليه العقلاء إن التغير هو التحول من حال إلى حال أخرى، لجاز أن يقال هو تحول من حال كمال إلى حال أخرى هي كمال أيضا، بالنظر إلى السبب الباعث على ذلك التغير! فمن نفى التغير بهذا المعنى عن رب العالمين سبحانه فقد عطله عن جميع أفعاله)

قلت هذه هي المسلمة السادسة

"سلسلة الحوادث لا يمكن أن يكون أولها (أو أي فرد فيها) قائمًا بنفسه؛ لأنه لو كان كذلك لوجب عليه أن يتغير إلى الفرد الذي يليه في السلسلة لكي تبدأ السلسلة وتستمر والتغير ينافي القيام بالنفس؛ لأن التغير هو فقد الصفة لفقد سبب قيامها ولو عاد السبب لعادت الصفة، والقيام بالنفس هو قيام الصفات بدون حاجة إلى أي سبب يقيمها."

الكلام عن تغير فيه زوال صفات الذات نتيجة فقد سبب وجودها سواء تبع ذلك اكتساب صفة أخرى حادثة كانت معدومة من قبل حضور سببها الذي حضر للتو أو بالنظر إلى زوال الصفات التي كانت قائمة قبل حدوث التغير. فحدوث الصفة الزائلة والمكتسبة واضح لكل عاقل وأما التحول من كمال إلى كمال فهذا ليس فيه افتقار سببي أصلا لأن الكمال والغنى والقيومية تعني عدم الافتقار للأسباب. ارحمني يا رب من هذه العقول

قال :(الظاهر أنه يريد أن يقول بإيجاز، لو قدرنا أن أفراد السلسلة كان أولها مستغنيا عما يتسبب في وجوده بعد عدمه، قائما بنفسه، لوجب ألا يكون ظهور الفرد الذي يليه إلا من تغيره هو نفسه وتحوله إليه! ونحن نسأله: هذا على أساس أن العلة القائمة بنفسها، لا يجوز أن ينشأ عنها غيرها، إلا بأن تتحول هي نفسها إليه؟؟ إذن الله تعالى عندك لا يجوز أن يخلق هذا العالم إلا بأن يتحول ويتغير هو نفسه ليصبح هو عين العالم! ولكن بما أنه لا يجوز عليه التغير عندك، فلا يجوز أن يكون هو خالق العالم أصلا! وهو معطل عن كل فعل وعن كل كلام وعن كل صفة بالضرورة لأن ذلك كله يكون تغيرا، والقائم بنفسه لا يتغير!!  )

قلت: كتبت في التعليق السابق المسلمة السادسة لكن اعذروني أعيد اقتباس جزء منها مرة أخرى (سلسلة الحوادث لا يمكن أن يكون أولها (أو أي فرد فيها) قائمًا بنفسه؛ لأنه لو كان كذلك لوجب عليه أن يتغير إلى الفرد الذي يليه في السلسلة لكي تبدأ السلسلة وتستمر والتغير ينافي القيام بالنفس) هل قرأتها جيدا؟ هذه الجملة عبارة عن برهنة بالتناقض أي أن افتراض أن أحد أفراد السلسلة قائم بنفسه يتناقض مع مفهوم القيام بالنفس ذاته. فماذا يمكن أن نسمي من فهم من هذا الكلام المذكور أعلاه أن افتراض أن أحد أفراد السلسلة قائم بنفسه ممكن ولا اشكال فيه "لكن بشرط واحد" وهو أن يكون هذا القائم بنفسه متغير وغير قائم بنفسه.
نعم أحسنتم ... نسميه أهطل.

قال:(لا لم يجب! لأنه إن قدِّر قائما بنفسه، فليس هو قابلا للتغير حتى يتحول من حال عدم إقامة السلسلة إلى حال إقامتها! ثم إنه ليس في شيء مما قررته ما يوجب كونه بائنا عن تلك السلسلة!)

قلت: هذا هو الاستنتاج النهائي
"فوجب أن يكون مَن أقام سلسلة الحوادث قائمًا بنفسه بائنًا عن تلك السلسلة."

طبعا هو يعترض هذه الاعتراضات السخيفة على اعتبار أني أنه ألزمني بعقائد المتكلمين وأنني يلزمني نفي الأفعال عن الله وقد بينت أن هذا غباء منه لا أكثر ولا أقل وأن مدار الكلام كله عن الحوادث والتغيرات المتعلقة بالافتقار السببي فقط والعجز والنقص الذي تجبره الأسباب المكملة وهذا كله ممتنع في حق الله 

قال:(الرب سبحانه كانت له حكم وتعليلات في أفعاله التي منها خلق هذا العالم أم لم تكن؟ إن قلت كانت لديه، لزمك أن تجعله مفتقرا لتلك العلل والأسباب "محكوما بالسببية"!)

قلت: تكرار لنفس السماجة والغباء... الله غير مفتقر لأي سبب ولا يرتفع عنه عجزا باكتسابه لسبب ما وهبه له عبده. كما أن صفات الذات من حكمة وعلم ليست أسبابا خارجية تفتقر لها الذات. فلا محل للافتقار في ذات الله ولا صفاته ولا أفعاله القائمة بذاته أيضا.

ختاما أقول إن هذا البرهان صلب متين لا تبلغه عقول السفهاء أمثال هذا الأهطل وقد كان وسيظل بإذن الله غصة في حلوق الملاحدة واللادينيين بجميع طوائفهم والله المستعان
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2023

نظرية التجميع Assembly Theory

تكلمت أكثر من مرة عن حجة الاحتمالات المستخدمة من البعض ضد الداروينية، والتي تخبرنا أن احتمال ظهور جزيء بروتين واحد بالصدفة يعد أمرا مستحيلا.

وقلت إن هذه الطريقة معيبة وأنها لا تأخذ في الحسبان دور الانتخاب الطبيعي وكأن الداروينية عبارة عن طفرات عشوائية فقط وهذا غير صحيح لأن الآلية الأساسية في الداروينية هي الانتخاب الطبيعي.

ومؤخرا نشر الدراونة  ( 1و2) نظرية التجميع Assembly Theory التي تحاول وضع مقياس لما يمكن أن يوجد عن طريق الانتخاب الطبيعي وما لا يمكن أن يوجد. 

وهذه النظرية تعد المنافس الدارويني لحجة الاحتمالات، وهي تتفوق عليها في أنها نجحت في تضمين مفهوم الانتخاب داخل حساباتها.

ومع ذلك فهي نظرية معيبة أيضا وهناك انتقادات ضخمة حولها حتى من الدراونة أنفسهم (3و4) رغم الضجة المتصاعدة حولها حتى أن البعض بدأ يتكلم عنها باعتبارها نظرية كل شيء المنتظرة (5)

نظرية التجميع تحاول الوصول إلى أقصر مسار يمكن أن يسلكه الانتخاب الطبيعي لتجميع مركب وظيفي ما, فمثلا جزيء ATP به 21 رابطة بين ذراته إذا هناك 21 خطوة ينبغي للانتخاب الطبيعي أن يسلكها و يكون تصنيف ATP وفقا لهذا المقياس هو 21 وأما البنسيلين مثلا فيأخذ 17 وبالتالي فهو أقرب إلى متناول الانتخاب من ال ATP  ولو أن عندنا خزينة رقمها السري 8875 إذا فتصنيفها حسب هذا المقياس هو 4 وهكذا 

وطبعا هذا لا يحل الاشكال الدارويني أبدا بل هذا يثير سؤال التعقيد الغير قابل للاختزال لأن متابعة السير في مسار معين لتحقيق هدف وظيفي ما مع تجاهل باقي المسارات الأخرى التي تنتهي بالانتخاب إلى مركبات غير وظيفية، هو جوهر حجة التعقيد الغير قابل للاختزال كما بينت هنا (6)

حجة الاحتمالات تتعامل مع الموقف بثنائية الصدفة أو الوعي ولا تلتفت إلى خيار ثالث أساسي وهو الآلية الطبيعية الغير خطية أو الغير ميكانيكية المتمثلة في الانتخاب الطبيعي

فعندما أسأل شات جي بي تي عن سؤال ما فالإجابة لم تقع بالصدفة ولم تقع نتيجة وعي أيضا وإنما وقعت وفقا لخوارزمية تعلم ذاتي غير واعية والانتخاب الطبيعي يقول بهذا الدور وهناك مقاربات كثيرة لاختباره باعتبار أنه خوارزمية تعلم ذاتي فعلا (7, 8)


بصرف النظر عن أن تلك الخوارزميات نفسها معقدة ومصممة فهذا ليس موضوعنا هنا وإنما الغرض في الدور الذي تلعبه والكيفية التي تنفذ بها المهمة المطلوبة منها


لو أردت أن أضرب مثل للخطأ في تمثيل حجة الاحتمالات لأليات التطور فيمكن أن أقول إن رمي الجمرات السبعة في مناسك الحج يتطلب أن ينتقي كل حاج من بين الحصى 7 حصاة لأداء تلك الوظيفة ولو حسبنا احتمال اختيار السبع حصاة المعينات التي قام باختيارهم كل حاج فسيكون احتمال خرافي طبعا رغم أنه وقع بالفعل وهذه هي حجة الاحتمالات التي لا تعبر عن العملية بشكل صحيح أما إذا كان هناك نوع حصى يمل إلى اللون الأحمر مثلا أو أن معظم الحصى يلتصق مع بعضه في الحرارة ما عدا نوع ما فبالتأكيد هذا النوع المنفصل او أحمر اللون سيتم اختياره أكثر رغم أن هذه العملية ليست واعية أو مقصودة ولكنها أيضا ليست صدفة لأن هناك عامل بيئي عطى ميزة ما وقام بتغيير الاحتمالات من حيث لا ندرى وهكذا يتم تضمين دور ألية طبيعية مثل الانتخاب الطبيعي تغير الاحتمالات وهذا ما لم تستوعبه حجة الاحتمالات التقليدية



إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

بين ابن تيمية وألفن بلانتنغا

لا أتفق مع دعوى توافق المنهج المعرفي لابن تيمية مع المنهج المعرفي الإصلاحي لكالفين قديما أو بلانتينغا حاليا.

فابن تيمية يقبل الدليل الصحيح أيا كان مصدره (فطري، عقلي، شرعي، تجريبي) بدون تلك التحزبات التي تنحاز لمصدر الدليل على حساب صحته. وهو إن كان ينتقد الأدلة الكلامية فذلك لمشاكل حقيقية فيها وليس لرفضه الاستدلال نفسه كطريق لمعرفة الله عز وجل.
وإلا فقد أخطأ من رد الدليل الفطري على وجود الله مثلما أخطأ من حصر معرفة الله في هذا الطريق وحده، فكل شيء في الوجود آية ودليل وبرهان عليه سبحانه وتعالى والقرآن مليء بأوامر التفكر في خلق الله وطلب اليقين بذلك وهذا كله يلزم منه الاستدلال بالمخلوق على الخالق فإذا نظرت في نفسي وفي الكون علمت أن له خالق وعلمه أنه لم يخلقه عبثا وعلمت أن هذا الخالق ليس الشمس أو القمر أو النجوم وهذا كله استدلال وطلب لتفسير الوجود بمن يملك القدرة على ايجاده وهذه هي الكفاية التفسيرية التي يردها بلانتينغا ويجعل السعي في نفيها عن الطبيعة أو نسبتها إلى الله , بمثابة الإقرار بقواعد الإلحاد حيث يقول :
(لعل الأساس الأهم للإيمان بالله ليس الحجج الفلسفية وإنما التجربة الدينية. فكثير من الناس، من ثقافات متنوعة متعددة، وجدوا من أنفسهم بذربةً تربطهم بكائن مستحق للعبادة. إنهم يعتقدون وجود إله بهذه الصفة، ولكن ليس بسبب البراعة التفسيرية لذلك الاعتقاد. ربما هناك شيء بالفعل يماثل مفهوم الفطرة الذي نادى بو كالفن. فعلا، إن كان الموقف الألوهي حقا، فمن المرجح جدًا وجود شيء يشبه مفهوم الفطرة المذكورة فالزعم بأن الأساس المعقول الوحيد للإيمان بالله هو الكفاءة التفسيرية لذلك المعتقد يكافئ بشكل جوهري إقرار فرضية الإلحاد.)
بلانتينغا لا يرد بالكلية الاستدلال العقلي على وجود الله لكنه لا يري أن شيء منه قطعي يوصل إلى اليقين (كأنه اصدار مخفف من فلسفة كانط) ثم يجعل الدليل الفطري من جنس مفارق للأدلة العقلية والتجريبية وكأنه بذلك يحصنه من كل سبل النقد وليس الأمر كذلك إذ سرعان ما يجد نفسه أمام علم النفس التطوري الذي يفسر نشأة الدين من خلال مرتكزات مادية طبيعانية فيعود الدليل الفطري إلى ساحة الجدل ويتعين على بلانتينغا  الاستدلال على بطلان هذا الطرح الدارويني الذي يجعل الفطرة مجرد خدعة جينية.
فلا فائدة من تلك الحيل ويبقي الحق في اتباع الدليل أينما كان.
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الأحد، 24 سبتمبر 2023

الشواهد الأركيولوجية على وجود يوسف عليه السلام


لو تلمسنا شيئا من الشواهد الأركيولوجية على وجود الأنبياء فربما تكون قصة سيدنا يوسف عليه السلام من أهم المرشحين، وذلك لأنها ذكرت بالتفصيل وحصل فيها أحداث مجتمعية وسياسية واقتصادية كبيرة كما أنها وقعت بين ثنايا الحضارة المصرية والتي يفترض أنها اعتنت عناية خاصة بالتأريخ. 

مع ملاحظة أن مثل هذا البحث يجرى استئناسا وقياسا على تصديق الكتب السماوية السابقة لما جاء به القرآن من أخبار رغم ما يكتنف تلك المصادر من خلل وتحريف، وألا يكون على منوال التاريخية الحداثية المقيتة التي تجعل التصديق بوجود الأنبياء معلقا على مثل هذا وتتغافل عن دلائل النبوة الأساسية.

أبرز السمات في قصة يوسف قد تكون واقعة المجاعة والسبع بقرات والوزير الأجنبي الذي قربه ملك مصر وازدهار الدولة المصرية ورخائها في ظل حسن تدبير أمورها الاقتصادية في فترة قحط وشدة عمت المنطقة حتى جاءتها الوفود من جيرانها الكنعانيين وغيرهم.

وهذه الملامح رغم وضوحها إلا أنه ليس من السهل التعرف على وقت حصولها بالضبط ولذلك فقد ظهرت بين الباحثين في هذا الشأن حولي أربع أو خمس نظريات. 

بعضهم قال إن زمن يوسف علي السلام هو زمن الدولة المصرية القديمة وأن الملك هو زوسر أحد ملوك الأسرة الثالثة الذي حكم مصر في الفترة (2640ق.م - 2611ق.م) وذلك استنادا للوحة المجاعة الشهيرة الموجودة بجزيرة سهيل بأسوان والتي يصف فيها الملك زوسر مجاعة شديدة استمرت لمدة سبع سنين.

والبعض قال إن زمن يوسف عليه السلام هو زمن الدولة الوسطى لأن رسومات السبع بقرات والثور بدأت في الظهور منذ بدايات هذه الدولة 

والبعض قال إن يوسف عليه السلام قد يكون أحد الوزراء الأجانب الذين دفنوا في وادي الملوك لأن هذا يدل على منزلة خاصة وأنه أمر استثنائي لم يتكرر سوى مرتين تقريبا وهما الوزيران يويا وباي

والبعض قال إن يوسف عليه السلام عاش في عصر أمنحتب الثاني وآخرون قالوا اخناتون إلى غير ذلك من الأقوال.

لكن القول الذي أميل إليه والذي أظنه - والله أعلم - أقرب للصحة هو أن زمن يوسف عليه السلام كان زمن حكم الهكسوس وخصوصا الملك خيان أو خايان من الأسرة السادسة عشر في الفترة (1610 ق.م - 1580 ق.موذلك لعدة قرائن:

أولا: الهكسوس عرب رعاة حكموا الدلتا في شمال مصر وهذا موافق لما ذكرته التوراة عن مكان يوسف عليه السلام.

ثانيا: الهكسوس هم أول من استخدموا العربات الحربية وهذا موافق لما ذكرته التوراة عن هبة يوسف عليه السلام هذه العربات لإخوته.

ثالثا: أن القرآن أكد على تسمية حاكم مصر في هذه الفترة بالملك وليس بالفرعون وهذا مما تميز به القرآن عن التوراة التي لم تميز بين اللقبين. ومن الثابت أن تسمية حاكم مصر بالفرعون بدأت منذ عهد الأسرة الثامنة عشر في الدولة الحديثة والتي تأسست بعد طرد الهكسوس. وهذه اشارة قرآنية أن يوسف عليه السلام عاش في زمن الهكسوس أو في زمن قبلهم وليس بعدهم.

رابعا: معظم المؤرخين والمفسرين (الطبري وابن كثير والقرطبي وابن ظهيرة وغيرهم) ذكروا أن ملك مصر في قصة يوسف هو الريان بن الوليد. ومن السهل تصور أن الاسم صحف من ريان إلى خيان 

خامسا: أن عصر الهكسوس يكتنفه الغموض لأن معظم آثارهم طمست ودمرت عن عمد على يد أحمس بعد أن انتصر عليهم وطردهم من مصر. وهذا يبرر غياب آثار واضحة تذكر أعمال يوسف عليه السلام كوزير أو رجل دولة ملك زمام الأمور.

سادسا: رغم أن خيان حكم شمال مصر فقط إلا أن سلطانه ونفوذه التجاري امتد إلى أماكن بعيدة مثل بغداد وكريت وفلسطين وسوريا والنوبة، مما يتوافق مع حالة الازدهار التجاري والاقتصاد التي عاشتها مصر في ظل تدابير يوسف عليه السلام.

سابعا: لم يصلنا ذكر لمجاعة وقعت في عهد خيان لكن هناك ذكر لمجاعات وقعت في جنوب مصر في ظل حكم نفر حتب الثالث ومن بعده وهذه هي نفس فترة حكم خيان في الشمال، وإذا كان الجنوب يعاني من مجاعة نتيجة انخفاض منسوب النيل فمن باب أولى أن المجاعة ضربت الشمال أيضا.

ثامنا: تم اكتشاف حوالي 27 ختم عليهم اسم "يعقوب - حر" أو "يعقوب - هر" وهذه الأختام تحمل نفس طابع أختام الملك خيان مما يعني أن يعقوب حر لم يكن ملك سابق أو لاحق لخيان وإنما كان وزيرا عنده، لكنه حظي بمكانة كبيرة لدرجة أن الأختام نقشت باسمه هو وهذا يكاد يكون دليلا مباشرا. لماذا كانت الأختام باسم يعقوب وليست باسم يوسف؟ قد يكون هذا تكريم من يوسف لأبيه أو قد يكون ذكر للابن باسم أبيه ...الله أعلم.


الخلاصة: أظن أن وجود يوسف عليه السلام كان في عصر الهكسوس ولا أجزم في ذلك بشيء، وأظن أن الاهتمام بالبحوث الأركيولوجية ومزاحمة الحداثيين اللادينيين في تلك الساحة هو من الأولويات الشرعية لهذا العصر.

الصورة الأولى: لوحة المجاعة جزيرة سهيل أسوان.



الصورة الثانية: البقرات السبع المقدسة (حتحورات)  والثور، معبد دندرة بمدينة قنا.



الصورة الثالثة: جعران (ختم) "يعقوب - حر" المتحف البريطاني.


مراجع:

1-

https://www.britishmuseum.org/collection/object/Y_EA40742

2- 

https://journals.ekb.eg/article_38271.html


إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الأحد، 10 سبتمبر 2023

معاداة الواقعية anti realism

 السفسطائيون هم أول من قالوا بأن الحس هو مصدر جميع المعارف وهذا بالطبع يتناسب مع تشكيكهم في كل شيء بما في ذلك البديهيات, ثم خفت نجم السفسطائية بفضل جهود سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى أن عادت مرة أخرى مع الفلسفة الحديثة والقول بنسبية الحقائق وعدم موضوعيتها بل والتشكيك في وجود العالم الخارجي نفسه أو التشكيك في قدرتنا على التعرف عليه بشكل صحيح وهذا بالطبع انعكس على فلسفة العلوم من عدة وجوه أبرزها ما يعرف بمعاداة الواقعية anti realism والتي هي فرع ينتسب صراحة إلى السفسطائية اليونانية القديمة لكن بصورة معدلة لتخدم نفس الأفكار، وغالبا ما يتم الترويج لمثل هذه الفلسفات البائسة من خلال بعض عجائب ميكانيكا الكم أو بعض تفسيراتها الكثيرة أو النزعات المثالية عند بعض مؤسسيها مثل نيلز بور, ليخرج علينا متحمسوها فيما بعد بنتائج خرقاء يهدمون بها العلم والحقيقة الموضوعية ويزعمون أنه لا يمكن الكشف عن حقائق هذا العالم وأن النظريات العلمية مجرد أدوات تقنية تساعدنا براجماتيا للحصول على احتياجاتنا لكنها لا توفر أي وصف حقيقي للعالم وأن الملاحظات يمكن إعادة تفسيرها ووصفها نظريا ورياضيا باستخدام نظريات أخري ونماذج رياضية أخري , ثم تصدى لهذه الأفكار فيزيائيون كبار مثل ديفيد دويتش وكذلك فلاسفة مثل هيلاري بوتنام لكن دائما السفسطة لها جاذبيتها حتى عند بعض المسلمين للأسف ظنا منهم أنهم سيقلبون سلاح الخصم عليه وما هم بفاعلين إلا إذا تلبسوا بالتناقضات وقد سبقهم إلى ذلك بعض فلاسفة النصارى مثل ميشيل دي مونتين الذي اشتهر باستخدام الفلسفة التشككية لمحاربة الإلحاد . ومثل هذه السبل لا يسلكها صاحب حق وإنما يتبعها أهل الأهواء فإذا تملك الشك المطلق من قلب المخاطب وغادر اليقين إلى غير رجعة أمكن حينها رفع أي علم والترويج لأي دعوة باطلة لأن الأمور كلها تصبح سواء.

وقد يظن بعضنا أن فلسفة العلم بالنسبة للعلوم هي بمثابة أصول الفقه للفقه وهذا خطأ شنيع لأن أصول الفقه تعتبر القواعد الكلية التي يشتق منها ويتفرع عنها الأحكام الفقهية في حين أن دور فلاسفة العلوم ينحصر في التأريخ وليس في التأسيس للعلوم. فهم لا يضعون القواعد الكلية التي ينتج عنها بعد ذلك العلوم كفرع مشتق وتفاصيل تحتكم في صحتها إلى تلك القواعد الكلية بل حتى لو كان هناك عقائد فلسفية مسبقة فهي خلفية غير مؤثرة لا تلعب دور المرجح أو الموجه لمسار تطوير النماذج وصياغة التجارب فموافقة النظرية الذرية لديموقريطس مثلا لا تعطي أي قيمة علمية لأفكار ديموقريطس ولا تجعلها أساس فلسفي حاكم للنظرية الذرية اليوم وإنما هو تشابه اعتباطي تماما مثل أن يوافق تاريخ عيد ميلادك تاريخ يوم استقلال سنغافورة مثلا. ولذلك يقول بول ديراك عن فلسفة العلم:

"لن تؤدي الفلسفة أبدًا إلى اكتشافات مهمة. إنها مجرد طريقة للحديث عن الاكتشافات التي تم تحقيقها بالفعل. "

وقريب من هذا يمكنك الوقوف على كلام لفيزيائيين كبار مثل فاينمان وآينشتين وهايزنبيرغ وغيرهم

ومن الأمثلة التي يعول عليها فلاسفة معاداة الواقعية كثيرا ,مثال عدم وجود تجربة أو مشاهدة يمكنها الترجيح بين نسبية لورانتيز التي تعتمد على وجود الأثير ونسبية آينشتين التي تنفي وجوده وهذا في الحقيقة مثال سقيم جدا لأنه من الطبيعي أن يكون هناك صعوبة في الفصل بين نظريتين لهما نفس التنبؤات لأن إحداهما مبنية على الأخرى في الأساس فآينشتين بني النسبية على تحويلات لورانتيز و هذا الأخير جعل الأثير لا يتحرك كتعديل ad hoc لينقذ نظريته بعد النتائج السلبية التي جاءت بها تجربة ميكلسون ومورلي وأثير لا يتحرك ولا يتكون من مادة هو في الحقيقة مثل نسيج الزمكان الذي قدمته النسبية العامة حتى إن لورانتيز نفسه ظن أن آينشتين قد عاد للقول بوجود أثير فبين له آينشتين أنه يمكن اعتباره أثير لكن بمفهوم جديد فالأمر ليس بهذا التفاوت الذي يحاول البعض تصديره ليبني عليه نتائج خزعبيلة مفادها أن الأدلة التجريبية متكافئة ولا يمكنها الترجيح بين النظريات العلمية المختلفة.


إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الخميس، 10 أغسطس 2023

لأول مرة نتحكم في الفراغ الكمومي وتقلباته العشوائية

 







فريق علمي من جامعة MIT نشر ورقة في مجلة ساينس عن تجربة أجراها بواسطة هذا الجهاز بالصورة المرفقة - وسعره 100 ألف دولار فقط :) - حيث استطاع التحكم في نتائج التقلبات العشوائية للفراغ الكمومي وحصل على نتائج محددة ثابتة وغير عشوائية عندما سلطوا عليه أشعة ليزر ضعيفة.


وهذا يعني انهيار واحد من أكبر أصنام الملاحدة, إنه الفراغ الكمومي يا سادة. هذا الذي جعلوه خالقا للكون بل للأكوان اللانهائية بأزمنتها وفضاءاتها ومادتها وجعلوه أزلي وجعلوه مخترقا للسببية وجعلوا تقلباته العشوائية غير محكومة بقانون وغير ناتجة عن سبب ولا يمكن زوالها.


وقد ذكرت في كتابي "السببية وميكانيكا الكم" أن السببية تحكم كل الظواهر الفيزيائية الكمومية بما في ذلك الفراغ الكمومي وغيره وأن كل ما هو محكوم بالسببية فهو مخلوق مفتقر حادث بعد أن لم يكن وأن النماذج السببية الكمومية هي الاتجاه الواعد حاليا في الفيزياء وأنها قابلة للاختبار التجريبي عن طريق عامل التدخل الذي يمكن من خلاله اختبار أي نظام يبدو لنا للوهلة الأولى أنه عشوائي.


وهذا بالضبط ما حدث في تجربة فريق MIT فقد زالت الاحتمالات العشوائية لتقلبات الفراغ الكمومي وظهرت النتائج المحددة تحت تأثير التدخل السببي مما يجعل الفراغ الكمومي نظام محكوم بالسببية كغيره من النظم الطبيعية.


وهذا اقتباس من كتابي "السببية وميكانيكا الكم" ذكرت فيه نماذج السببية الكمومية ومفهوم التدخل السببي:


(منذ عام 1995 وحتى الآن تم نشر أوراق كثيرة (27-49) عن نماذج سببية تفسر عجائب ميكانيكا الكم، بل أصبح هذا الاتجاه هو المشروع المرشح بقوة للدمج بين النسبية العامة وميكانيكا الكم، كما أنه الوحيد الذي استطاع تقديم خوارزميات للكشف عن العلاقات السببية داخل العالم الكمي. وهذه النماذج تختلف فيما بينها في بعض التفاصيل، لكنها جميعًا تتعامل مع السببية باعتبارها قيود محددة مفروضة على المتغيرات داخل التجربة، وعلى فضاء الاحتمالات الكمومية، وهذا تعريف صحيح متسق مع مفهوم الافتقار السببي الذي نعتمده في فهم السببية. والذي يجعل هذه النماذج السببية قابلة للاختبار التجريبي هو عامل التدخل Intervention الذي يترتب عليه تغير في النتائج مما يؤكد على وجود مؤثر عام أو سبب مشترك يحكم الأمر برُمَّته common cause.)


إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الثلاثاء، 1 أغسطس 2023

الهومو ناليدي مخلوق بحجم دماغ شمبانزي وذكاء بشري





في عركة كبيرة شغالة حاليا داخل المجتمع العلمي واحنا هنا نايمين على ودانا ....

في 2013 اكتشف لي روجرز بيرغر مع فريقه  بكهف في جنوب أفريقيا حفريات تم تصنيفها كنوع جديد من أشباه البشره أطلقوا عليه حينها اسم هومو ناليدي Homo naledi ويفترض أنه قد عاش على الأرض من حوالى 350 - 250 ألف سنة وكان معاصرا للبشر والنياندرتال وبهذا أصبح بيرغر راس براس مع سفانتي بابو مكتشف النياندرتال وجائزة نوبل أصبحت  تلوح في الأفق ثم مؤخرا قدم بيرغر مع فريقه ورقة لمجلة elife  وقبل أن يتم قبول الورقة كان قد سجل عدة أفلام وثائقية حول هذا الاكتشاف الهام مع نتفليكس وغيرها من الشبكات الإعلامية  لكن منذ عدة أيام وقعت الصدمة  وتم رفض الورقة  والجميل في مجلة اي لايف أنها تنتهج نموذج خاص لنظام مراجعة الأقران فتنشر تقارير الحكام وردود المؤلفين ليتمكن الجميع من قراءتها (على عينك يا تاجر)  

طيب ايه الحكاية؟

الهومو ناليدي كان معاصرا للبشر لكنه صنف على أنه جنس آخر من أشباه البشر لأن حجم رأسه مماثل لحجم رأس الشمبانزي أي أنه ثلث حجم رأس الإنسان المعاصر تقريبا وهذا في حد ذاته علامة استفهام كبيرة على حد قول بيرغر لأنه وفقا للسيناريو الدارويني كان ينبغي أن يعيش الهومو ناليدي وينقرض  قبل ملايين السنين حينما كانت جماجم أسلاف البشر المزعومة صغيرة ثم كبرت أدمغتهم لاحقا مع الوقت مما وهبهم درجات عالية من الذكاء , فهذا أول شيء أثار ريبة الدراونة حول ناليدي لكن لا بأس فهو ليس أول ولا آخر تناقض في شجرة أسلاف البشر أو شجرة الحياة عموما.

لكن الأمر المحرج حقا هو اكتشافات بيرغر الأخيرة فقد اكتشف أن الهومو  ناليدي كانوا على درجة ذكاء عالية مثل البشر العاديين رغم حجم أدمغتهم الصغير فقد كان عندهم ثقافة كاملة وقد كانوا يستخدمون النار في الطهي بل كانوا يدفنون موتاهم في حفر يصنعونها خصيصا لهذا الغرض وكتبوا على قبورهم برموز محددة مثل المثلث والمربع والهاشتاغ أي أنهم امتلكوا لغة رمزية ومارسوا طقوسا جنائزية وهذا سلوك معقد يتطلب درجات عالية من الذكاء مما قد يعني أنهم كانوا عرق بشري عادي بل والأهم أن هذا الأمر ينسف القاعدة الداروينية المعيارية في تصنيف أحافير اشباه البشر Encephalization التي تعتمد علاقة  طردية بين الزيادة  التدريجية لحجم الدماغ و زيادة الذكاء , وتلك هي القاعدة التى شيدت عليها شجرة أسلاف البشر برمتها جنبا إلى جنب مع قاعدة Bipedalism أو قدرة السير علي قدمين .

ولو قرأت تقارير الحكام على ورقة بيرغر تجدها  كلها من عينة لعل الأمطار هي التي جمعت الهياكل معا ولعل الرموز كتبها البشر فيها بعد ولا تشعر بنقد علمي تفصيلي اللهم إلا في كلام الحكم الرابع لكنه بالغ في التشكيك لتبرير رفضه على الرغم من أن أدلة بيرغر واضحة بأن هناك فعل حفر متعمد من خلال تحليل رواسب التربة المختلطة وأن هناك هياكل مجتمعة ومحفوظة بطريقة لا تتناسب مع فرض أنها تركت لعوامل التعرية المعتادة وأن هناك عملية ترميز واضحة كتبها من يعرف مواضع القبور وما بداخلها إلى غير ذلك من الأدلة التي كان سيقبل الحكام معشارها من بيرغر ومن فريقه المكون من 37 باحث لو كان الأمر في الجانب الآخر المؤيد للفروض الداروينية التقليدية.

وبالطبع بيرغر لا يقصد إحراج الداروينية ولا انتقادها فهي مرجعيته هو أيضا , لكن هذا ما اكتشفه بالفعل فلم يكن باليد حيلة.
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

الاثنين، 31 يوليو 2023

معيار التفريق بين أهل البدع وبين من وافق المبتدعة وهو من أهل السنة

 بمناسبة الكلام عن الأئمة النووي وأبى حنيفة وابن حجر وابن خزيمة وغيرهم..

هناك فرق كبير بين أهل البدع وبين من وافق المبتدعة في قول ما وهو من أهل السنة والجماعة وهذا الفرق يتجلى من خلال ما نبه عليه الأخ تميم القاضي في كتاب صناعة التفكير العقدي من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأدلة الاعتمادية والاعتضادية (وَأَهْلُ الْبِدَعِ سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ ابْتَدَعُوهَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا وَلَا يَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ، بَلْ وَلَا الْقُرْآنَ، فِي أُصُولِهِمْ إِلَّا ‌لِلِاعْتِضَادِ ‌لَا ‌لِلِاعْتِمَادِ). 

 فالمعتزلة حكموا باستحالة الرؤية بناء على أصولهم الكلامية وليس لخلاف لغوي في تفسير آية (لَن تَرَانِي) وآية (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ)

وفكرة الكلام النفسي لم تنشأ عند الأشاعرة استنادا لقوله تعالي (وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ) وإنما هذا كله مستند إلى تقديم العقل على النقل وجعلهم دلالة الأول قطعية دائما والثاني ظنية دائما كما يقول الرازي (فثبت أن التمسك بالأدلة النقلية مبني على مقدمات ظنية والمبني على الظني ظني وذلك لا شك فيه ‌فالتمسك ‌بالدلائل ‌النقلية ‌لا ‌يفيد ‌إلا ‌الظن).

وكما ينقل القاضي عبد الجبار عن الجبائي: (إن سائر ما ورد به القرآن في التوحيد والعدل ورد مؤكّدا لما في العقول. فأمّا ان يكون دليلا بنفسه يمكن الاستدلال به ابتداء فمحال). 

فتقديمهم لهذه الأصول المنهجية هو الذي لم يجعل الخلاف معهم سائغا داخل أهل السنة والجماعة.

المشكلةهنا ليست في وجود عقليات أو علوم تجريبية نشأت خارج البيت الشرعي وانطلقت من عقول وثنية أو ملحدة ثم تم توظيفها لنصرة العقائد الإسلامية

لأننا نقبل الحق وإن كان مصدره الشيطان نفسه كما جاء في الأثر عن أبي هريرة

لكن المشكلة تكمن في الإغترار بمصدر معين واستعظامه في مقابل الشرع الذي من حقه التقديم والرفعة على غيره من علوم البشر

فالحكم الصائب الذي انتصر له ابن تيمية وغيره هو تقديم القطعي على الظني عموما سواء كان هذا القطعي عقلي أو نقلي أو تجريبي وسواء كان الظني نقلي أو عقلي أو تجريبي فالعبرة بقوة الدلالة لا بعموم الانتساب لمصدر معين

ولذلك فالحكم بأن القطعيات لا تأتى سوي من العقليات أو أن المعرفة الصحيحة لا تأتي سوى من التجريبيات هو حكم مسبق باطل

إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

Translate