الأربعاء، 13 ديسمبر 2023

الرد على محاولة تافهة لنقد دليل السببية

هذا الشيء المدعو حسام مسعور يعاني من نباح لا إرادي ونفس نتنة ولسان فاحش وذكاء دون المتوسط وعقلية خرافية متشنجة عدوانية كارهة للعلوم والبراهين بل يمكنك اعتبار رأسه محمية طبيعية للتناقضات والهراء. وقد عجبت من تجرؤ أحمق مثله على مهاجمة صياغتي لبرهان السببية فقد كان بوسعه أن يتترس من النقد خلف أطنان الرغى والإطناب التي سود بها صفحات كتبه ويراهن على ضيق أوقات الناس وسرعة مللهم من متابعة المغفلين. أو أن يختبئ خلف محتوي صفحة الضرار خاصته التي لا يوجد فيها شيئا نافعا سوي تنمية مهاراتك في السب والشتم وتوسيع قاموسك من الألفاظ النابية البذيئة، لكن يأبى الأحمق إلا أن يقول خذوني. فقد قال عنى في مقاله:

(الأرعن.. المسكين. متكلما جهميا ... أهل الأهواء.. على طريقة أهل الكلام ...الرجل أبعد وأجهل بطريقة أهل السنة ... خفة عقله وجهله الفاضح ... المنتسبين إلى السلفية زورا وكذبا... منتهى الهذيان ... أكاد أجزم بأنك لا تفهمه.. كلام لا هو فيزياء ولا علم كلام ولا كلام مفيد أصلا!... وهذا إطلاق تحكمي فاسد، من جنس إطلاقات أرسطو وأتباعه، التي أغرقت الجهمية في التعطيل!... فتأمل بربك مبلغ الجهل والتعطيل والجهمية التي شحن بها الرجل برهانه المزعوم.... وقل الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاه به!...  يا رجل إن أبيت إلا أن تكون متكلما جهميا، فهلا صبرت على نفسك حتى تتعلم من علم الكلام ما يتم لك ذلك على طريقة أصحابه، قبل أن تكتب تلك المهازل؟؟... أنتم يا هؤلاء لا تشعرون بمبلغ التجهم والتعطيل الذي تكبتونه في تلك الكتب... ما دلك ولا أفادك إلا بإغراقك في تعطيل الفلاسفة والمتكلمين!... أنا مشفق عليك والله! دعك من هذا الشأن فلست منه ولا هو لك ...وتب عن هذا العبث والسخف، فإن أمر الدين عظيم! وإلا فأصغر طالب علم أشعري يزن عشرين من أمثالك، ... فمن لتلك الفئة العصرية من أدعياء السلفية يقرعهم على رؤوسهم ليدركوا مبلغ الضياع الذي وقعوا فيه...أبشر بما يسوؤك إن لم تتب وتصلح وتقلع عما أنت فيه، فقد بليت المسلمين بما كانوا منه في عافية)

واحتراما لوقتي وأوقاتكم وموهبتي المعدومة في الشخصنة فسوف أتجنب التنويع في ألفاظ الشتم وأجمع أمر الرجل في كلمة واحدة استخدمها وهي (الأهطل) لأنها أنسب الأوصاف له في رأيي المتواضع. دعونا نبدأ في اكتشاف ما تفضل به علينا هذا الأهطل من خبايا عقله الألمعي 

قال: (هذه المحاولة البائسة لمحاكاة طريقة المتكلمين في صياغة البراهين السيلوغية )

قلت: هذه براهين قرآنية -والآيات التي تم تأسيس البرهان عليها مبثوثة في كتابي- عقلية وليست من طرق المتكلمين في شيء -والتي لا تحسن نقدها بالمناسبة-, لكنه يظن أن كل برهان نُصب للاستدلال على وجود الله فهو باطل وانزلاق في طرق المتكلمين وذلك لأن وظيفة العقل الوحيدة عند هذا الأهطل هي تركيب صياغات السب والشتم والتبديع أما الاستدلال على الخالق فبدعة منكرة عنده. وهو بليد أبله لا يستطيع إقامة برهان واحد متماسك على وجود الخالق وغاية ما يقف به أمام الملحد هو التشنيع الذي يستطيعه الصبيان الصغار والتنطع بأننا لسنا في حاجة لإقامة براهين وإذا ما اضطر للمواجهة تبنى كلام معاتيه فلسفة مناهضة الواقعية فإذا ما غرق في أوساخ الشك والنسبوية ونصب بجهله العداء لسائر البراهين والعلوم وسمع تصفيق المغفلين من حوله انتقل في حركة بهلوانية غير مبررة إلى التشبث بالبديهيات القطعية التي كان إسقاطها هو أول مهام الشكوكية النسبوية ومناهضة الواقعية.

قال :(وهنا يقال: أولا ما معنى "ناقص"؟ ناقص يعني محتاج! ومحتاج يعني ناقص! لأن كونه محتاجا لغيره، أو قائما بغيره، هذه كلها من معاني النقص في الموجود قطعا! فما فائدة المقدمة الأولى؟ لا شيء!)

قلت : هذه هي المسلمة الأولى

"إذا كان الشيء ناقصًا غير قائم بنفسه فسيكون محتاجًا إلى أسباب قيامه ويدور وجوده وعدمه مع وجودها وعدمها، فهو حادث سبقته أسباب وجوده"

وهذه المسلمة تربط بين معاني النقص والقيومية والكمال المطلق
والسببية والحدوث وهذه معان كبيرة تاه فيها إمامك هيوم الذي لم يحسن فهم جوهر السببية وخلط بينها وبين الحتمية وتاه فيها المتكلمون حين عطلوا مفهوم السببية أيضا وجعلوا كل حدوث أو تغير دال على النقص والحاجة لأنهم لم يدركوا مفهوم وحدود الافتقار والعجز السببي. فإذا كان هذا التأسيس المختصر وشرح السببية عموما المختصر -56 صفحة في الكتاب- قد استغلق عليك فهمه فأنت تنادى على نفسك بالغباء، وشفاء العي السؤال لا التكبر والتصدر لنقد ما يتجاوز عقلك الضيق.

قال :(وأما الثانية، فقوله الشيء المحكوم بالقوانين يكون خاضعا للسببية، هذا إطلاق فاسد، لأن قولك: القوانين هذا قول مجمل، إذ لا ندري هل المقصود بالقوانين هنا القانون الطبيعي خاصة، أي نظم الطبائع في المواد المخلوقة، أم القانون بإطلاق، وهو ما يشمل القانون الأخلاقي والمبادئ العقلية الضرورية، وما يفرضه صاحب الملك على نفسه من منع وتحريم كما حرم الله تعالى على نفسه الظلم، فهذه كلها تدخل في معنى السنن والقوانين، وهي بحيث لو خرج عليها رب العالمين للزم النقص في حقه! فهل يكون هذا نقصا في حقه وحدوثا عندك؟؟ بل إن مبدأ السببية نفسه يجري عليه سبحانه بالضرورة، لأنه يجري على السبب (أنه يؤثر في مسببه) كما يجري على المسبب بالضرورة! يجب أن يثبت التأثير حتى يثبت الأثر! فإذا كان الله تعالى هو المؤثر، فالأثر ينشأ عن فعله في إطار معنى السببية بالضرورة! بل إن بعض مذاهب المتكلمين حصرت معنى السببية في فعله وخلقه وتأثيره سبحانه!! وهذا غلط وفساد ولا شك، لكن القصد أن هذا الأرعن أخرج ربه من أن يكون سببا في شيء أصلا، ومن أن يكون جاريا على أي سنة عقلية (كمبدأ عدم التناقض مثلا) أو سنة أخلاقية (كالوفاء بالوعد إذا وعد)، من غير أن يشعر أو ينتبه!! فعبارة "الخاضع للسببية" هذه مجملة، وفك إجمالها يورد التعطيل على رب العالمين! فإن قال: أنا أقصد بالسببية هنا القوانين المخلوقة في العالم، فإنه بهذا يكون قد أسس مقدمته الثانية على النتيجة التي يفترض أنها لا تتحصل له إلا بعد سبع مقدمات كاملة!!)

قلت: هذه هي المسلمة الثانية

"الشيء المحكوم بالقوانين يكون خاضعًا للسببية، والشيء الخاضع للسببية يكون ناقصًا حادثًا."

لا يا أذكى اخواتك! المقصود هو الاحتكام لقوانين الطبيعة الفيزيائية وليس قوانين المبادئ العقلية ولا الأخلاق ولا قوانين مصلحة الجوازات ولا حتى قوانين العشق والحب. وشرح علاقة قوانين الفيزياء بالسببية مبسوط وموضح في صفحات الكتاب قبل سرد هذا البرهان وداخل البرهان أيضا وفي المقدمة التالية أتحدث عن الكون والطبيعة. ولا يقال على الله "محكوم بالقوانين" أصلا لكي يختلط الأمر عليك ولا يقال عنه "خاضع للسببية" حاشاه لأن السببية العامة البديهية عبارة عن مفهوم ذهني معنوي وليست كيانا خارجيا لكي يُفتقر إليها في الوجود وإنما الحديث هنا عن الافتقار السببي الفيزيائي. 
كما أن المسلمة الثانية ثابتة بمجرد ربط مفهوم القانون الطبيعي بمفهوم السببية باعتباره مظهرا له وأنا أعلم جيدا أنك لا تفهم ما هو القانون الطبيعي ولا تفهم كذلك ما هي السببية بل إن كلامك فيهما يدور بين المذهب الأشعري والهيومي وكلامك في القانون الطبيعي يدور بين الخيالات والخزعبلات وللقارئ أن يراجع مقالي "المؤدب جدا للأسف" المعنون باسم (الرجل الذي لا يعرف أنه من جماعة الأرض المسطحة) الذي كشفت فيه سوأتك فطفح حقدك وحسدك الدفين 

قال :
(السبب أم المسبب أم كلاهما، في نفس هذا العالم الذي تنسبه إليه ذلك "الخضوع"؟ يوجد في الواقع أسباب مخلوقة ومسببات مخلوقة، وأسباب غير مخلوقة ومسببات غير مخلوقة! نعم! يوجد مسببات غير مخلوقة! تدري ما هي؟؟ كلمات الله تعالى ومشيئاته! هذه حوادث تنشأ عن ذات الله تعالى وليست بمخلوقة! فهل تزعم أنها لا تقع منه عن أسباب في علمه سبحانه؟؟ ثم إن من أفعال الله تعالى ما يكون مترتبا على أفعال المخلوقين، فيما يسميه الأشاعرة على اصطلاح أرسطو في مقالاته العشر بالانفعال! وهو عندهم لا يكون إلا مخلوقا بسبب تلك المقالات! فهل عندك أنت يكون مخلوقا بسبب أنه قد "تسبب فيه"، بوجه ما، شيء مخلوق؟؟ نعم إجابة الدعاء ترتبت سببيا على صدور الدعاء من العبد! والدعاء فعل العبد، بينما الدعاء فعل الرب سبحانه! وكذلك إذا خاطب رب العالمين مخلوقا من مخلوقاته يرد على كلامه، كما رد على كلام الملائكة في قوله تعالى: ((قال إني أعلم ما لا تعلمون))، فكان تكليمه إياهم بسبب تكليمهم إياه! فهل بهذا يكون رب العالمين، على ميتافيزيقاك الهزلية هذه، قد "خضع للسببية"؟؟ وهو سبحانه لا يفعل فعلا من أفعاله إلا عن مشيئة حادثة في نفسه جل شأنه، والمشيئة راجعة سببيا إلى علمه وحكمته سبحانه! فهو إذن تقوم بذاته حوادث لها أسباب تسبقها! فهل يكون حادثا ناقصا عندك لقيام "المسببات" بذاته؟ هذا كله يا إخوان ونحن ما زلنا في المقدمة الثانية من سبع مقدمات أتحفنا بها الرجل في "برهانه" الفلسفي المبتكر هذا، والله المستعان! )

قلت: الله عز وجل لا يفتقر سببيا لشيء من مخلوقاته فاستجابة دعاء العبد لا شأن له بالافتقار السببي لأنه ببساطة ليس فيه أي افتقار! فلم يهب العبدُ لله سببا جعله قادرا على الاستجابة له بعد أن كان عاجزا عنها وإنما خلق الله العبد وقدرته وإرادته ودعاءه. فمدار الكتاب كله على شرح الافتقار السببي والغني المطلق للخالق ثم يأتي هذا الأهطل ليورد علينا مثل هذه الإيرادات الساذجة!! وهذه هي نفس إطلاقات المتكلمين المغلوط عن الحدوث والتغير وعدم استيعابهم لما هي دال على حدوث الذات وما ليس كذلك وما هو ممتنع وما هو جائز من التسلسل أيضا.

قال:(بذلك، أي بأي شيء؟؟ أنت غاية ما فعلته هنا أنك قلت: الكون حادث غير قائم بنفسه، إذن الكون حادث غير قائم بنفسه!! هذه مقدمة كبرى أم صغرى أم أي شيء تكون؟؟ هو يحاول في هذه المقدمات الأربعة أن يبدأ بإطلاق قاعدة ميتافيزيقية أسسها لنفسه، فيما يرجو، مفادها أن كل ما تحكمه القوانين أو هو خاضع لها، فهو حادث ناقص، فتكون يقرر جريان محمولها على الكون في مقدمته الصغرى، ومن ثم ينتهي إلى إثبات حدوث الكون على طريقة أهل الكلام في براهين الحدوث لديهم! لن أتكلف تنبيهه هنا إلى مخالفته أهل السنة في مبدأ استعمال براهين الحدوث على مقدمات ميتافيزيقية، لأن الرجل أبعد وأجهل بطريقة أهل السنة من أن يدري بموقف أهل السنة من مبدأ البرهنة على الحدوث بأمثال تلك المقدمات! أنا فقط أريد أن أبين خفة عقله وجهله الفاضح بلوازم كلامه، وبأوليات تلك الطريقة التي يتعلق بها وبمصطلحاتها من غير أن يعقل معانيها ومتعلقاتها، وجرأة هذه الفئة من المصنفين المنتسبين إلى السلفية زورا وكذبا، على ربهم جل في علاه!  

قلت: هذه هي المسلمة الثالثة التي يتحدث عنها

"ليس في هذا الكون أو الطبيعة شيء قائم بنفسه لا يحتاج إلى الأسباب في وجوده ولا تحكمه القوانين، وبذلك تكون كل الكيانات الفيزيائية الطبيعية الخاضعة للقوانين حادثة. "

هذه المسلمة ليس فقط تثبت حدوث الكون أو المادة أو الطاقة أو الأكوان المتعددة بل تثبت حدوث الطبيعة كلها بما حتى لو كانت كيانات فيزيائية مجهولة لنا. وهنا ينتهي الإلحاد العلمي والفلسفي الذي اعتنقه كثيرون قديما وحديثا واعتقدوا بأزلية الطبيعة أو شيء منها. ومرة أخري لا يوجد أي علاقة بين برهان الحدوث الكلامي - والذي أنتقده بما لا تستطيع أنت- وبين ما سطرته في هذا البرهان العقلي القرآني. لكن الرجل نمطي يفكر بطريقة القوالب الجاهزة والتهم المعلبة

قال : (ما معنى الكيانات الفيزيائية الطبيعية الخاضعة للقوانين؟؟ ما حد الكيان الفيزيائي وما تعريفه أصلا؟؟ إن قلت هو الشيء المخلوق، صادرت على المطلوب! وإن قلت هي كل موجود من موجودات الكون، صار حاصل المقدمة كما مر، أن تقول: الكون حادث إذن الكون حادث! وما زال الإجمال القاتل في العبارة "خاضع للقوانين" قائما لم يرفع! )

قلت: الكيانات الفيزيائية هو مصطلح علمي يا مغفل Physical entities  وهو كل شيء له وجود فيزيائي خارجي ويتأثر بأسباب وعلاقات فيزيائية سواء كان مادة أو طاقة.

قال :(لا ريب أنه لا يقصد بلفظة "سلسلة" هنا المعنى الاصطلاحي الكلامي، لأنه سينفي التسلسل بعد قليل! لكن إذن نقول له ما معنى "سلسلة" هنا؟؟ سلمنا بأن حدوث الكون ترتب على ما قدمت به (وإن كان يلزمه حدوث كل ما في الأعيان كما مر)، فمن أين جاء التقرير: وهو عبارة عن سلسلة من الحوادث؟؟ هذه مشاهدة أم استقراء أم قضية عقلية ضرورية مسلمة أم ماذا؟)

قلت: هذه هي المسلمة الرابعة التي يتحدث عنها
"إذًا هذا الكون حادث بكل ما فيه، وهو عبارة عن سلسلة من الحوادث." أقصد بالسلسلة.. السلسلة يا فزلوك أي مجموعة أشياء بينهم علاقة سببية يكون كل فرد منهم سببا لشيء لاحق له ويكون وجوده هو نتيجة لشيء سابق له تماما مثل.... مممممممم! ..... حلقات السلسلة مثلا! المعلقة في سقف بيتكم ويعتمد تعلق كل حلقة منها على التي قبلها. وهذا تسلسل سببي وهو نوع يمتنع أن يقوم بنفسه أو أن يمتد إلى ما لا بداية في الماضي خلافا للتسلسل الغير سببي الجائز الذي يشمل إرادات وأفعال الله والذي يخلط المتكلمون بينه وبين التسلسل السببي فيمنعوه هو أيضا ظنا منهم أن جميع التسلسلات ممتنعة. لكن لماذا تمثل الكيانات الفيزيائية تسلسل سببي دال على حدوثها دون أن ينطبق هذا على كل ما هو موجد في الخارج كما يتوهم الأهطل؟ لأن المسلمات السابقة لا علاقة لها بالوجود المطلق المجرد وإنما تثبت حدوث الوجود المفتقر لأسباب المحكوم بقوانين طبيعية فقط.

قال:(منتهى الهذيان والله! فهمت، فيما أظن)

قلت : بعد أن سطر ما يزيد عن ألف كلمة قال " فهمت فيما أظن" لا يا أهطل لم تفهم شيء ولن تفهم شيء ولو بعد مليون كلمة

قال:(يقصد بالقيام بالنفس أي عدم الافتقار إلى سبب خارجي يقيم الموجود)

قلت: يا له من اكتشاف متأخر لكن better late than never

قال :(فإذا كنا قد انتهينا فعلا مما مر إلى وصف الكون بالحدوث والنقص والافتقار (وهذا من ضرورة معنى الحدوث أصلا)، فما وجه أن نرجع لنحاول إثبات أن "سلسلة الحوادث" قائمة بغيرها لا بنفسها؟؟ أهو التكثر بالمقدمات حتى تشعر بقيمة البرهان وقوته مثلا؟؟)

قلت: أو لأن هذه هي نقطة بداية النقاش مع الملحد المادي الطبيعاني مثلا؟! والله لا أعلم من الذي جعل هؤلاء يتكلمون في نقد الإلحاد وهم لا يفهمون شيئا عنه!! فكل ما سبق من تأسيس لبرهان السببية تم تفعيله لنقد المذهب الطبيعاني هنا في هذه المسلمة الخامسة التي تقول

"سلسلة الحوادث لو كانت قائمة بنفسها وكان لها بداية لكان قيامها مرهونًا بقيام أولها الذي هو حادث قام بدون سبب وهذا مستحيل، ولو كانت قائمة بنفسها وليس لها بداية في الماضي لكانت سلسلة خيالية لا يمكن أن تقوم بنفسها في الواقع، وبالتالي فسلسلة الحوادث لا يمكن أن تكون قائمة بنفسها."

وبصرف النظر عن حب الرجل الظاهر للإيجاز والاختصار الذي دفعه لرؤية هذه المسلمة تطويل لا حاجة له. فالجدل المعاصر يبدأ مع الملحد من هذه النقطة ومن توهم غير ذلك فهو لا يعرف شيء عن الإلحاد. لأن الملحد يقول إن حدوث الأشياء من حولنا غير دال على افتقار الطبيعة فرغم التغير الكبير الذي نشاهده إلا أنه على مستوى الذرات لم يحدث شيء سوى تفكك بعض الروابط الخارجية لكن أصل المادة (أو الجسيمات الأولية أو الطاقة أو الفراغ الكمي أو الأوتار أو المجالات الكمومية ... إلخ) مازال واحداً. وكما أنكم أيها المؤمنون تعتقدون بأن الله يفعل الشيء ثم يفعل غيره فتكون سلسلة أفعال الله مكونة من متغيرات حادثة - سلسلة آثار- وهي مع ذلك غير دالة على افتقار الذات لشيء خارج عنها فإن الملحد يثبت نفس الشيء لبعض الكيانات الطبيعية الأساسية رغم التغيرات التي تظهر لنا على السطح.
والجواب على الملحد يكون بالوقوف على معيار الافتقار الذي أسسناه في المسلمات السابقة مما يجعل الحدوث والتغير الحاصل في الطبيعة دال على افتقارها. لأن كل تحول من مادة إلى أخرى أو من حالة إلى أخري سيكون مفتقر لأسباب هذا التحول. فمثلا الماء في صورته السائلة يكون وجوده مرهون بوجود أسباب مسبقة ونفس الشيء في صورته الغازية (بخار) أو الصلبة (ثلج) فيكون وجود كل صورة منهم مرهون ومفتقر ومحكوم بأسبابها المسبقة وهذا ليس خاص بالماء فقط بل كل ما هو فيزيائي فإن وجوده سيكون محكوما بقوانين وشروط سببية مسبقة سواء علمنا تفاصيل تلك القوانين أم لم نعلمها فدائما سيكون هناك قانونا حاكما يبين حدود العجز وإلا لزم طغيان الشيء الفيزيائي الغير مريد على كل ما سواه مما يعني استحالة وجود أي نظام قانوني أو تمايز خصائص الأشياء والكيانات في أي عالم ممكن كما أسسنا ذلك في جزء "متى تنهدم السببية" وهو جزء محوري في البرهان

قال:(ما معنى أن تكون السلسلة قائمة بنفسها أصلا؟ أن يكون كل حادث منها غير متعلل بحادث قبله من حوادث العالم، أليس كذلك؟)

قلت: لا ليس كذلك وقد وقفت هنا كثيرا وحاولت أن أستوعب حال الرجل وقدراته الذهنية. كيف يمكن أن يفهم شخص عاقل أن قيام سلسلة الحوادث بنفسها يعني أن كل فرد فيها مستقل في قيامه بنفسه وغير مفتقر سببيا لغيره؟! فهي بذلك فقدت معني التتابع والحدوث معا فبأي عقل يفكر؟!سلسلة الحوادث القائمة بنفسها يقصد بها الانغلاق السببي أو التسلسل الأزلي أي أن الملحد يقول إن هذه الطبيعة في حركة وتغيرات مستمرة منذ الأزل أو أن كل شيء فيها مفتقر لأسباب متوفرة في غيره وهكذا في دوائر مغلقة فيكون الشيء سبب لوجود غيره وغيره سبب في وجوده 

قال (قوله: "ولو كانت قائمة بنفسها وليس لها بداية في الماضي لكانت سلسلة خيالية لا يمكن أن تقوم بنفسها في الواقع"، قلت هذا كلام الأشاعرة في زعمهم أن ما تسلسل لم يتحصل، وهو باطل لا يتسع المقام لبيان بطلانه!)

قلت: حقا شر البلية ما يضحك! أشاعرة ايه بس وبطيخ ايه؟ أنت تنتقد صياغتي لبرهان السببية ولم تفهم بعد أن هذا الكلام عن تسلسل العلل الممتنع عند الجميع!؟ حسنا هذه عبارة ابن تيمية عن تسلسل العلل سلسلة المعدومات الخيالية المستحيل وجودها في الواقع" وَالتَّسَلْسُلُ نَوْعَانِ: تَسَلْسُلٌ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ كَالتَّسَلْسُلِ فِي الْعِلَلِ وَالْمَعْلُولَاتِ، وَهُوَ التَّسَلْسُلُ فِي الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولَاتِ، فَهَذَا مُمْتَنَعٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَسَلْسُلُ الْفَاعِلِينَ وَالْخَالِقِينَ وَالْمُحْدِثِينَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْمُحْدَثُ لَهُ مُحْدِثٌ، وَلِلْمُحْدِثِ مُحْدِثٌ آخَرُ إِلَى مَا لَا يَتَنَاهَى. فَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ - فِيمَا أَعْلَمُ - عَلَى امْتِنَاعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُحْدِثٍ لَا يُوجَدُ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ مَعْدُومٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُمْكِنٌ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، فَإِذَا قُدِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَتَنَاهَى، لَمْ تَصِرِ الْجُمْلَةُ مَوْجُودَةً وَاجِبَةً بِنَفْسِهَا، فَإِنَّ انْضِمَامَ الْمُحْدِثِ إِلَى الْمُحْدِثِ وَالْمَعْدُومِ إِلَى الْمَعْدُومِ وَالْمُمْكِنِ إِلَى الْمُمْكِنِ، لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُفْتَقِرًا إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ، بَلْ كَثْرَةُ ذَلِكَ تَزِيدُ حَاجَتُهَا وَافْتِقَارُهَا إِلَى الْفَاعِلِ، وَافْتِقَارُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُمْكِنِينَ أَعْظَمُ مِنَ افْتِقَارِ أَحَدِهِمَا، كَمَا أَنَّ عَدَمَ الِاثْنَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا. فَالتَّسَلْسُلُ فِي هَذَا وَالْكَثْرَةُ لَا تُخْرِجُهُ عَنِ الِافْتِقَارِ وَالْحَاجَةِ، بَلْ تَزِيدُهُ حَاجَةً وَافْتِقَارًا. فَلَوْ قُدِّرَ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَقُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ مَعْلُولٌ لِبَعْضٍ أَوْ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ، فَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِفَاعِلٍ صَانِعٍ لَهَا خَارِجٍ عَنْ هَذِهِ الطَّبِيعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلِافْتِقَارِ وَالِاحْتِيَاجِ، فَلَا يَكُونُ فَاعِلُهَا مَعْدُومًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، بَلْ لَا يَكُونُ إِلَّا مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ قَدِيمًا لَيْسَ بِمُحْدَثٍ، فَإِنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَنْ يَخْلُقُهُ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ" انتهي.


قال:(هنا يخترع الرجل لنفسه حدا ميتافيزيقيا جديدا للتغير لا قائل به قبله، فيقول التغير هو فقد الصفة لفقد سبب قيامها بالموصوف بها!! وهذا إطلاق تحكمي فاسد، من جنس إطلاقات أرسطو وأتباعه، التي أغرقت الجهمية في التعطيل! وإلا فما الذي يمنع من أن يقال: التغير هو اكتساب صفة جديدة لظهور سبب لقيامها بالموصوف بها؟؟ هو يريد أن يعبر بالفقد، حتى يشعرك بالنقص وبأنه ملازم لمعنى التغير، فتنتهي إلى قاعدة الأشاعرة في أن ما قامت به الحوادث فهو حادث، والتغير قيام "للحوادث" بالموجود! وإلا فلو قال كما عليه العقلاء إن التغير هو التحول من حال إلى حال أخرى، لجاز أن يقال هو تحول من حال كمال إلى حال أخرى هي كمال أيضا، بالنظر إلى السبب الباعث على ذلك التغير! فمن نفى التغير بهذا المعنى عن رب العالمين سبحانه فقد عطله عن جميع أفعاله)

قلت هذه هي المسلمة السادسة

"سلسلة الحوادث لا يمكن أن يكون أولها (أو أي فرد فيها) قائمًا بنفسه؛ لأنه لو كان كذلك لوجب عليه أن يتغير إلى الفرد الذي يليه في السلسلة لكي تبدأ السلسلة وتستمر والتغير ينافي القيام بالنفس؛ لأن التغير هو فقد الصفة لفقد سبب قيامها ولو عاد السبب لعادت الصفة، والقيام بالنفس هو قيام الصفات بدون حاجة إلى أي سبب يقيمها."

الكلام عن تغير فيه زوال صفات الذات نتيجة فقد سبب وجودها سواء تبع ذلك اكتساب صفة أخرى حادثة كانت معدومة من قبل حضور سببها الذي حضر للتو أو بالنظر إلى زوال الصفات التي كانت قائمة قبل حدوث التغير. فحدوث الصفة الزائلة والمكتسبة واضح لكل عاقل وأما التحول من كمال إلى كمال فهذا ليس فيه افتقار سببي أصلا لأن الكمال والغنى والقيومية تعني عدم الافتقار للأسباب. ارحمني يا رب من هذه العقول

قال :(الظاهر أنه يريد أن يقول بإيجاز، لو قدرنا أن أفراد السلسلة كان أولها مستغنيا عما يتسبب في وجوده بعد عدمه، قائما بنفسه، لوجب ألا يكون ظهور الفرد الذي يليه إلا من تغيره هو نفسه وتحوله إليه! ونحن نسأله: هذا على أساس أن العلة القائمة بنفسها، لا يجوز أن ينشأ عنها غيرها، إلا بأن تتحول هي نفسها إليه؟؟ إذن الله تعالى عندك لا يجوز أن يخلق هذا العالم إلا بأن يتحول ويتغير هو نفسه ليصبح هو عين العالم! ولكن بما أنه لا يجوز عليه التغير عندك، فلا يجوز أن يكون هو خالق العالم أصلا! وهو معطل عن كل فعل وعن كل كلام وعن كل صفة بالضرورة لأن ذلك كله يكون تغيرا، والقائم بنفسه لا يتغير!!  )

قلت: كتبت في التعليق السابق المسلمة السادسة لكن اعذروني أعيد اقتباس جزء منها مرة أخرى (سلسلة الحوادث لا يمكن أن يكون أولها (أو أي فرد فيها) قائمًا بنفسه؛ لأنه لو كان كذلك لوجب عليه أن يتغير إلى الفرد الذي يليه في السلسلة لكي تبدأ السلسلة وتستمر والتغير ينافي القيام بالنفس) هل قرأتها جيدا؟ هذه الجملة عبارة عن برهنة بالتناقض أي أن افتراض أن أحد أفراد السلسلة قائم بنفسه يتناقض مع مفهوم القيام بالنفس ذاته. فماذا يمكن أن نسمي من فهم من هذا الكلام المذكور أعلاه أن افتراض أن أحد أفراد السلسلة قائم بنفسه ممكن ولا اشكال فيه "لكن بشرط واحد" وهو أن يكون هذا القائم بنفسه متغير وغير قائم بنفسه.
نعم أحسنتم ... نسميه أهطل.

قال:(لا لم يجب! لأنه إن قدِّر قائما بنفسه، فليس هو قابلا للتغير حتى يتحول من حال عدم إقامة السلسلة إلى حال إقامتها! ثم إنه ليس في شيء مما قررته ما يوجب كونه بائنا عن تلك السلسلة!)

قلت: هذا هو الاستنتاج النهائي
"فوجب أن يكون مَن أقام سلسلة الحوادث قائمًا بنفسه بائنًا عن تلك السلسلة."

طبعا هو يعترض هذه الاعتراضات السخيفة على اعتبار أني أنه ألزمني بعقائد المتكلمين وأنني يلزمني نفي الأفعال عن الله وقد بينت أن هذا غباء منه لا أكثر ولا أقل وأن مدار الكلام كله عن الحوادث والتغيرات المتعلقة بالافتقار السببي فقط والعجز والنقص الذي تجبره الأسباب المكملة وهذا كله ممتنع في حق الله 

قال:(الرب سبحانه كانت له حكم وتعليلات في أفعاله التي منها خلق هذا العالم أم لم تكن؟ إن قلت كانت لديه، لزمك أن تجعله مفتقرا لتلك العلل والأسباب "محكوما بالسببية"!)

قلت: تكرار لنفس السماجة والغباء... الله غير مفتقر لأي سبب ولا يرتفع عنه عجزا باكتسابه لسبب ما وهبه له عبده. كما أن صفات الذات من حكمة وعلم ليست أسبابا خارجية تفتقر لها الذات. فلا محل للافتقار في ذات الله ولا صفاته ولا أفعاله القائمة بذاته أيضا.

ختاما أقول إن هذا البرهان صلب متين لا تبلغه عقول السفهاء أمثال هذا الأهطل وقد كان وسيظل بإذن الله غصة في حلوق الملاحدة واللادينيين بجميع طوائفهم والله المستعان
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate