الأحد، 24 سبتمبر 2023

الشواهد الأركيولوجية على وجود يوسف عليه السلام


لو تلمسنا شيئا من الشواهد الأركيولوجية على وجود الأنبياء فربما تكون قصة سيدنا يوسف عليه السلام من أهم المرشحين، وذلك لأنها ذكرت بالتفصيل وحصل فيها أحداث مجتمعية وسياسية واقتصادية كبيرة كما أنها وقعت بين ثنايا الحضارة المصرية والتي يفترض أنها اعتنت عناية خاصة بالتأريخ. 

مع ملاحظة أن مثل هذا البحث يجرى استئناسا وقياسا على تصديق الكتب السماوية السابقة لما جاء به القرآن من أخبار رغم ما يكتنف تلك المصادر من خلل وتحريف، وألا يكون على منوال التاريخية الحداثية المقيتة التي تجعل التصديق بوجود الأنبياء معلقا على مثل هذا وتتغافل عن دلائل النبوة الأساسية.

أبرز السمات في قصة يوسف قد تكون واقعة المجاعة والسبع بقرات والوزير الأجنبي الذي قربه ملك مصر وازدهار الدولة المصرية ورخائها في ظل حسن تدبير أمورها الاقتصادية في فترة قحط وشدة عمت المنطقة حتى جاءتها الوفود من جيرانها الكنعانيين وغيرهم.

وهذه الملامح رغم وضوحها إلا أنه ليس من السهل التعرف على وقت حصولها بالضبط ولذلك فقد ظهرت بين الباحثين في هذا الشأن حولي أربع أو خمس نظريات. 

بعضهم قال إن زمن يوسف علي السلام هو زمن الدولة المصرية القديمة وأن الملك هو زوسر أحد ملوك الأسرة الثالثة الذي حكم مصر في الفترة (2640ق.م - 2611ق.م) وذلك استنادا للوحة المجاعة الشهيرة الموجودة بجزيرة سهيل بأسوان والتي يصف فيها الملك زوسر مجاعة شديدة استمرت لمدة سبع سنين.

والبعض قال إن زمن يوسف عليه السلام هو زمن الدولة الوسطى لأن رسومات السبع بقرات والثور بدأت في الظهور منذ بدايات هذه الدولة 

والبعض قال إن يوسف عليه السلام قد يكون أحد الوزراء الأجانب الذين دفنوا في وادي الملوك لأن هذا يدل على منزلة خاصة وأنه أمر استثنائي لم يتكرر سوى مرتين تقريبا وهما الوزيران يويا وباي

والبعض قال إن يوسف عليه السلام عاش في عصر أمنحتب الثاني وآخرون قالوا اخناتون إلى غير ذلك من الأقوال.

لكن القول الذي أميل إليه والذي أظنه - والله أعلم - أقرب للصحة هو أن زمن يوسف عليه السلام كان زمن حكم الهكسوس وخصوصا الملك خيان أو خايان من الأسرة السادسة عشر في الفترة (1610 ق.م - 1580 ق.موذلك لعدة قرائن:

أولا: الهكسوس عرب رعاة حكموا الدلتا في شمال مصر وهذا موافق لما ذكرته التوراة عن مكان يوسف عليه السلام.

ثانيا: الهكسوس هم أول من استخدموا العربات الحربية وهذا موافق لما ذكرته التوراة عن هبة يوسف عليه السلام هذه العربات لإخوته.

ثالثا: أن القرآن أكد على تسمية حاكم مصر في هذه الفترة بالملك وليس بالفرعون وهذا مما تميز به القرآن عن التوراة التي لم تميز بين اللقبين. ومن الثابت أن تسمية حاكم مصر بالفرعون بدأت منذ عهد الأسرة الثامنة عشر في الدولة الحديثة والتي تأسست بعد طرد الهكسوس. وهذه اشارة قرآنية أن يوسف عليه السلام عاش في زمن الهكسوس أو في زمن قبلهم وليس بعدهم.

رابعا: معظم المؤرخين والمفسرين (الطبري وابن كثير والقرطبي وابن ظهيرة وغيرهم) ذكروا أن ملك مصر في قصة يوسف هو الريان بن الوليد. ومن السهل تصور أن الاسم صحف من ريان إلى خيان 

خامسا: أن عصر الهكسوس يكتنفه الغموض لأن معظم آثارهم طمست ودمرت عن عمد على يد أحمس بعد أن انتصر عليهم وطردهم من مصر. وهذا يبرر غياب آثار واضحة تذكر أعمال يوسف عليه السلام كوزير أو رجل دولة ملك زمام الأمور.

سادسا: رغم أن خيان حكم شمال مصر فقط إلا أن سلطانه ونفوذه التجاري امتد إلى أماكن بعيدة مثل بغداد وكريت وفلسطين وسوريا والنوبة، مما يتوافق مع حالة الازدهار التجاري والاقتصاد التي عاشتها مصر في ظل تدابير يوسف عليه السلام.

سابعا: لم يصلنا ذكر لمجاعة وقعت في عهد خيان لكن هناك ذكر لمجاعات وقعت في جنوب مصر في ظل حكم نفر حتب الثالث ومن بعده وهذه هي نفس فترة حكم خيان في الشمال، وإذا كان الجنوب يعاني من مجاعة نتيجة انخفاض منسوب النيل فمن باب أولى أن المجاعة ضربت الشمال أيضا.

ثامنا: تم اكتشاف حوالي 27 ختم عليهم اسم "يعقوب - حر" أو "يعقوب - هر" وهذه الأختام تحمل نفس طابع أختام الملك خيان مما يعني أن يعقوب حر لم يكن ملك سابق أو لاحق لخيان وإنما كان وزيرا عنده، لكنه حظي بمكانة كبيرة لدرجة أن الأختام نقشت باسمه هو وهذا يكاد يكون دليلا مباشرا. لماذا كانت الأختام باسم يعقوب وليست باسم يوسف؟ قد يكون هذا تكريم من يوسف لأبيه أو قد يكون ذكر للابن باسم أبيه ...الله أعلم.


الخلاصة: أظن أن وجود يوسف عليه السلام كان في عصر الهكسوس ولا أجزم في ذلك بشيء، وأظن أن الاهتمام بالبحوث الأركيولوجية ومزاحمة الحداثيين اللادينيين في تلك الساحة هو من الأولويات الشرعية لهذا العصر.

الصورة الأولى: لوحة المجاعة جزيرة سهيل أسوان.



الصورة الثانية: البقرات السبع المقدسة (حتحورات)  والثور، معبد دندرة بمدينة قنا.



الصورة الثالثة: جعران (ختم) "يعقوب - حر" المتحف البريطاني.


مراجع:

1-

https://www.britishmuseum.org/collection/object/Y_EA40742

2- 

https://journals.ekb.eg/article_38271.html


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate