والشيخ السعدى له سلف فى هذا القول وقد وضع أحد الإخوة رابط لدراسة بحثية حديثية تنتصر لهذا القول وفيها ذكر قول بن كثير والقرطبى بهذا القولhttp://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=243350

وهذا جزء منها
(وبناء السد لايقتضى حجب شعاع الشمس عنهم كماهو ظاهر حديث قتادة .

(د) وكذلك يشكل على حديث قتادة :

ـ مارواه الإمام أحمد فى المسند (5 / 271 ) .

ـ وابن أبى عاصم فى الآحاد والمثاني (6 / 190 ) عن أبى بكر بن أبى شيبة .

ـ كلاهما: أحمد وأبن أبى شيبة عن محمد بن بشير ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن خالد بن عبد الله بن حرملة ، عن خالته قالت : ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنكم تقولون لا عدو ! ولاتزالون تقاتلون عدواً حتى تقاتلون يأجوج ومأجوج ، عراض الوجوه ، صغار العيون ، صهب الشعاف ، من كل حدب ينسلون ، كأن وجوههم المجان المطرقة ) .

ــ قــال الهيثمي فـى المجمع ( 8/6 ) : ( رواه أحمد والطبرانى ورجالهما رجال الصحيح) . وهو كما قال فمحمد بن بشر العبدي ، ثقة حافظ ، روى له الجماعة - كما فى التقريب ( ص 469 ) و محمد بن عمرو ، عن خالد بن حرملة . إسناد على شرط مسلم .

ـ وروى البخاري فى صحيحه فى الجهاد ، باب قتال الترك ( 3 / 1070 ) حديث رقم ( 2769 ) عن عمرو بن تغلب رضى الله عنه مرفوعا : ( إن من أشراط الساعة : أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر ، وإن من أشراط الساعة : أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه ، كأن وجوههم المجان المطرقة ) .

ـ وروى البخاري بعده ( 3/1071) حديث رقم ( 2770 ) عن أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعا : ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك ، صغار الأعين حمر الوجوه ، ذُْلف الأنوف ، كأن وجوههم المجانُّ المطرقة ، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر ) .

ـ ورواه مسلم فى الفتن ( 4 / 2233 ) حديث رقم ( 2912 ) من طرق عن أبى هريرة رضى الله عنه نحوه .

ففي هذه الأحاديث الصحيحة : أن المسلمين يقاتلون يأجوج ومأجوج ، وهم طـائفة مـن الترك كما قـال ابن كثير فـى البـداية ( 2/101 ) والملاحــم ( ص /200 ـ 201 ) وكما جاء فى بعض الروايات ، ووصفهم النبى صلى الله عليه وسـلم أنهم : عـراض الوجوه ، صغار العيون، ذلف الأنوف ( أى فطس الأنـوف ) صهب الشـعاف ( أى الشعور ) ، حمر الوجوه ، كأن وجوههم المجانّ المطرقة ( وهى التروس التى تطوق بالجلود ) .

يلبسون الشعر ، وينتعلون الشعر . قال القرطبي فى تفسيره ( 11/58 ) : ( نعت النبـى صلى الله عليه وسـلم الترك كما نعت يأجوج ومأجوج ) وكل هذه الأوصاف تنطبق تماما على الجنس التتاري والصيني .

وقد تحقق ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم ، وهذه من معجزاته ونبواته التى أخبر عنها ، فوقعت كما أخبر صلى الله عليه وسلم .

حيث تحركت القبائل التتارية من موطنها ، واكتسحت العالم المعمور كلّه تقريبا شرقا وغربا وجنوباً ، ودمَّروا الحضارة الانسانية فترة من الزمن ، وارتكبوا من الجرائم والإفساد فى الأرض ما لا تعرفه البشرية فى تاريخها من قبل ، وقد قاتلوا المسلمين ، ودخلوا بغداد ، وسقطت سنة ( 656) هـ وقتلوا الخليفة العباسي والعلماء والصلحاء وأسرفوا فى القتل حتى بلغ القتلى مليونى نفس ، كما ذكر ابن كثير فى البداية ( 13/215 ) .

وهذا ما لايعرف المسلمون والعرب مثله من قبل ، ولم يحلَّ بهم من الذلَّ والهوان والقتل مثل ما حلَّ بهم على أيدي التتار .

وقـد قـال القرطبـى فـى تفسيـره ( 11 / 58 ) وهـو معاصـر لهذه الأحداث : ( وقد خرج منهم فى هذا الوقت أمم لايحصيهم إلاّ الله تعالى ، ولايرّدهم عن المسلمين إلاّ الله تعالى ، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج ، أو مقدمتهم ) .

ويظهر أن هذه الأحداث هى التى قال فيها النبى صلى الله عليه وسلم : ( ويل للعرب من شر قد اقترب : فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) وعقد بيده تسعين .

وكلُّ هذه الأحاديث تصادم حديث قتادة ، والذى فيه أنهم لايخرجون ولا ينفتح السد إلاّ عندما يبعثهم الله عز وجل على الناس فى آخر الزمان ، وقد ثبت فى حديث النواس بن سمعان رضى الله عنه فى صحيح مسلم أن الله يأمر عيسى ومن معه من المؤمنين عند ذلك أن ينحازوا إلى الطور والى حصونهم كما عند ابن ماجة ، فلا يقع بينهم وبين المسلمين قتال ،وإنما قتالهم مع باقي أهل الأرض .

بينما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم كما فى الأحاديث الصحيحة السابقة : أن المسلمين يقاتلون يأجوج ومأجوج ، وهذا إنما هو فى خروجهم الأول والذى قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم ( شر قد اقترب ) ، وأخبر أنه يهلك فيه الصالحون ،إذا كثر الخبث . والظاهر أن ذلك ما حلَّ بالمسلمين سنة ( 656) هـ على يد التتار .

وفى تلك الحقبة من تاريخ المسلمين كثر الخبث ، فتسلط عليهم عدوهم ، وهلك بسبب ذلك كثير من العلماء والصالحين . وما منع أكثر العلماء من اعتقاد ان ما جري سنة ( 656) هـ هو المقصود بحديث ( ويل للعرب) الا حديث أبي رافع هذا اذ فيه أنهم لا يخرجون الا في آخر الزمان قبل قيام الساعة .

(هـ) أن ظاهر القرآن وصريح الأحاديث الصحيحة : أنهم من ذرية آدم ومن ذرية نوح ، كما عليه عامة العلماء ، ولاينبغى الخلاف فى ذلك كما نبه عليه الحافظ ابن كثير فى تفسيره ( 3/109 ) وفى البدايه ( 2/101 ) وكذا الحافظ ابن حجر فى الفتح ( 13/131 ) فهم بشر مكلَّفون ، يعيشون على هذه الأرض ، كما يعيش ســائر ذرية آدم ، وقد كانوا قبـل ذى القرنين يفسدون فى الأرض بالقتل والسلب .

والثابت تاريخيا وجغرافيا أنهم فى شمال شرقى الأرض ، والأقرب أنهم التتار ومن وراءهم من شعوب الشرق ، وقد شكى الناس شرّهم إلى ذى القرنين ، فعمل سداً بين جبلين يكون حاجزا طبيعيا يمنعهم من الشعوب التى دون السدّ ، فقضيتهم ليست قضية غيبية كما هو ظاهر الأدلة النقلية وكما نص عليه السعدى رحمه الله تعالى بل قضية تاريخية مشاهدة لمن عاصرها وشاهد آثارها ، وإنما بَعْثُهم وخروجهم على اهل الأرض قبل قيام الساعة هو القضية الغيبية التى لايعلم متى يحين وقتها إلا الله عز وجل .

(و) أن بعثهم وخروجهم لا يفهم منه أنهم محجوزون عن العالم ، أو فى مكان لا يعلمه أحد، إذ لا دلالة فى هذه الألفاظ على ذلك ، بل بعثهم وتحريكهم هو أزُّهم ، كما فى قصة بني اسرائيـل ( بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد ) ( الاسراء / 5) . كما قال العلامة السعدي .وكذا ما جاء فى الأحاديث الصحيحة : ( يخرج يأجوج ومأجوج ) ليس فيه أنهم فــى معزل عن العـالم ، وإنما مثله مثل قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) " آل عمران 110 " مع أنّ العرب موجودون قبل خروجهم وحملهم رسالة الإسلام للعالمين .

(ز) كما لايوجد نص صريح فى أن السد سيكون حاجزا يمنعهم عن أمم الأرض إلى وقت بعثهم وخروجهم ، وإنما ظاهرها أنّ هذاً السدّ سيمنعهم من الإفساد فى الأرض فى تلك الفترة ، وقوله تعالى : ( فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ) [ الكهف/97 ] قال ابن كثير فى البداية ( 2/102 ) : ( أي فى ذلك الزمان لأن هذه صيغة خبر ماض فلا ينفى وقوعه فيما يستقبل ) ، ويؤيد ذلك ما جاء فى الصحيحين : ( فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) .

وأما الآيات بعدها : ( فإذا جاء وعد ربى جعلّه دكاء وكان وعد ربى حقا * وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ونفخ فى الصور فجمعناهم جمعاً * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ) [ الكهف/98-100 ] .



* فقد اختلف المفسرون فى تأويلها :

قال القرطبي فى تفسيره (11/63 ) : ( فإذا جاء وعد ربى ) أي يوم القيامة ، وقيل : وقت خروجهم ) .

وكذا ذكر القولين البيضاوي فى تفسيره ( ص/ 401 ) ، والشـوكانى فى فتح القدير (3/313 ) .

وكذا اختلفوا فى تأويل قوله تعالى : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ) على ثلاثة أقوال :

(1) أى تركنا الخلائق يوم القيامة يموج بعضهم فى بعض .

(2) وقيل : تركنا يأجوج ومأجوج يموج بعضهم فى بعض بعد بناء السد .

(3) وقيل : تركنا يأجوج ومأجوج يموجون فى الدنيا بعد فتح السد .

قال القرطبي فى تفسيره ( 11/95 ) : ( فهذه ثلاثة أقوال ، أظهرها أوسطها ، وأبعدها أخـرها ، وحَسُنَ الأول لأنه تقدَّم ذكـر القيـامة فـى تأويـل قوله تعالــى ( فإذا جاء وعد ربى )) .



وقد ذكر ابن جرير فى تفسيره ( 8/289) القول الأول ، وذكر ابن كثير فى تفســـــــــــيره ( 3/111 ) القول الأول والثالث ، وذكر الشوكاني ( 3/315 ) الأقوال الثلاثة ، وقـــال السـعدي فـى تفسـيره ( 5/79 ) عـن الضمير فـى ( وتـركنا بعضهـم ) : ( يحتمل أن الضمير يعود إلى يأجوج ومأجوج ، وأنهم إذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للأرض كلها يموج بعضهم ببعض ويحتمل أن الضمير يعود إلــى الخلاق يوم القيامة من الأهوال والـزلازل العظام بدليل قوله [ وتركنا بعضهم ] إلى [ لايستطيعون سمعا ] ) .

وعليه فليس فى نصوص القرآن والسنة مايدل دلالة صريحة على أنّ السد سيكون مانعا لهم من الخروج إلى يوم بعثهم ، وإنما سيكون مانعا لهم فى تلك الفترة الزمنية ، ثم يقدر الله عز وجل بعد ذلك من الأسباب والموانع الصارفة لهم من الخروج على الناس حتى يأتى ذلك اليوم الموعود حيث يبعثهم الله عز وجل على أهل الأرض قبل قيام الساعة .

ويؤكد هذا الفهم وهو أن السد لن يكون حاجزا لهم إلا فى تلك الفترة ما ثبت بالحـس والمشـاهدة حيث تم اكتشاف الأرض كلها ، وأصبحت الكرة الأرضية كقرية صغيرة لايخفى من أمرها شئ ، ولم تعد الجبال تمنع من التنقل والارتحال ، فدل ذلك على أن المعنى فى قوله تعالى : ( فما استطاعوا أن يظهره وما استطاعوا له نقبا ) أى أولئك القوم فى ذلك الزمان كما قال ابن كثير .

قال العلامة السعدي فى رسالته فى الموضوع ( فلو فرض على وجه المحال وجود أمة عظيمة جداً أكثر من المعروفين الأن على وجه الأرض من أمم الأدميين بأضعاف مضاعفة وأنهم الآن على وجه الأرض ، ولم يطلع الناس عليهم - مع أن الأرض التى يمكن الأدميون السكن فيها قد اكتشفت شبراً وذراعاً لكان هذا ما تحيله العقول ، وتنكره الحواس ، فينزه الشرع أن يخبر بمثل هذه الأمور ) .

ويؤكده من الأدلة النقلية حديث خالد بن حرملة ( تقاتلون يأجوج ومأجوج ) وحديث ( ويل للعرب من شر قد اقترب ) فثبت بهذه الأحاديث الصحيحة أن المسلمين سيقاتلون يأجوج ومأجوج ، وأنه سيحلُّ بالمسلمين والعرب منهم خــاصة شرُ عظيم ، يهلك فيه الصــالحون وهو والله أعلم ما وقع لهم سنة (656 ) هـ على يد التتار .)