الثلاثاء، 16 يناير 2024

إلزام المعتزلة بأن المربع مكعب وفقا لقاعدتهم في تعدد القدماء





ليس كل حدوث يدل على افتقار الذات وليس كل اختصاص يدل على افتقار الذات أيضا

وإنما يمتنع في حق الله الافتقار إلى غيره

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل والنقل:

(وما ينبغي ان يعرف في مثل هذه المسائل المنازعات اللفظية فإن القائل إذا قال التخصيص يفتقر إلى مخصص والتقدير إلى مقدر كان بمنزلة من يقول التحريك يفتقر إلى محرك وامثال ذلك وهذا لا ريب فيه فإن التخصيص مصدر خصص يخصص تخصيصا وكذلك التقدير والتكليم ونحو ذلك ومصدر الفعل المتعدى لا بد له من فاعل يتعدى فعله فإذا قدر مصدر متعد بلا فاعل يتعدى فعله كان متناقضا بخلاف ما إذا قيل الاختصاص يفتقر إلى مخصص والمقدار إلى مقدر ونحو ذلك فان هذا ليس في الكلام ما يدل عليه لان المذكور إما مصدر فعل لازم كالاختصاص ونحوه او اسم ليس بمصدر كالمقدار وكل من هذين ليس في الكلام ما يوجب افتقاره إلى فاعل يتعداه فعله فإذا قيل الموصوف الذي له صفة وقدر قد اختص بصفة وقدر فلا بد له من مخصص لم يكن في هذا الكلام ما يدل على افتقاره إلى مخصص مباين له يخصصه بذلك بخلاف ما إذا قيل إذا خص بصفة او قدر فلا بد له من مخصص فإن هذا كلام صحيح )

ويقول:

(وبسبب ذلك تجد جماعات غلطوا في هذا الموضع في مثل هذه المسالة إذا قيل البارى تعالى مخصوص بكذا وكذا أو مختص بكذا وكذا قالوا فالمخصوص لا بد له ممن خصه بذلك والمخصص لا بد له من مخصص خصصه بذلك)

ويقول:

(ومعلوم أن هذا تناقض، فإن نفي الاختصاص بخاصة من الخواص، ودعوى انه وجود مطلق لا يختص بوجه من الوجوه يمنع أن يختص بعلم أو قدرة أو مشيئة ونحو ذلك من الصفات، فإن العالم مختص بعلمه متميز به عن الجاهل ن والقادر مختص بقدرته متميز بها عن العاجز ن والمختار مختص بالاختيار متميز به عن المستكره، فإن أثبت شيئاً من صفات الكمال فقد أثبت اختصاصه بذلك، وإن نفى جميع الصفات ولم يثبت إلا وجوداً مطلقاً تناقض كلامه وقيل له المطلق لا يوجد إلا في الذهن لا في الخارج ن فلا يتصور أن يكون في الخارج شيء مطلق، لا حيوان ولا إنسان مطلق ولا جسم مطلق ولا موجود مطلق، بل كل موجود فله حقيقة بها لا يشركه فيها غيره وقيل له هذا الوجود المطلق اهو وجود المخلوقات أم غيره؟ فإن قال هو هو، بطل إثبات الخالق، وإن قال هو غيره قيل له فوجوده مثل وجود المخلوقات أو ليس مثله ن فإن كان الأول لزم أن يكون الخالق مثل المخلوق، والمثلان يجوز ويجب ويمتنع على أحدهما ما يجوز ويجب ويمتنع على الآخر، فيلزم أن يكون الشيء الواحد واجباً غير واجب، محدثاً غير محدث، وهو جمع بين النقيضين وإن قال وجوده مخالف لوجود المخلوقات فقد أثبت له وجوداً يختص به، لا يشركه فيه غيره، فلا يماثله غيره وهذا وجود مخصوص مقيد، لا وجود مطلق وقد بسط الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع والمقصود هنا الكلام في أن كل مختص بأمر هل يفتقر إلى مخصص منفصل عنه؟ لأن الكلام كان في المسلك الثاني في حدوث الأجسام، الذي بين فساده الآمدي والأرموي وغيرهما، فإنه مبني على مقدمتين إحداهما أنها مفتقرة إلى ما يخصصها بصفاتها والثانية أن ما كان كذلك فهو محدث. وقد بينوا فساد المقدمة الثانية كما تقدم وأما الأولى فقررت بوجهين. أحدهما أن المختص بمقدار لا بد له من مخصص، وقد تبين فساده أيضاً) انتهي كلامه

الفلاسفة والمتكلمون منعوا الحدوث والتركيب والتخصيص بشكل مطلق بدون التفريق بين حقه وباطله وبدون الانتباه إلى الضابط الصحيح فيما لا يجوز في حق الله ألا وهو الافتقار السببي للغير

فقال الفلاسفة أخص وصف لله هو وجوب الوجود وقالت المعتزلة القدم ونفوا باقى صفات الله خوفا من شبهة تعدد القدماء وجعلوا ذلك أصلهم الأول في التوحيد فإذا قيل لهم أليس في إثباتكم لله الوحدانية اختصاص؟

قالوا لا لأن تعريف واجب الوجود أنه ما يلزم من فرض عدمه تناقض. فالوجود يتحقق بذات واحدة فتكون واجبة ولو فرضنا عدمها وقع التناقض أما الذاتين أو الثلاثة أو الأربعة أو ما فوق ذلك فيمكن افتراض عدمه ولن يقع التناقض لأنه مازال هناك وجود.

والصواب أن القول بأن الله واحد وليس أكثر فيه اختصاص كما أن القول بأن الله متصف بصفات الكمال دون صفات النقص فيه اختصاص لكنه اختصاص هوية غير دال على الافتقار لأنه ليس قائم بسبب خارجي وليس فيه نقص يمكن جبره بسبب غائب.

لكن لنثبت لهؤلاء أن توحيد الله هو نوع اختصاص سنثبت لهم أولا أن تعريف (أو شرط أو الحد الأرسطي) واجب الوجود لا يتضمن الوحدانية كما زعموا فإما أن يلتزموا قاعدتهم ويثبتوا لله فقط ما تضمنه مفهوم واجب الوجود وينفوا حينها الوحدانية عن الله ويقولوا بتعدد القدماء الذي فروا منه وإما أن يضيفوا لهذه الصفة صفة أخرى هي صفة الوحدانية ويكونوا أيضا حينها قائلين بتعدد القدماء إذا اعتبروا أن تعدد الصفات يعني تعدد القدماء.

صحيح أن تعريف واجب الوجود يلزم منه إثبات وجود ما لكنه لا يخبرنا عن ماهية هذا الوجود وبالتالي فلا يمكنه إخبارنا هل يتحقق هذا الوجود بذات واحدة أم أنه يلزمه أكثر من ذات للتحقق؟

فلو قلت أن عندي خزينة أزلية تفتح برقم سري أزلى فلا يحق لأحد أن يقول لي لقد عرفت الرقم السري وانكشف سرك؟ الرقم السري هو واحد لأنه أزلي واجب الوجود فلا يمكن افتراض عدمه ولا يمكن أن يكون اثنين او ثلاثة أو أربعة لأن هذه الأرقام يمكن افتراض عدمها بدون تناقض.

أو لو قلت أن هناك انفجار قد وقع فوجود القنبلة المنفجرة واجب ولذلك فلابد أن هذه القنبلة كان بها مادة متفجرة واحدة وليس اثنين أو خمسة أو عشرة لأن الانفجار يقع بمادة واحدة. فهذا تخرص ورمي بالغيب فوقوع الانفجار تابع لماهية القنبلة وقد لا يتحقق إلا بتفاعل أكثر من مادة. 

فهذا كله وهم وتصور لحصول معرفة بدون مبرر حقيقي

وبالقياس على تعريف  واجب الوجود بأنه  ما يلزم من فرض عدمه تناقض

نقول أن المربع هو ما يلزم من عدم تربعه تناقض

فإذا كان تعريف واجب الوجود لا يدلنا إلا على الواحد دون باقي الأرقام فتعريف المربع لا يدلنا إلا على شكل هندسي واحد (هو المربع) دون باقي الأشكال

وإذا كانت الدلالة منفكة في المربع أو كان الحصر في شكل هندسي واحد يتطلب تعريفات أخري وصفات أخرى وقواعد أخرى فالأمر نفسه في مفهوم واجب الوجود

والآن ماذا عن المكعب؟

أليس هو مربعا من جميع الاتجاهات ويحافظ على شرط التربيع دائما؟

بلي هو كذلك...

إذن فقاعدة (المربع هو ما يلزم من عدم تربعه تناقض) لا تتضمن الدلالة على شكل هندسي واحد بالرغم من توهمنا ذلك للوهلة الأولى. 

فبقي أن يلتزم أحدهم بأن المربع هو المكعب وهذا لا يقوله عاقل أو أن يعترف بعدم ثبوت الوحدانية من خلال الشرط الذي وضعوه وهو المطلوب إثباته.

فإذا قال أحدهم أن المربع يكون ثنائي الأبعاد لكن المكعب يكون ثلاثي الأبعاد 

قلنا لا بأس إذن فالقاعدة غير كافية ويجب إضافة شروط خاصة بالأبعاد وهذا يعني أننا قمنا بإضافة قواعد أخرى مستقلة و"صفات أخرى" للشيء الذي نبحث وجوده.  وهذا ما تمنعونه بحجة تعدد القدماء




التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate