الأحد، 24 أغسطس 2014

هل الإسلام بريء من إله الفجوات المعرفية ؟

سلسلة قواعد قرآنية (3) (براءة الإسلام من اله الفجوات المعرفية)
قال تعالى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ)
وفق منهج الملاحدة واللادينين ينبغى فهم هذه الآية التى أثبتت الإطعام والسقى لله أن العرب فى زمن النبى محمد كانوا يظنون أن الله ياتى لهم كل يوم ليطعمهم ويسقيهم بنفسه ثم أتى عصر العلم الحديث ليكتشف أن السبب العلمى لأكل الإنسان وشربه هو المعالق والأطباق والأكواب !!!!
الحقيقة أن الله عندما ينسب لنفسه شيء فالمقصود التذكير بأنه خالق هذه الأشياء وأنه لولا وجوده لما وجد شيء وأنه صاحب المنة والنعمة فى كل شيء وليس المقصد نفى السبب الذى قدره الله لهذا الأمر لأن من حكمة الله أنه قدر الأشياء بأسبابها فمن زعم أن الدليل على وجود الله أن هذا الشيء ليس له سبب إذن الله هو سببه فهذا لا يعرف الإسلام فمن أصول أهل السنة والجماعة (والتى خالفها فيها فرق بدعية كالأشاعرة والجبرية) أن اثبات الأسباب من أصول الدين فنحن نثبت احراقا للنار وفى نفس الوقت لا نجعلها مستقلة بذلك أى أن الله قادر على أن ينزع منها قدرتها على الإحراق اذا شاء فليس دليلنا على الله هو أن هذا الشيء لا سبب له بل دليلنا على الله هو أن لكل شيء سبب فلولا اتصال سلسلة السببة لما قام دليل السببة
يقول بن القيم معلقا على من نفى الأسباب من هؤلاء الفرق المبتدعة :
(والله ما أجهل كثيراً من أهل الكلام والتصوف حيث لم يكن عندهم تحقيق التوحيد إلا بإلغائها ومحوها وإهدارها بالكلية ، وأنه لم يجعل الله في المخلوقات قوى ولا طبائع ولا غرائز لها تأثير موجبة ما ، ولا في النار حرارة ولا إحراق ، ولا في الدواء قوة مُذْهِبة للداء ، ولا في الخبز قوة مشبعة ، ولا في الماء قوة مروية ، ولا في العين قوة باصرة ، ولا في الأنف قوة شامَّة ، ولا في السم قوة قاتلة ، ولا في الحديد قوة قاطعة ، وأن الله لم يفعل شيئاً بشيء ، ولا فعل شيئاً لأجل شيء ! فهذا غاية توحيدهم الذي يحومون حوله ويبالغون في تقريره ، فلعمْر الله لقد أضحكوا عليهم العقلاء وأشمتوا بهم الأعداء ، ونهجوا لأعداء الرسل طريق إساءة الظن بهم وجنوا على الإسلام والقرآن أعظم جناية ، وقالوا : نحن أنصار الله ورسوله ، الموكَلون بكسر أعداء الإسلام وأعداء الرسل ، ولعمْر الله لقد كسروا الدِّين ، وسلطوا عليه المبطلين ، وقد قيل : إياك ومصاحبة الجاهل فإنه يريد أن ينفعك فيضرك
فقف مع الأسباب حيث أُمرت بالوقوف معها ، وفارقها حيث أمرت بمفارقتها ، كما فارقها الخليل .. حيث عَرض له جبريل أقوى الأسباب فقال : ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا ) انتهى
ويقول فى موضع آخر
(ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنَّة لزاد على عشرة آلاف موضع ، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ، ويكفي شهادة الحس والعقل والفِطَر ، ولهذا قال مَن قال مِن أهل العلم : تكلم قوم في إنكار الأسباب فأضحكوا ذوي العقول على عقولهم ، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد فشابهوا المعطلة الذين أنكروا صفات الرب ونعوت كماله وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لملائكته وعباده ، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد ، فما أفادهم إلا تكذيب الله ورسله وتنزيهه عن كل كمال ووصفه بصفات المعدوم والمستحيل ، ... .
ثم مِن أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد : إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب ، فإذا رأى العقلاء أنه لا يمكن إثبات توحيد الرب سبحانه إلا بإبطال الأسباب ، ساءت ظنونهم بالتوحيد وبمن جاء به ، وأنت لا تجد كتاباً من الكتب أعظم إثباتاً للأسباب من القرآن .
ويا لله العجب ؛ إذا كان الله خالق السبب والمسبَّب ، وهو الذي جعل هذا سبباً لهذا ، والأسباب والمسبَّبات طوع مشيئته ، وقدرته منقادة لحكمه إن شاء أن يبطل سببية الشيء أبطلها كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم ، وإغراق الماء على كليمه وقومه ، وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع تمنع تأثيرها مع بقاء قواها ، وإن شاء خلَّى بينها وبين اقتضائها لآثارها ، فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا ، فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد ؟! وأي شرك يترتب على ذلك بوجه من الوجوه ؟! ولكن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق ، والماء لا يُغرق ، والخبز لا يُشبع ، والسيف لا يَقطع ، ولا تأثير لشيء من ذلك البتة ، ولا هو سبب لهذا الأثر ، وليس فيه قوة ، وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا لكذا : قالت هذا هو التوحيد وإفراد الرب بالخلق والتأثير ! ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة ظن بالتوحيد ، وتسليط لأعداء الرسل على ما جاؤوا به كما تراه عِيانا في كتبهم ينفِّرون به الناس عن الإيمان) انتهى
ويقول أيضا
(وهذا باب عظيم نافع في التوحيد وإثبات الحكم ، يوجب للعبد إذا تبصر فيه الصعود من الأسباب إلى مسبِّبها ، والتعلق به دونها ، وأنها لا تضر ولا تنفع إلا بإذنه ، وأنه إذا شاء جعل نافعها ضارّاً ، وضارَّها نافعاً ، ودواءها داءً ، وداءها دواء ، فالإلتفات إليها بالكلية : شرك مناف للتوحيد ، وإنكار أن تكون أسباباً بالكلية : قدح في الشرع والحكمة ، والإعراض عنها مع العلم بكونها أسباباً : نقصان في العقل ، ) انتهى
بل حتى آيات الأنبياء التى لا تتبع النواميس والقوانين التى قدرها الله للكون جعلها الله بأسباب مراعاة لهذه القاعدة الكلية فى الدين
فعندما قدر أن يفلق البحر لموسى عليه السلام أمره أن يضرب بعصاه البحر فأمره بسبب
قال تعالى (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)
وعندما أراد أن يفجر العيون لقومه أمره أن يضرب بعصاه الحجر
قال تعالى (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)
وعندما أراد أن ينصر النبى محمد صلى الله عليه وسلم أمره بأن يضرب بحفنة رمال جيش المشركين
قال تعالى (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)
وعندما أراد أن يرزق مريم عليها السلام وهى نفساء فى غاية الضعف أمرها أن تهز النخلة التى لا يقدر على هزها عشرة رجال أقوياء
قال تعالى (و هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)
فكل هذه آيات وكلها خارج قوانين الكون وكلها قدرها الله بأسباب رغم أنها أسباب لا تملك تلك النتائج أبدا لكن مراعاة لهذا الأصل العظيم ثم يتعامى الملاحدة واللادينين عن هذا كله
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate