الأحد، 24 أغسطس 2014

ما هى الأمثلة الاقتصادية التى توضح معضلة الإنتحار التطورى

مقدمة:
فكرة بحثى الذى يهدم نظرية التطور هى فى الأساس فكرة اقتصادية فالانتحار التطورى ما هو إلا تطبيق لمأساة الموارد المشتركة فى مجال الأحياء ولذلك فالأمثلة الاقتصادية رائعة فى شرحها
(ملحوظة : لست أنا من طبق هذه الفكرة الاقتصادية فى البيولوجى وإنما هناك أبحاث كثيرة سابقة قامت بهذا العمل )
فكما نعلم أن الكائنات الحية جميعا تسعى إلى تحصيل منافعها benefits وهذا عام فى كل الأحياء بما في ذلك الانسان وهذه المصالح يمكن تحديدها بتحقيق أى استراتيجية تساعد الفرد على العيش والتكاثر وهذا يعرف بالfitness فكلما زادت الfitness كلما كان الفرد أقدر على العيش والتكاثر وكلما كان انتخابه من الطبيعة أولى من غيره الأقل fitness فالانتخاب الطبيعى لا يعلم شيء سوى زيادة الfitness بدون حد أقصى لهذه الزيادة
فعندما تنظر إلى مجتمع ما سيدخل فى الصورة أمامك التفاعل بين الأفراد أثناء تحصيل منافعهم وهنا سيظهر تأثير بعضهم على بعض سواء بالسلب أو بالايجاب فتتحول كل السلوكيات بوجه من الوجوه إلى سلوك أنانى defector أو سلوك متعاون cooperator فالأول يؤثر على الآخرين بالسلب أثناء تحصيل منافعه والثانى يؤثر على الآخرين بالايجاب أثناء تحصيل منافعه
نخلص من ذلك إلى أن هذه التقسيمة هى تقسيمة شاملة لجميع الأحياء فلا يمكن استبعاد وجود الأنانى والمتعاون من أى مجتمع و إن كان الأصل فى تحقيق المصالح هو الاضرار بالغير ولذلك فإن تقديم مصلحة المجموعة على مصلحة النفس (الإيثار) عند بعض الكائنات المعروفة بالتعاون كان ظاهرة تحتاج إلى تفسير فجاء ما يعرف ب Kin selection و group selection
الموضوع:
لا شك أنه يمكن التعايش بين الأنانى و المتعاون فى المجتمعات لكن بشرط واحد وهو ألا يكون التأثير السلبى للأنانى يقع على الموارد التى يتنافس عليها الجميع لأنك دائما تدفع تكلفة لكى تحصل منافعك وبهذا تقوم المجتمعات فإن كنت منافعك تحقق لك وحدك وتقسم التكاليف على الجميع فهذا يترتب عليه أمرين :
1-أن الموارد ستنهار بعد فترة مما يؤدى إلى انهيار الأنانى والمتعاون جميعا فيما يعرف بمأساة الموارد المشتركة (The tragedy of the commons)
2-أن صاحب السلوك الأنانى لا يمكن منافسته من قبل المتعاونين لأنهم يحملون عنه تكاليف تحقيق منافعه كأنك تذهب لتشترى كل ما تريد ويسدد فواتيرك الشعب فلا يمكن أن تتعرض للإفلاس قبل أن تزول الدولة بالكلية ولذلك فصاحب هذا السلوك بلغة البيولوجى أعلى fitness من المتعاون فلابد للإنتخاب الطبيعى أن يختاره ويدعم وجوده
فنحن الآن أمام مقدمات تقودنا إلى نتيجة وهذه المقدمات هى :
1-لا يمكن استبعاد احتمال وجود أصحاب السلوكيات الأنانية فى أى مجتمع
2- الانتخاب الطبيعى سيدعم هذا الوجود بدلا من أن يمنعه
3- التأثير السلبى لصاحب السلوكيات الأنانية على الموارد أمر محتمل
4- النتيجة الحتمية لوقوع هذا هو زوال المجتمع بالكلية فيما يعرف بمأساة الموارد المشتركة
فنحن أمام نتيجة لازمة لما سبق وهى احدى احتمالين لا ثالث لهما
1-أن نفترض أن كل مجتمع موجود بالفعل الآن موارده من المستحيل التأثير عليها بالسلب من أى فرد صاحب سلوكيات أنانية وأن المجتمعات التى كانت مواردها قابلة للتأثر سلبا قد انقرضت ووقعت بها مأساة المشاع بالفعل
2-أن نفترض أن كل مجتمع موجود الآن موارده يمكن التأثير عليها بالسلب لكنه تم منع وقوع مأساة المشاع بهذه المجتمعات بالآلية الوحيدة التى تمنع وقوع مأساة المشاع والتى كشف عنها الباحثون فى هذا المجال
بلا شك أن الاحتمال الأول مستبعد لأن أى مورد طبيعى يمكن التأثير عليه بالسلب حتى ينتهى وحتى الموارد التى لا يمكن التأثير عليها (مثل ضوء الشمس) فيمكن التأثير على تحصيل الأفراد الانتفاع بها كما تفعل النباتات المتطفرة التى تهدر قدرا كبيرا من الطاقة فى انشاء سيقان طويلة على حساب القدرة على التكاثر فتمنع الجنس الأصلى من الانتفاع بالضوء لأنها تحجب هذا الضوء عنه ثم تعجز هى عن التكاثر وابقاء النوع فهذا أيضا نوع من أنواع مأساة المشاع المشتركة
فلم يبقى سوى الاحتمال الثانى فما هو الحل الوحيد لمأساة الموارد المشتركة ؟
الحل الوحيد هو تغيير الأرباح payoffs عند الأنانى defector وهذا يكون بتدخل واعى intelligence عنده قدرة على الرؤية المستقبلية وعنده قدرة على الفهم وتقدير الأمور
فكل الدراسات التى ناقشت مأساة الموارد المشتركة قررت هذا الأمر فحصرت الحلول فى وجود مفاوضات أو فرض عقوبات من الحكومات على الاستغلال المفرط للموارد Overexploitation أو وجود أخلاق أو دين يمنع من ذلك أو خصخصة الموارد المفتوحة وكل هذه أمور معنوية تحتاج إلى الوعى الذى هو الآلة التى تتعامل مع هذه المؤثرات الغير مادية
وأختم بمثالين شهيرين عن مأساة الموارد المشتركة :
المثال الأول: هو وجود مرعى مفتوح يذهب الرعاة إليه فكلما زاد أحدهم فى عدد الماشية التى ترعى فيه كان محصلا لأرباح أكثر (أعلى fitness وأولى لأن ينتخب طبيعيا بلغة البيولوجى ) فى حين أن التكاليف مقسمة على الجميع ولا شك أن هذا يضر المرعى ولا شك أنه كلما أضفت ماشية أكثر كلما حصلت على منافع أكبر مما يؤدى فى النهاية إلى تدمير المراعى وخسارة الجميع
والحل فى مثل هذا الموقف هو خصخصة المراعى أو تنظيم الرعى من طرف الحكومات وفرض العقوبات مما يحدث تغييرا فى الأرباح بالنسبة للراعى سواء بوجود أرض مخصصة له فيعنيه بقاؤها صالحة للرعى أو بوجود عقوبات توازن الرغبة فى الاستغلال المفرط للمراعى المفتوحة
المثال الثانى: Prisoner’s Dilemma معضلة السجين
فالجندى الذى يقف فى الصفوف الأمامية أثناء الحرب هو أكثر عرضة للقتل أو الإصابة من الذين يقفون فى الصفوف الخلفية فى حين أن تواجد هذا الجندى فى الصفوف الخلفية لن يؤثر بشيء على الحرب لأن غيره سيبقى فى الصفوف الأمامية وهذا يعد تحصيل للمنافع باسلوب أنانى لكنه بالفعل تحصيل للمنافع بشكل أفضل من وجهة النظر المادية لكن ماذا لو فكر جميع الجنود بهذا الاسلوب المادى ؟
ستكون النتيجة هى فرار الجيش أمام عدوه وبالتالى هزيمتهم وربما قتلهم وأسرهم جميعا فهذا السلوك الأنانى بالرغم من أنه أفضل فى تحقيق المصالح المادية إلا أنه سيتسبب فى النهاية فى خسارة كل شيء ودمار المجتمع كله على طريقة مأساة الموارد المشتركة
وحل هذه المشكلة يكون باستدعاء أمور معنوية مثل الدين أو الأخلاق أو بالخوف من العقوبات والقوانين أو بالتصرف وفق تصرفات الأخرين وهذا يحتاج إلى تقدير لما يحدث على أرض الواقع وتوقع لما سيقع فى المستقبل وكل هذه أمور معنوية غير مادية تحتاج فى التعامل معها إلى وجود العقل والفهم
الخاتمة:
وفقا لمثال الجندى يمكننا أن نقول أن
كل( جيش) موجود بالفعل فى أرض الحرب وجوده فى حد ذاته يعد دليلا على أن مأساة الموارد المشتركة أو معضلة السجين لم تقع فيه لأنها لو وقعت لانتهى( الجيش )ولم يعد له وجود .. وعدم وقوع المأساة مع احتمال وجود( التفكير المادى الأنانى فى أفراد) أى (جيش) لا يمكن تفسيره إلا بوجود آلية تمنع المأساة وقد علمنا أن هذه الآلية هو وجود تدخل من وعى ما أيا كانت صورة هذا التدخل
والآن نطبق نفس المثال فى الأحياء
كل (مجتمع بيولوجى) موجود بالفعل فى أرض الواقع وجوده فى حد ذاته يعد دليلا على أن مأساة الموارد المشتركة لم تقع فيه لأنها لو وقعت لانتهى( المجتمع البيولوجى) ولم يعد له وجود ... وعدم وقوع المأساة مع احتمال وجود (الكائن صاحب الاستراتيجيات الأنانية التى تؤثر على الموارد ) فى أى ( مجتمع بيولوجى) لا يمكن تفسيره إلا بوجود آلية تمنع المأساة وقد علمنا أن هذه الآلية هو وجود تدخل من وعى ما أيا كانت صورة هذا التدخل
فبالتالى لا يمكن تفسير وجود الحياة إلا بوجود عليم حكيم
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate