الاثنين، 25 أغسطس 2014

ما هو الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق العادات ؟

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله 

فهذا جزء من كتاب النبوات لشيخ الإسلام ابن تيمية يبين فيه الفرق بين آيات الأنبياء والمعجزات أو خوارق العادات
قال رحمه الله نعالى : 



وحقيقة الأمر أن ما يدل على النبوة هو آية على النبوة وبرهان عليها فلا بد أن يكون مختصا بها لا يكون مشتركا بين الأنبياء وغيرهم فإن الدليل هو مستلزم لمدلوله لا يجب أن يكون أعم وجودا منه بل إما أن يكون مساويا له في العموم والخصوص أو يكون أخص منه وحينئذ فآية النبي لا تكون لغير الأنبياء لكن إذا كانت معتادة لكل نبي أو لكثير من الانبياء لم يقدح هذا فيها فلا يضرها أن تكون معتادة للأنبياء وكون الآية خارقة للعادة أو غير خارقة هو وصف لم يصفه القرآن والحديث ولا السلف وقد بينا في غير هذا الموضع أن هذا وصف لا ينضبط وهو عديم التأثير فإن نفس النبوة معتادة للأنبياء خارقة للعادة بالنسبة إلى غيرهم إن كون الشخص يخبره الله بالغيب خبرا معصوما هذا مختص بهم وليس هذا موجودا لغيرهم فضلا عن كونه معتادا فآية النبي لا بد أن تكون خارقة للعادة بمعنى أنها ليست معتادة للآدميين وذلك لأنها حينئذ لا تكون مختصة بالنبي بل مشتركة وبهذا احتجوا على أنه لا بد أن تكون خارقة للعادة لكن ليس في هذا ما يدل على أن كل خارق آية فالكهانة والسحر هو معتاد للسحرة والكهان وهو خارق بالنسبة إلى غيرهم كما أن ما يعرفه أهل الطب والنجوم والفقه والنحو هو معتاد لنظرائهم وهو خارق بالنسبة إلى غيرهم ولهذا إذا أخبر الحاسب بوقت الكسوف والخسوف تعجب الناس إذا كانوا لا يعرفون طريقه فليس في هذا ما يختص بالنبي وكذلك قراءة القرآن بعد أن بعث محمد صلى الله عليه و سلم صارت مشتركة بين النبي وغيره وأما نفس الإبتداء به فهو مختص بالنبي وكذلك ما يرويه من أنباء الغيب عن الأنبياء لما صار مشتركا بين النبي وغيره لم يبق آية بخلاف الابتداء فالكهانة مثلا وهو الإخبار ببعض الغائبات عن الجن أمر معروف عند الناس وأرض العرب كانت مملوءة من الكهان وإنما ذهب ذلك بنبوة محمد صلى الله عليه و سلم وهم يكثرون في كل موضع نقص فيه أمر النبوة فهم كثيرون في أرض عباد الأصنام ويوجدون كثيرا عند النصارى ويوجدون كثيرا في بلاد المسلمين حيث نقص العلم والإيمان بما جاء به الرسول لأن هؤلاء أعداء الأنبياء والله تعالى قد ذكر الفرق بينهم وبين الأنبياء فقال هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون فهؤلاء لا بد أن يكون في أحدهم كذب وفجور وذلك يناقض النبوة فمن ادعى النبوة وأخبر بغيوب من جنس أخبار الكهان كان ما أخبر به خرقا للعادة عند أولئك القوم لكن ليس خرقا لعادة جنسه من الكهان وهم إذا جعلوا ذلك آية لنبوته كان ذلك لجهلهم بوجود هذا الجنس لغير الأنبياء كالذين صدقوا مسيلمة الكذاب والأسود العنسي والحارث الدمشقي وبابا الرومي وغير هؤلاء من المتنبئين الكذابين وكان هؤلاء يأتون بأمور عجيبة خارقة لعادة أولئك القوم لكن ليست خارقة لعادة جنسهم ممن ليس بنبي فمن صدقهم ظن أن هذا مختص بالأنبياء وكان ذلك من جهله بوجود هذا لغير الأنبياء كما أنهم كانوا يأتون بأمور تناقض النبوة ولهذا يجب في آيات الأنبياء أن لا يعارضها من ليس بنبي فكل من عارضها صادرا ممن ليس من جنس الأنبياء فليس من أياتهم ولهذا طلب فرعون أن يعارض ما جاء به موسى لما ادعى أنه ساحر فجمع السحرة ليفعلوا مثل ما يفعل موسى فلا تبقى حجته مختصة بالنبوة وأمرهم موسى أن يأتوا أولا بخوارقهم فلما أتت وابتلعتها العصا التي صارت حية علم السحرة أن هذا ليس من جنس مقدورهم فآمنوا إيمانا جازما ولما قال لهم فرعون لأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا وقالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون فكان من تمام علمهم بالسحر أن السحر معتاد لأمثالهم وأن هذا ليس من هذا الجنس بل هذا مختص بمثل هذا فدل على صدق دعواه وفرعون وقومه بين معاند وجاهل استخفه فرعون كما قال تعالى فاستخف قومه فأطاعوه فاذا قيل لهم المعجزة هي الفعل الخارق للعادة أو قيل هي الفعل الخارق للعادة المقرون بالتحدي أو قيل مع ذلك الخارق للعادة السليم عن المعارضة فكونه خارقا للعادة ليس أمرا مضبوطا فإنه إن أريد به أنه لم يوجد له نظير في العالم فهذا باطل فإن آيات الأنبياء بعضها نظير بعض بل النوع الواحد منه كاحياء الموتى وهو آية لغير واحد من الأنبياء وإن قيل إن بعض الأنبياء كانت آيته لا نظير لها كالقرآن والعصا والناقة لم يلزم ذلك في سائر الآيات ثم هب أنه لا نظير لها في نوعها لكن وجد خوارق العادات للأنبياء غير هذا فنفس خوارق العادات معتاد جميعه للأنبياء بل هو من لوازم نبوتهم مع كون الأنبياء كثيرين وقد روي أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي وما يأتي به كل واحد من هؤلاء لا يكون معدوم النظير في العالم بل ربما كان نظيره وإن عني بكون المعجزة هي الخارقة للعادة أنها خارقة لعادة أولئك المخاطبين بالنبوة بحيث ليس فيهم من يقدر على ذلك فهذا ليس بحجة فإن أكثر الناس لا يقدرون على الكهانة والسحر ونحو ذلك وقد يكون المخاطبون بالنبوة ليس فيهم هؤلاء كما كان أتباع مسيلمة والعنسي وأمثالهما لا يقدرون على ما يقدر عليه هؤلاء والمبرز في فن من الفنون يقدر على ما لا يقدر عليه أحد في زمنه وليس هذا دليلا على النبوة فكتاب سيبويه مثلا مما لا يقدر على مثله عامة الخلق وليس بمعجز إذ كان ليس مختصا بالأنبياء بل هو موجود لغيرهم وكذلك طب أبقراط بل وعلم العالم الكبير من علماء المسلمين خارج عن عادة الناس وليس هو دليلا على نبوته 
وأيضا فكون الشيء معتادا هو مأخوذ من العود وهذا يختلف بحسب الأمور فالحائض المعتادة من الفقهاء من يقوم تثبت عادتها بمرة ومنهم من يقول بمرتين ومنهم من يقول لا تثبت إلا بثلاث وأهل كل بلد لهم عادات في طعامهم ولباسهم وأبنيتهم لم يعتدها غيرهم فما خرج عن ذلك فهو خارق لعادتهم لا لعادة من اعتاده من غيرهم فلهذا لم يكن في كلام الله ورسوله وسلف الامة وأئمتها وصف آيات الأنبياء بمجرد كونها خارقة للعادة ولا يجوز أن يجعل مجرد خرق العادة هو الدليل فان هذا لا ضابط له وهو مشترك بين الأنبياء وغيرهم ولكن إذا قيل من شرطها أن تكون خارقة للعادة بمعنى أنها لا تكون معتادة للناس فهذا ظاهر يعرفه كل أحد ويعرفون أن الأمر المعتاد مثل الأكل والشرب والركوب والسفر وطلوع الشمس وغروبها ونزول المطر في وقته وظهور الثمرة في وقتها ليس دليلا ولا يدعي أحد أن مثل هذا دليل له فان فساد هذا ظاهر لكل أحد ولكن ليس مجرد كونه خارقا للعادة كافيا لوجهين أحدهما أن كون الشيء معتادا وغير معتاد أمر نسبي إضافي ليس بوصف مضبوط تتميز به الآية بل يعتاد هؤلاء مالم يعتد هؤلاء مثل كونه مألوفا ومجربا ومعروفا ونحو ذلك من الصفات الإضافية الثاني أن مجرد ذلك مشترك بين الأنبياء وغيرهم وإذا خص ذلك بعدم المعارضة فقد يأتي الرجل بما لا يقدر الحاضرون على معارضته ويكون معتادا لغيرهم كالكهانة والسحر وقد يأتي بما يمكن معارضته وليس بآية لشيء لكونه لم يختص بالأنبياء وقد يقال في طب أبقراط ونحو سيبويه إنه لا نظير له بل لا بد أن يقال إنه مختص بالأنبياء بل معروف أن هذا تعلم بعضه من غيره واستخرج سائره بنظره واذا خص الله طبيبا أو نحويا أو فقيها بما ميزه به على نظرائه لم يكن ذلك دليلا على نبوته وإن كان خارقا للعادة فان ما يقوله الواحد من هؤلاء قد علمه بسماع أو تجربة أو قياس وهي طرق معروفة لغير الأنبياء والنبي قد علمه الله من الغيب الذي عصمه الله فيه عن الخطأ ما لم يعلمه إلا نبي مثله فان قيل فحينئذ لا يعرف أن الآية مختصة بالنبي حتى تعرف النبوة قيل أما بعد وجود الأنبياء في العالم فهكذا هو ولهذا يبين الله عز و جل نبوة محمد في غير موضع باعتبارها بنبوة من قبله وتارة يبين أنه لم يرسل ملائكة بل رجالا من أهل القرى ليبين أن هذا معتاد معروف ليس هو أمرا لم تجر به عادة الرب كقوله تعالى (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) كما ذكره في سورة النحل والأنبياء وقال في يوسف( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي اليهم من اهل القرى أفلم يسيروا في الأرص فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون) فان الكفار كانوا يقولون إنما يرسل الله ملكا أو يرسل مع البشر ملكا كما قال فرعون (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين )وقال قوم نوح( ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لانزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) وقال مشركو العرب لمحمد (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا نزل عليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها )وقال تعالى (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) انتهى


ثم يناقش شيخ الإسلام تعريف الأشاعرة لآيات الأنبياء ويبين فساد هذا التعرف والذى وافقهم فيه المعتزلة حين ظنوا أن مجرد كون الفعل خارق للعادة فهو آية على النبوة 

قال رحمه الله تعالى :

والمعتزلة قبلهم ظنوا أن مجرد كون الفعل خارقا للعادة هو الآية على صدق الرسول فلا يجوز ظهور خارق إلا لنبي والتزموا طردا لهذا انكار أن يكون للسحر تأثير خارج عن العادة مثل أن يموت ويمرض بلا مباشرة شيء وأنكروا الكهانة وأن تكون الجن تخبر ببعض المغيبات وأنكروا كرامات الاولياء فاتى هؤلاء فأثبتوا ما أثبته الفقهاء وأهل الحديث من السحر والكهانة والكرامات 
تعريف المعجزة عن الأشاعرة:

لكن قيل لهم فميزوا بين هذا وبين المعجزات فقالوا لا فرق في نفس الجنس وليس في جنس مقدورات الرب ما يختص بالانبياء لكن جنس خرق العادة واحد فهذا اذا اقترن بدعوى النبوة وسلم عن المعارضة عند تحدي الرسول بالمثل فهو دليل فهي عندهم لم تدل لكونها في نفسها وجنسها دليلا بل اذا استدل بها المدعي للنبوة كانت دليلا وإلا لم تكن دليلا ومن شرط الدليل سلامته عن المعارضة وهي عندهم غاية الفرق فاذا قال المدعي للنبوة ائتوا بمثل هذه الآية فعجزوا كان هذا هو المعجز المختص بالنبي وإلا فيجوز عندهم أن تكون معجزات الرسول من جنس ما للسحرة والكهان من الخوارق اذا استدل بها الرسول فالحجة عنده مجموع الدعوى والخارق لا الخارق وحده والاعتبار بالسلامة عن المعارض بل قد لا يشترطون أن يكون خارقا للعادة لكن يشترطون أن لايعارض وعجز الناس عن المعارضة مع أنه معتاد لا خارق للعادة فالاعتبار عندهم بشيئين باقترانه بالدعوى وتحديه لمن دعاهم أن يأتوا بمثله فلا يقدرون قالوا وخوارق الأنبياء يظهر مثلها على يد الساحر والكاهن والصالح ولا تدل على النبوة لأنه لم يدعها قالوا ولو ادعى النبوة أحد من أهل هذه الخوارق مع كذبه لم يكن بد من أن الله يعجزه عنها فلا يخلقها على يده أو يقيض له من يعارضه فتبطل حجته واذا قيل لهم لم قلتم ان الله لا بد أن يفعل هذا وهذا وعندكم يجوز عليه كل شيء ولا يجب عليه فعل شيء ولا يجب منه فعل شيء قالوا لأنه لو لم يمنعه من ذلك أو يعارضه بآخر لكان قد أتى بمثل ما يأتي به النبي الصادق فتبطل دلالة آيات الانبياء فاذا قيل لهم وعلى أصلكم يجوز أنه تبطل دلالتها وعندكم يجوز عليه فعل كل شيء أجابوا بالوجهين المتقدمين إما لزوم أنه ليس بقادر أو أن الدلالة معلومة بالاضطرار وقد عرف ضعفهما ثم هنا يلزمهم شيء آخر وهو أنه لم قلتم إن المعجز الذي يدل به على صدق الانبياء ما ذكرتموه من مجرد كونه خارقا مع الدعوى وعدم المعارضة فان هذا يقال إنه باطل من وجوه .....

أحدها:
أنه إذا كان ما يأتي به النبي يأتي به الساحر والكاهن لكان أولئك يعارضون وهذا لا يعارض فالاعتبار إذن بعدم المعارضة فقولوا لكل من ادعى النبوة وقال معجزتي أن لا يدعيها غيري فهو صادق أو لا يقدر غيري على دعواها فهو صادق أو أفعل أمرا معتادا من الأكل والشرب واللباس ومعجزتي أن لا يفعله غيري أو لا يقدر غيري على فعله فهو صادق فالتزموا هذا وقالوا المنع من المعتاد كإحداث غير المعتاد وعلى هذا فلو قال الرسول معجزتي أني أركب الحمار أو الفرس أو آكل هذا الطعام أو ألبس هذا الثوب أو أعدو إلى ذلك المكان وأمثال ذلك وغيره لا يقدر على ذلك كان هذا آية دعواه وهذا لا ضابط له فان ما يعجز عنه قوم دون قوم لا ينضبط ولكن هذا يفسد قول من فسرها بخرق العادة فان العادات تختلف وقد ذكروا هذا وقالوا المعجزة عند كل قوم ما كان خرقا لعادتهم وقالوا يشترط أن تكون خارقة لعادة من دعاهم وان كان معتادا لغيرهم وقالوا إذا كان المدعي كذابا فان الله يقيض له من يعارضه من أهل تلك الصناعة أو يمنعه من القدرة عليها وهذا وجه ثان يدل على فساد ما أصلوه هم والمعتزلة 

الوجه الثالث:

المعارضة بالمثل أن يأتي بحجة مثل حجة النبي وحجته عندهم مجموع دعوى النبوة والاثبات بالخارق فيلزم على هذا أن تكون المعارضة بأن يدعي غيره النبوة ويأتي بالخارق وعلى هذا فليست معارضة الرسول بأن يأتوا بالقرآن أو عشر سور أو سورة بل أن يدعي أحدهم النبوة ويفعل ذلك وهذا خلاف العقل والنقل ولو قال الرسول لقريش لا يقدر أحد منكم أن يدعي النبوة ويأتي بمثل القرآن وهذا هو الآية وإلا فمجرد تلاوة القرآن ليس آية بل قد يقرأه المتعلم له فلا تكون آيه لأنه لم يدع النبوة ولو ادعاها لكان الله ينسيه إياه أو يقيض له من يعارضه كما ذكرتم لكانت قريش وسائر العلماء يعلمون أن هذا باطل 

الرابع: 

أنه إذا كان اعتمادكم على عدم المعارضة فقولوا ما قاله غيركم وهو أن آية سلامة ما يقوله من التناقض وأن كل من ادعى النبوة وكان كاذبا فلا بد أن يتناقض أو يقيض الله له من يقول مثل ما قال وأما السلامة من التناقض من غير دعوى النبوة فليست دليلا فهذا خير من قولكم فانه قد علم أن كل ما جاء من عند غير الله فانه لا بد أن يختلف ويتناقض وما جاء من عند الله لا يتناقض كما قال تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )وأما دعوى الضرورة فمن ادعى الضرورة في شيء دون شيء مع تماثلهما وعدم الفرق بينهما في نفس الأمر كانت دعواه مردودة بل كذبا فان وجود العلم الضروري بشيء دون شيء لا بد أن يكون لفرق إما في المعلوم وإما في العالم وإلا فاذا قدر تساوي المعلومات وتساوي حال العالم بها لم يعلم بالضرورة أحد المتماثلين دون الآخر 

الخامس:
انه لا بد أن تكون الآية التي للنبي أمرا مختصا بالانبياء فان الدليل مستلزم للمدلول عليه فآية النبي هي دليل صدقه وعلامة صدقه وبرهان صدقه فلا توجد قط إلا مستلزمة لصدقه وقد ادعوا أن آيات صدقهم التي تكون منفكة عن صدقهم تكون لساحر وكاهن ورجل صالح ولمدعي الإلهية لكن لا تكون لمن يكذب في دعوى النبوة فجوزوا وجود الدليل مع عدم المدلول عليه إلا اذا ادعى المدلول عليه كاذب واستدلوا على ذلك بأن الساعة تخرق عندها خوارق ولا تدل على صدق أحد ولو ادعى مدع النبوة مع تلك الخوارق لدلت قالوا فعلم أن جنس ما هو معجز يوجد بدون صدق النبي لكن مع دعوى النبوة لا يوجد إلا مع الصدق والآية عندهم الدعوى والخارق والصدق هو المدلول عليه فلا يكون ذلك كذلك إلا مع هذا وأما وجود الخارق مجردا عن الدعوى فليس بدليل ولا فرق عندهم بين خارق وخارق وخارق معتاد عند قوم دون قوم وليس لهم ضابط في العادات ولسائل أن يقول جميع ما يفعله الله من الآيات في العالم فهو دليل على صدق الانبياء ومستلزم له وإن كانت الآيات معتادة لجنس الانبياء أو لجنس الصالحين الذين يتبعون الانبياء فهي مستلزمة لصدق مدعي النبوة فانها إذا لم تكن إلا لنبي أو من يتبعه لزم أن يكون من أحد القسمين والكاذب في دعوى النبوة ليس واحدا منهما فالتابع للانبياء الصالح لا يكذب في دعوى النبوة قط ولا يدعيها إلا وهو صادق كالانبياء المتبعين لشرع موسى فاذا كان آية نبي إحياء الله الموتى لم يمتنع أن يحي الله الموتى لنبي آخر أو لمن يتبع الانبياء كما قد أحيي الميت لغير واحد من الانبياء ومن تبعهم وكان ذلك آية على نبوة محمد صلى الله عليه و سلم ونبوة من قبله إذا كان إحياء الموتى مختصا بالانبياء وأتباعهم وكذلك ما يفعله الله من الآيات والعقوبات بمكذبي الرسل كتغريق فرعون وإهلاك قوم عاد بالريح الصرصر العاتية وإهلاك قوم صالح بالصيحة وأمثال ذلك فان هذا جنس لم يعذب به إلا من كذب الرسل فهو دليل على صدق الرسل وقد يميت الله بعض الناس بأنواع معتادة من البأس كالطواعين ونحوها لكن هذا معتاد لغير مكذبي الرسل أما ما عذب الله به مكذبي الرسل فمختص بهم ولهذا كان من آيات الله كما قال( وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) وكذلك ما يحدثه من أشراط الساعة كظهور الدجال ويأجوج ومأجوج وظهور الدابة وطلوع الشمس من مغربها بل والنفخ في الصور وغير ذلك هو من آيات الانبياء فانهم أخبروا به قبل ان يكون فكذبهم المكذبون فاذا ظهر بعد مئين أو ألوف من السنين كما أخبروا به كان هذا من آيات صدقهم ولم يكن هذا إلا لنبي أو لمن يخبر عن نبي والخبر عن النبي هو خبر النبي ولهذا كان وجود ما أخبر به الرسول من المستقبلات من آيات نبوته إذا ظهر المخبر به كما كان أخبر فيما مضى عرف صدقه فيما أخبر به إذ كان هذا وهذا لا يمكن أن يخبر به إلا نبي أو من أخذ عن نبي وهو لم يأخذ عن أحد من الانبياء شيئا فدل على نبوته ولهذا يحتج الله له في القرآن بذلك كما بسط في غير هذا الموضع وأخبار الكهان فيها كذب كثير والكاهن قد عرف أنه يكذب كثيرا مع فجوره قال تعالى (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون) والكهانة جنس معروف ومعروف أن الكاهن يتلقى عن الشيطان ولا بد من كذبهم وفجورهم والنبي لا يكذب قط ولا يكون إلا برا تقيا فالفرق بينهما ثابت في نفس صفاتهما وأفعالهما وآياتهما لا يقول عاقل إن مجرد ما يفعله الكاهن هو دليل إن اقترن بصادق وليس بدليل إذا لم يقترن بصادق وانه متى ادعاه كاذب لم يظهر على يده وهذا أيضا باطل 

ويظهر بالوجه السادس :

وهو أنه قد ادعى جماعة من الكذابين النبوة وأتوا بخوارق من جنس خوارق الكهان والسحرة ولم يعارضهم أحد في ذلك المكان والزمان وكانوا كاذبين فبطل قولهم إن الكذاب إذا أتى بمثل خوارق السحرة والكهان فلا بد أن يمنعه الله ذلك الخارق أو يقيض له من يعارضه وهذا كالاسود العنسي الذي ادعى النبوة باليمن في حياة النبي صلى الله عليه و سلم واستولى على اليمن وكان معه شيطان سحيق ومحيق وكان يخبر بأشياء غائبة من جنس أخبار الكهان وما عارضه أحد وعرف كذبه بوجوه متعددة وظهر من كذبه وفجوره ما ذكره الله بقوله( هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ) وكذلك مسيلمة الكذاب وكذلك الحارث الدمشقي ومكحول الحلبي وبابا الرومي لعنة الله عليهم وغير هؤلاء كانت معهم شياطين كما هي مع السحرة والكهان 

السابع :

أن آيات الأنبياء ليس من شرطها استدلال النبي بها ولا تحديه بالإتيان بمثلها بل هي دليل على نبوته وان خلت عن هذين القيدين وهذا كإخبار من تقدم بنبوة محمد فانه دليل على صدقه وان كان هو لم يعلم بما أخبروا به ولا يستدل به وأيضا فما كان يظهره الله على يديه من الآيات مثل تكثير الطعام والشراب مرات كنبع الماء من بين أصابعه غير مرة وتكثير الطعام القليل حتى كفى أضعاف من كان محتاجا اليه وغير ذلك كله من دلائل النبوة ولم يكن يظهرها للاستدلال بها ولا يتحدى بمثلها بل لحاجة المسلمين اليها وكذلك إلقاء الخليل في النار إنما كان بعد نبوته ودعائه لهم الى التوحيد 

الثامن :

أن الدليل الدال على المدلول عليه ليس من شرط دلالته استدلال أحد به بل ما كان النظر الصحيح فيه موصولا الى علم فهو دليل وان لم يستدل به أحد فالآية أدلة وبراهين تدل سواء استدل بها النبي أو لم يستدل وما لا يدل اذا لم يستدل به لا يدل إذا استدل به ولا ينقلب ما ليس بدليل دليلا اذا استدل به مدع لدلالته 

التاسع:
أن يقال آيات الانبياء لا تكون إلا خارقة للعادة ولا تكون مما يقدر أحد على معارضتها فاختصاصها بالنبي وسلامتها عن المعارضة شرط فيها بل وفي كل دليل فانه لا يكون دليلا حتى يكون مختصا بالمدلول عليه ولا يكون مختصا إلا اذا سلم عن المعارضة فلم يوجد مع عدم المدلول عليه مثله وإلا اذا وجد هو أو مثله بدون المدلول لم يكن مختصا فلا يكون دليلا لكن كما أنه لا يكفي مجرد كونه خارقا بعادة أولئك القوم دون غيرهم فلا يكفي أيضا عدم معارضة أولئك القوم بل لا بد أن يكون مما لم يعتده غير الانبياء فيكون خارقا لعادة غير الانبياء فمتى عرف أنه يوجد لغير الانبياء بطلت دلالته ومتى عارض غير النبي النبي بمثل ما أتى به بطل الاختصاص وما ذكره المعتزلة وغيرهم كابن حزم من أن آيات الانبياء مختصة بهم كلام صحيح لكن كرامات الاولياء هي من دلائل النبوة فانها لا توجد إلا لمن اتبع النبي الصادق فصار وجودها كوجود ما أخبر به النبي من الغيب وأما ما يأتي به السحرة والكهان من العجائب فتلك جنس معتاد لغير الانبياء وأتباعهم بل الجنس معروف بالكذب والفجور فهو خارق بالنسبة الى غير أهله وكل صناعة فهي خارقة عند غير أهلها ولا تكون آية وآيات الانبياء هي خارقة لغير الانبياء وان كانت معتادة للانبياء 

العاشر:
أن آيات الانبياء خارجة مقدور من أرسل الانبياء اليه وهم الجن والانس فلا تقدر الانس والجن أن يأتوا بمثل معجز الانبياء كما قال تعالى( قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )وأما الملائكة فلا تضر قدرتهم على مثل ذلك فان الملائكة انما تنزل على الانبياء لا تنزل على السحرة والكهان كما أن الشياطين لاتتنزل على الانبياء والملائكة لا تكذب على الله فاذا كانت الآيات من أفعال الملائكة مث أخبارهم للنبي عن الله بالغيب ومثل نصرهم له على عدوه وإهلاكهم له نصرا وهلاكا خارجين عن العادة كما فعلته الملائكة يوم بدر وغيره وكما فعلت بقوم لوط وكما فعلت بمريم والمسيح ونحو ذلك وكاتيانهم لسليمان بعرش بلقيس فقد روي أن الملائكة جاءته به وهي أقدر من الجن لم يكن هذا خارجا عما اعتاده الانبياء بل هذا ليس لغير الانبياء فلا يقال ان غير الانبياء اعتادوه فنقضت عادتهم بل هذا لم يعتده إلا الانبياء وهو مناقض لجنس عادات الآدميين بمعنى انه لا يوجد فيما اعتاده بنو آدم في جميع الأصناف غير الانبياء كما اعتادوا العجائب من السحر والكهانة والصناعات العجيبة وما يستعينون عليه بالجن والانس والقوى الطبيعية مثل الطلاسم وغيرها فكل هذا معتاد معروف لغير الانبياء وهؤلاء جعلوا الطلاسم من جنس المعجزات وقالوا لو أتى بها نبي لكانت آية له واذا أتى بها من لم يدع النبوة جاز وان ادعاها كاذب سلبه الله علمها أو قيض له من يعارضه وهذا قول قبيح فانه لو جعل شيء من معجزات الانبياء وآياتهم من جنس ما يأتي به ساحر أو كاهن أو مطلسم أو مخدوم من الجن لاستوى الجنسان ولم يكن فرق بين الأنبياء وبين هؤلاء ولم يتميز بذلك النبي من غيره وهذا مما عظم غلط هؤلاء فيه فلم يعرفوا خصائص النبي وخصائص آياته كما أن المتفلسفة أبعد منهم عن الايمان فجعلوا للنبوة ثلاث خصائص حصول العلم بلا تعلم وقوة نفسه المؤثرة في هيولي العالم وتخيل السمع والبصر وهذه الثلاثة توجد لكثير من عوام الناس ولم يفرقوا بين النبي والساحر إلا بأن هذا بر وهذا فاجر والقاضي أبو بكر وأمثاله يجعلون هذا الفرق سمعيا والفرق الذي لا بد منه عندهم الاستدلال بها والتحدي بالمثل وكل من هؤلاء وهؤلاء أدخلوا مع الانبياء من ليس بنبي ولم يعرفوا خصائص الانبياء ولا خصائص آياتهم فلزمهم جعل من ليس بنبي نبيا أو جعل النبي ليس بنبي اذ كان ما ذكروه في النبوة مشتركا بين الانبياء وغيرهم فمن ظن أنه يكون لغير الانبياء قدح في الانبياء أن يكون هذا هو دليلهم بوجود مثل ما جاءوا به لغير النبي ومن ظن أنه لا يكون إلا لنبي إذا رأى من فعله من متنبئ كاذب وساحر وكاهن ظن أنه نبي والايمان بالنبوة أصل النجاة والسعادة فمن لم يحقق هذا الباب اضطرب عليه باب الهدى والضلال والايمان والكفر ولم يميز بين الخطأ والصواب ولما كان الذين اتبعوا هؤلاء وهؤلاء من المتأخرين مثل أبي حامد والرازي والآمدي وأمثالهم هذا ونحوه مبلغ علمهم بالنبوة لم يكن لها في قلوبهم من العظمة ما يجب لها فلا يستدلون بها على الامور العلمية الخبرية وهي خاصة النبي وهو الاخبار عن الغيب والانباء به فلا يستدلون بكلام الله ورسوله على الإنباء بالغيب التي يقطع بها بل عمدتهم ما يدعونه من العقليات المتناقضة ولهذا يقرون بالحيرة في آخر عمرهم كما قال الرازي ...
نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال ... 
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال .
.. ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ... 
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات( اليه يصعد الكلم الطيب) (الرحمن على العرش استوى) واقرأ في النفي( ليس كمثله شيء ) (ولا يحيطون به علما) ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي 

الوجه الحادي عشر:

أن آيات الانبياء مما يعلم العقلاء أنها مختصة بهم ليست مما تكون لغيرهم فيعلمون أن الله لم يخلق مثلها لغير الانبياء وسواء في آياتهم التي كانت في حياة قومهم وآياتهم التي فرق الله بها بين أتباعهم وبين مكذبيهم بنجاة هؤلاء وهلاك هؤلاء ليست من جنس ما يوجد في العادات المختلفة لغيرهم وذلك مثل تغريق الله لجميع أهل الأرض إلا لنوح ومن ركب معه في السفينة فهذا لم يكن قط في العالم نظيره وكذلك إهلاك قوم عاد( إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد )مع كثرتهم وقوتهم وعظم عماراتهم التي لم يخلق مثلها في البلاد ثم أهلكوا بريح صرصر عاتية مسخرة سبع ليال وثمانية أيام حسوما حتى صاروا كلهم كأنهم أعجاز نخل خاوية ونجا هود ومن اتبعه فهذا لم يوجد نظيره في العالم وكذلك قوم صالح أصحاب مدائن ومساكن في السهل والجبل وبساتين أهلكوا كلهم بصيحة واحدة فهذا لم يوجد نظيره في العالم وكذلك قوم لوط أصحاب مدائن متعددة رفعت الى السماء ثم قلبت بهم وأتبعوا بحجارة من السماء تتبع شاذهم ونجا لوط وأهله إلا امرأته أصابها ما أصابهم فهذا لم يوجد نظيره في العالم وكذلك قوم فرعون وموسى جمعان عظيمان ينفرق لهم البحر كل فرق كالطود العظيم فيسلك هؤلاء ويخرجون سالمين فاذا سلك الآخرون انطبق عليهم الماء فهذا لم يوجد نظيره في العالم فهذه آيات تعرف العقلاء عموما أنها ليست من جنس ما يموت به بنو آدم وقد يحصل لبعض الناس طاعون ولبعضهم جدب ونحو ذلك وهذا مما اعتاده الناس وهو من آيات الله من وجه آخر بل كل حادث من آيات الله تعالى ولكن هذه الآيات ليست من جنس ما اعتيد وكذلك الكعبة فانها بيت من حجارة بواد غير ذي زرع ليس عندها أحد يحفظها من عدو ولا عندها بساتين وأمور يرغب الناس فيها فليس عندها رغبة ولا رهبة ومع هذا فقد حفظها بالهيبة والعظمة فكل من يأتيها يأتيها خاضعا ذليلا متواضعا في غاية التواضع وجعل فيها من الرغبة أن يأتيها الناس من أقطار الارض محبة وشوقا من غير باعث دنيوي وهي على هذه الحال من ألوف من السنين وهذا مما لا يعرف في العالم لبنية غيرها والملوك ينبون القصور العظيمة فتبقى مدة ثم تهدم لا يرغب أحد في بنائها ولا يرهبون من خرابها وكذلك ما بني للعبادات قد تتغير حاله عى طول الزمان وقد يستولي العدو عليه كما استولى على بيت المقدس والكعبة لها خاصة ليست لغيرها وهذا مما حير الفلاسفة ونحوهم فانهم يظنون أن المؤثر في هذا العالم هو حركات الفلك وأن ما بني وبقي فقد بني بطالع سعيد فحاروا في طالع الكعبة اذ لم يجدوا في الاشكال الفلكية ما يوجب مثل هذه السعادة والفرح والعظمة والدوام والقهر والغلبة وكذلك ما فعل الله بأصحاب الفيل لما قصدوا تخريبها قال تعالى (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول) قصدها جيش عظيم ومعهم الفيل فهرب أهلها منهم فبرك الفيل وامتنع من المسير الى جهتها واذا وجهوه الى غير جهتها توجه ثم جاءهم من البحر طير أبابيل أي جماعات في تفرقة فوجا بعد فوج رموا عليهم حصى هلكوا به كلهم فهذا مما لم يوجد نظيره في العالم فآيات الانبياء هي أدلة وبراهين على صدقهم والدليل يجب أن يكون مختصا بالمدلول عليه لا يوجد مع عدمه لا يتحقق الدليل إلا مع تحقق المدلول كما أن الحادث لا بد له من محدث فيمتنع وجود حادث بلا محدث ولا يكون المحدث إلا قادرا فيمتنع وجود الاحداث من غير قادر والفعل لا يكون الا من عالم ونحو ذلك فكذلك ما دل على صدق النبي يمتنع وجوده إلا مع كون النبي صادقا ولم يجعلوا آيات الانبياء تدل دلالة عقلية مستلزمة للمدلول ولا تدل بجنسها ونفسها بل قال بعضهم قد تدل وقد لا تدل وقال آخرون تدل مع الدعوى ولا تدل مع عدم الدعوى وهذا يبطل كونها دليلا وآخرون أرادوا تحقيق ذلك فقالوا تدل دلالة وضعية من جنس دلالة اللفظ على مراد المتكلم تدل إن قصد الدلالة ولا تدل بدون ذلك فهي تدل مع الوضع دون غيره فيقال لهم وما يدل على قصد المتكلم هو أيضا دليل مطرد يمتنع وجوده بدون المدلول ودلالته تعلم بالعقل فجميع الادلة تعلم بالعقل دلالتها على المدلول فان ذلك اللفظ إنما يدل اذا علم أن المتكلم أراد به هذا المعنى وهذا قد يعلم ضرورة وقد يعلم نظرا فقد يعلم قصد المتكلم بالضرورة كما يعلم أحوال الانسان بالضرورة فيفرق بين حمرة الخجل وصفرة الوجل وبين حمرة المحموم وصفرة المريض بالضرورة وقد يعلم نظرا واستدلالا كما يعلم أن عادته إذا قال كذا أن يريد كذا وانه لا ينقض عادته إلا اذا بين ما يدل على انتقاضها فيعلم هذا كما يعلم سائر العاديات مثل طلوع الشمس كل يوم والهلال كل شهر وارتفاع الشمس في الصيف وانخفاضها في الشتاء ومن هذا سنة الله في الفرق بين الانبياء وأتباعهم وبين مكذبهم قال تعالى (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين وقال تعالى فهل ينظرون إلا سنة الاولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا )وقال تعالى (أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )وقال تعالى( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد) فان هذه العجائب والآيات التي للانبياء تارة تعلم بمجرد الاخبار المتواترة وان لم نشاهد شيئا من آثارها وتارة تشاهد بالعيان آثارها الدالة على ما حدث كما قال تعالى (وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم) وقال تعالى (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا )وقال تعالى (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون )وقال تعالى (ان في ذلك لآيات للمتوسمين وانها لبسبيل مقيم ان في ذلك لأية للمؤمنين وان كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وانهما لبامام مبين) أي لبطريق موضح متبين لمن مر به آثارهم وهذا الاخبار كانت منتشرة متواترة في العالم وقد علم الناس أنها آيات للانبياء وعقوبة لمكذبيهم لهذا كانوا يذكرونها عند نظائرها للاعتبار كما قال مؤمن آل فرعون (يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد) وقال شعيب( ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد) والقرآن آيته باقية على طول الزمان من حين جاء به الرسول تتلى آيات التحدي به ويتلى قوله (فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين)( فأتوا بعشر سور مثله) و( بسورة مثله) ويتلى قوله (قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) فنفس إخبار الرسول بهذا في أول الامر وقطعه بذلك مع علمه بكثرة الخلق دليل على أنه كان خارقا يعجز الثقلين عن معارضته وهذا لا يكون لغير الانبياء ثم مع طول الزمان قد سمعه الموافق والمخالف والعرب والعجم وليس في الامم من أظهر كتابا يقرأه الناس وقال انه مثله وهذا يعرفه كل أحد وما من كلام تكلم به الناس وان كان في أعلى طبقات الكلام لفظا ومعنى إلا وقد قال الناس نظيره وما يشبهه ويقاربه سواء كان شعرا أو خطابة أو كلاما في العلوم والحكمة والاستدلال والوعظ والرسائل وغير ذلك وما وجد من ذلك شيء إلا ووجد ما يشبهه ويقاربه والقرآن مما يعلم الناس عربهم وعجمهم أنه لم يوجد له نظير مع حرص العرب وغير العرب على معارضته فلفظه آية ونظمه آية وإخباره بالغيوب آية وأمره ونهيه آية ووعده ووعيده آية وجلالته وعظمته وسلطانه على القلوب آية واذا ترجم بغير العربي كانت معانيه آية كل ذلك لا يوجد له نظير في العالم واذا قيل إن التوراة والإنجيل والزبور لم يوجد لها نظير أيضا لم يضرنا ذلك فإنا قلنا إن آيات الانبياء لا تكون لغيرهم وان كانت لجنس الانبياء كالإخبار بغيب الله فهذه آية يشتركون فيها وكذلك إحياء الموتى قد كان آية لغير واحد من الانبياء غير المسيح كما كان ذلك لموسى وغيره وليس المقصود هنا ذكر تفضيل بعض الانبياء على بعض بل المقصود أن جنس الانبياء متميزون عن غيرهم بالآيات والدلائل الدالة على صدقهم التي يعلم العقلاء أنها لم توجد لغيرهم فيعلمون أنها ليست لغيرهم لاعادة ولا خرق عادة بل اذا عبر عنها بأنها خرق عادة وبأنها من العجائب فالأمر العجيب هو الخارج عن نظائره وخارق العادة ما خرج عن الامر المعتاد فالمراد بذلك أنها خارجة عن الامر المعتاد لغير الانبياء وأنها من العجائب الخارجة عن النظائر فلا يوجد نظيرها لغير الأنبياء واذا وجد نظيرها سواء كان أعظم منها أو دونها لنبي فذلك توكيد لها أنها من خصائص الانبياء فان الانبياء يصدق بعضهم بعضا فآية كل نبي لجميع الانبياء كما أن آيات أتباعهم آيات لهم أيضا وهذا أيضا من آيات الانبياء وهو تصديق بعضهم لبعض فلا يوجد من أصحاب الخوارق العجيبة التي تكون بغير الانبياء كالسحرة والكهنة واهل الطبائع والصناعات الا من يخالف بعضهم بعضا فيما يدعو اليه ويأمر به ويعادي بعضهم بعضا وكذلك أتباعهم اذا كانوا من أهل الاستقامة فما أتى به الاول من الآيات فهو دليل على نبوته ونبوة من يبشر به وما أتى به الثاني فهو دليل على نبوته ونبوة من يصدقه ممن تقدم فما أتى به موسى والمسيح وغيرهما من الآيات فهي آيات لنبوة محمد لإخبارهم بنبوته فكان هذا الخبر مما دلت آياتهم على صدقه وما أتى به محمد من الآيات فهو دليل على إثبات جنس الانبياء مطلقا وعلى نبوة كل من سمي في القرآن خصوصا اذا كان هذا مما أخبر به محمد صلى الله عليه و سلم عن الله ودلت على صدقه فيما يخبر به عن الله وحينئذ فاذا قدر أن التوراة أو الانجيل أو الزبور معجز لما فيه من العلوم والإخبار عن الغيوب والامر والنهي ونحو ذلك لم ينازع في ذلك بل هذا دليل على نبوتهم صلوات الله عليهم وعلى نبوة من أخبروا بنبوته ومن قال إنها ليست بمعجزة فان أراد ليست معجزة من جهة اللفظ والنظم كالقرآن فهذا ممكن وهذا يرجع فيه الى أهل اللغة العبرانية وأما كون التوراة معجزة من حيث المعاني لما فيها من الإخبار عن الغيوب أو الأمر والنهي فهذا لا ريب فيه ومما يدل على أن كتب الانبياء معجزة ان فيها الإخبار بنبوة محمد صلى الله عليه و سلم قبل أن يبعث بمدة طويلة وهذا لا يمكن علمه بدون إعلام الله لهم وهذا بخلاف من أخبر بنبوته من الكهان والهواتف فان هذا إنما كان عند قرب مبعثه لما ظهرت دلائل ذلك واسترقته الجن من الملائكة فتحدثت به وسمعته الجن من أتباع الانبياء فالنبي الثاني اذا كان قد أخبر بما هو موجود في كتاب النبي الاول وقد وصل اليه من جهته لم يكن آية له فان العلماء يشاركونه في هذا وأما اذا أخبر بقدر زائد لم يوجد في خبر الأول او كان ممن لم يصل إليه خبر نبي غيره كان ذلك آية له كما يوجد في نبوة أشعيا وداود وغيرهما من صفات النبي مالا يوجد مثله في توراة موسى فهذه الكتب معجزة لما فيها من أخبار الغيب الذي لا يعلمه إلا نبي وكذلك فيها من الامر والنهي والوعد والوعيد ما لا يأتي به إلا نبي أو تابع نبي وما أتى أتباع الانبياء من جهة كونهم أتباعا لهم مثل أمرهم بما أمروا به ونهيهم عما نهوا عنه ووعدهم بما وعدوا به ووعيدهم بما يوعدون به فانه من خصائص الانبياء والكذاب المدعي للنبوة لا يأمر بجميع ما أمرت به الانبياء وينهى عن كل ما نهوا عنه فان ذلك يفسد مقصوده وهو كاذب فاجر شيطان من أعظم شياطين الانس والذي يعينه على ذلك من أعظم شياطين الجن وهؤلاء لا يتصور أن يأمروا بما أمرت به الانبياء وينهوا عما نهوا عنه لأن ذلك يناقض مقصودهم بل وان أمروا بالبغض في ابتداء الامر من يخدعونه ويربطونه فلا بد أن يناقضوا فيأمروا بما نهت عنه الانبياء ولا يوجبوا ما أمرت به الانبياء كما جرى مثل ذلك لمن ادعى النبوة من الكذابين ولمن أظهر موافقة الانبياء وهو في الباطن من المنافقين كالملاحدة الباطنية الذين يظهرون الاسلام والتشيع ابتداء ثم إنهم يستحلون الشرك والفواحش والظلم ويسقطون الصلاة والصيام وغير ذلك مما جاءت به الشريعة فمن أظهر خلاف ما أبطن وكان مطاعا في الناس فلا بد أن يظهر من باطنه ما يناقض ما أظهره فكيف بمن ادعى النبوة وأظهر انه صادق على الله وهو في الباطن كاذب على الله بل من أظهر خلاف ما أبطن من آحاد الناس يظهر حاله لمن خبره في مدة فان الجسد مطيع للقلب والقلب هو الملك المدبر له كما قال صلى الله عليه و سلم ألا ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح لها سائر الجسد واذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب فاذا كان القلب كاذبا على الله فاجرا كان ذلك أعظم الفساد فلا بد أن يظهر الفساد على الجوارح وذلك الفساد يناقض حال الصادق على الله وقد بسط هذا في غير هذا الموضع وذكر أن آيات الانبياء الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة وان النبي الصادق خير الناس والكاذب على الله شر الناس وبينهما من الفروق مالا يحصيه إلا الله فكيف يشتبه هذا بهذا بل لهذا من دلائل صدقه ولهذا من دلائل كذبه مالا يمكن إحصاؤه وكل من خص دليل الصدق بشيء معين فقد غلط بل آيات الانبياء هي من آيات الله الدالة على أمره ونهيه ووعده ووعيده وآيات الله كثيرة متنوعة كآيات وجوده ووحدانيته وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته سبحانه وتعالى والقرآن مملوء من تفصيل آياته وتصريفها وضرب الامثال في ذلك وهو يسميها آيات وبراهين وقد ذكرنا الفرق بين الآيات والمقاييس الكلية التي لا تدل الا على أمر كلي في غير هذا الموضع 

الوجه الثاني عشر :
أن ما يأتي به الساحر والكاهن وأهل الطبائع والصناعات والحيل وكل من ليس من أتباع الانبياء لا يكون إلا من مقدور الانس والجن فما يقدر عليه الانس من ذلك هو وأنواعه والحيل فيه كثير وما يقدر عليه الجن هو من جنس مقدور الانس وإنما يختلفون في الطريق فان الساحر قد يقدر على أن يقتل انسانا بالسحر أو يمرضه أويفسد عقله أو حسه وحركته وكلامه بحيث لا يجامع أو لا يمشي أو لا يتكلم ونحو ذلك وهذا كله مما يقدر الانس على مثله لكن بطرق أخرى والجن يطيرون في الهواء وعلى الماء ويحملون الأجسام الثقيلة كما قال العفريت لسليمان (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) وهذا الجنس يكون لمن هو دون الانس والجن من الحيوان كالطيور والحيتان والانس يقدر على جنسه ولهذا لم يكن هذا الجنس آية لنبي لوجوده لغير الانبياء فكثير من الناس تحمله الجن بل شياطين الجن وتطير به في الهواء وتذهب به الى مكان بعيد كما كان العفريت يحمل عرش بلقيس من اليمن الى مكان بعيد ونحن نعرف من هؤلاء عددا كثيرا وليسوا صالحين بل فيهم كفار ومنافقون وفساق وجهال لا يعرفون الشريعة والشياطين تحملهم وتطير بهم من مكان الى مكان وتحملهم الى عرفات فيشهدون عرفات من غير إحرام ولا تلبية ولا طواف بالبيت وهذا الفعل حرام والجهال يحسبون أنه من كرامات الصالحين فتفعله الجن بمن يحب ذلك مكرا به وخديعة أو خدمة لمن يستخدمهم من هؤلاء الجهال بالشريعة وان كان له زهد وعبادة وكذلك الجن كثيرا ما يأتون الناس بما يأخذونه من أموال الناس من طعام وشراب ونفقة وماء وغير ذلك وهو من جنس ما يسرقه الانسي ويأتي به الى الانسي لكن الجن تأتي بالطعام والشراب في مكان العدم ولهذا لم يكن مثل هذا آية لنبي وإنما كان النبي صلى الله عليه و سلم يضع يده في الماء فينبع الماء من بين أصابعه وهذا لا يقدر عليه لا إنس ولا جن وكذلك الطعام القليل يصير كثيرا وهذا لا يقدر عليه لا الجن ولا الانس ولم يأت النبي صلى الله عليه و سلم قط بطعام من الغيب ولا شراب وإنما كان هذا قد يحصل لبعض أصحابه كما أتى خبيب بن عدي وهو أسير بمكة بقطف من عنب وهذا الجنس ليس من خصائص الانبياء ومريم عليها السلام لم تكن نبية وكانت تؤتى بطعام فان هذا قد يكون من حلال فيكون كرامة يأتي به إما ملك وإما جني مسلم وقد يكون حراما فليس كل ما كان من آيات الانبياء يكون كرامة للصالحين وهؤلاء يسوون بين هذا وهذا ويقولون الفرق هو دعوى النبوة والتحدي بالمثل وهذا غلط فان آيات الانبياء التي دلت على نبوتهم هي أعلى مما يشتركون فيه هم وأتباعهم مثل الاتيان بالقرآن ومثل الإخبار بأحوال الانبياء المتقدمين وأممهم والإخبار بما يكون يوم القيامة وأشراط الساعة ومثل إخراج الناقة من الأرض ومثل قلب العصا حية وشق البحر ومثل أن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وتسخير الجن لسليمان لم يكن مثله لغيره لكن من الجن المؤمنين من يعاون المؤمنين ومن الجن الفساق والكفار من يعاون الفساق كما يعاون الانس بعضهم بعضا فإما طاعة مثل طاعة سليمان فهذا لم يكن لغير سليمان ومحمد صلى الله عليه و سلم أعطي أفضل مما أعطي سليمان فانه أرسل الى الجن وأمروا أن يؤمنوا به ويطيعوه فهو يدعوهم الى عبادة الله وطاعته لا يأمرهم بخدمته وقضاء حوائجه كما كان سليمان يأمرهم ولا يقهرهم باليد كما كان سليمان يقهرهم بل يفعل فيهم كما يفعل في الانس فيجاهدهم الجن المؤمنون ويقيمون الحدود على منافقيهم فيتصرف فيهم تصرف العبد الرسول لا تصرف النبي الملك كما كان سليمان يتصرف فيهم والصالحون من أمته المتبعون له يتبعونه فيما كان يأمر به الانس والجن وآخرون دون هؤلاء قد يستخدمون بعض الجن في مباحات كما قد يستخدمون بعض الانس وقد يكون ذلك مما ينقص دينهم لا سيما ان كان بسبب غير مباح وآخرون شر من هؤلاء يستخدمون الجن في أمور محرمة من الظلم والفواحش فيقتلون نفوسا بغير حق ويعينونهم على ما يطلبونه من الفاحشة كما يحضرون لهم امرأة أو صبيا أو يجذبونه اليه وآخرون يستخدمونهم في الكفر فهذه الامور ليست من كرامات الصالحين فان كرامات الصالحين هو ما كان سببه الايمان والتقوى لا ما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان وأيضا فالصالحون سابقوهم لا يستخدمونهم إلا في طاعة الله ورسوله ومن هو دون هؤلاء لا يستخدمهم إلا في مباح وأما استخدامهم في المحرمات فهو حرام وان كانوا إنما خدموه لطاعته لله كما لو خدم الانس رجلا صالحا لطاعته لله ثم استخدمهم فيما لا يجوز فهذا بمنزلة من أنعم عليه بطاعته نعمة فصرفها الى معصية الله فهو آثم بذلك وكثير من هؤلاء يسلب تلك النعمة ثم قد يسلب الطاعة فيصير فاسقا ومنهم من يرتد عن دين الاسلام فطاعة الجن للانسان ليست أعظم من طاعة الانس بل الانس أجل وأعظم وأفضل وطاعتهم أنفع واذا كان المطاع من الانس قد يطاع في طاعة الله فيكون محمودا مثابا وقد يطاع في معصية الله فيكون مذموما آثما فكذلك المطاع من الجن الذي يطيعه الناس والمطاع من الانس قد يكون مطاعا لصلاحه ودينه وقد يكون مطاعا لملكه وقوته وقد يكون مطاعا لنفعه لمن يخدمه بالمعاوضة فكذلك المطاع من الجن قد يطاع لقول وملك محمود أو مذموم ثم الملك اذا سار بالعدل حمد وإن سار بالظلم فعاقبته مذمومة وقد يهلكه أعوانه فكذلك المطاع من لجن اذا ظلمهم أو ظلم الانس بهم أو بغيرهم كانت عاقبته مذمومة وقد تقتله الجن أو تسلط عليه من الانس من يقتله وكل هذا واقع نعرف من ذلك من الوقائع ما يطول وصفه كما نعرف من ذلك من وقائع الانس ما يطول وصفه وليس آيات الانبياء في شيء من هذا الجنس ونبينا صلى الله عليه و سلم لما أسري به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى إنما أسري به ليرى من آيات ربه الكبرى وهذا هو الذي كان من خصائصه أن مسراه كان هذا كما قال تعالى (أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) وقال تعالى (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك الا فتنة للناس) قال ابن عباس هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة اسري به فهذا الذي كان من خصائصه ومن أعلام نبوته وأما مجرد قطع تلك المسافة فهذا يكون لمن تحمله الجن وقد قال العفريت لسليمان (أنا آتيك به قبل أن تقوم مقامك) وحمل العرش من القصر من اليمن الى الشام أبلغ من ذلك( وقال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك) فهذا أبلغ من قطع المسافة التي بين المسجدين في ليلة ومحمد صلى الله عليه و سلم أفضل من الذي عنده علم من الكتاب ومن سليمان فكأن الذي خصه الله به أفضل من ذلك وهو أنه أسري به في ليلة ليريه من آياته فالخاصة ان الإسراء كان ليريه من آياته الكبرى (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى اذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى )فهذا ما حصل مثله لا لسليمان ولا لغيره والجن وان قدروا على حمل بعض الناس في الهواء فلا يقدرون على إصعاده الى السماء واراءته آيات ربه الكبرى فكان ما آتاه الله محمدا خارجا عن قدرة الجن والانس وانما كان الذي صحبه في معراجه جبريل الذي اصطفاه الله لرسالته والله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس وكان المقصود من الإسراء أن يريه ما رآه من آياته الكبرى ثم يخبر به الناس فلما أخبر به كذب به من كذب من المشركين وصدق به الصديق وأمثاله من المؤمنين فكان ذلك ابتلاء ومحنة للناس كما قال (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس )أي محنة وابتلاء للناس ليتميز المؤمن عن الكافر وكان فيما أخبرهم به أنه رأى الجنة والنار وهذا مما يخوفهم به قال تعالى (ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا )والرسول لما أخبرهم بما رآه كذبوه في الإسراء وأنكروا أن يكون أسري به الى المسجد الاقصى فلما سألوه عن صفته فوصفه لهم وقد علموا أنه لم يره قبل ذلك وصدقه من رآه منهم كان ذلك دليلا على صدقه في المسرى فلم يمكنهم مع ذلك تكذيبه فيما لم يروه وأخبر الله تعالى بالمسرى الى المسجد الاقصى لأنهم قد علموا صدقه في ذلك بما أخبرهم به من علاماته فلا يمكنهم تكذيبه في ذلك وذكر أنه رأى من آيات ربه الكبرى ولم يعين ما رآه وهو جبريل الذي رآه في صورته التي خلق عليها مرتين لأن رؤية جبريل هي من تمام نبوته ومما يبين ان الذي أتاه بالقرآن ملك لا شيطان كما قال في سورة( إذا الشمس كورت )(إانه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) ثم قال تعالى (وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالافق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين ) انتهى
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate