الأحد، 24 أغسطس 2014

هل ارسال الرسل من مقتضيات صفات الخالق ؟

إلى كل ربوبى أقول أن ارسال الرسل هو من مقتضيات صفات الخالق التى دل عليها العقل  وإليك التفاصيل :
إذا علمت بأن الله خلقك فليس لأحد منة عليك أكبر من منة الذى خلقك ثم أمدك بكل النعم التى تتنعم بها فى جسدك ومن حولك فقد سخر كل شيء لراحتك وكرمك على سائر الخلق ووفر لك كل حاجاتك وخصك برحمته فهو الرحمن الذى لا يحتاج منك مقابل الكريم الحكيم الذى وضع كل شيء فى موضعه فكل تلك الصفات للخالق نستطيع ادراكها بعقولنا من آثارها فى الكون و انطلاقا من الإقرار بوجود الخالق سبحانه وتعالى و ارسال الرسل و إنزال الكتب  هو من مقتضيات صفات الخالق التى علمناها بالعقل من عدة وجوه أذكر منها ما تيسر.....
أولا : مقتضى صفة الرحمة
فهل يليق به سبحانه وتعالى أن يتركك تشقى فى هذه الحياة من غير أن يكلمك ويعلمك أعظم ما تحتاج اليه بل و لايرسل إليك الرسل تجيبك عن أسئلة خلقها فى فطرتك لا يمكنك التخلص منها ما حييت (من خلقنى؟)(لماذا خلقنى؟)(الى أين المصير؟)
فهل هذا يتناسب مع رحمته فأنت ما رحمت نفسك إلا بما خلق لك الخالق من الرحمة  وما رحم أحد غيره إلا بما خلق الخالق من الرحمة له فكيف برحمته هو سبحانه؟
فلماذا علمنا الله تلك الصفة بفطرتنا وبآياته فى الكون وفى أنفسنا ونحن سنبقى محرومين منها على الدوام ؟ ولن نعرف لها أثرا فى حياتنا مادمنا لا نعرف لحياتنا معنى ولا هدف ولا سبيل نسير به!!
ثانيا : الهداية من مقتضيات الخلق
قال تعالى
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ)
( الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)
(ربنا الذى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
فهذه دلالة شرعية أذكرها للاستئناس وليس للمحاججة فى هذا الموضع لأن المخاطب مازال لا يؤمن بصحة الإسلام أما الدلالة العقلية والفطرية فبداخلنا جميعا  علم فطرى بأن الذى خلقنا هو الذى سيهدينا وأن الذى هدى كل تلك المخلوقات لما فيه منافعها لن يترك الإنسان المكرم عليهم جميعا بلا هداية تعصف به الأهواء
ثم الهدايات التى هدى الله بها الإنسان أكثر من أن تحصى لكن سأضرب مثلا بسيطا بالطعام الطيب أذا شممته وتذوقته أعجبك وأكثرت من أكله و إذا فسد الطعام ونمت فيه البكتيريا والفطريات أخرج رائحة منتنة ولو تذوقته لوجدت طعمه خبيث جدا وتخرجه من فمك سريعا وكان من الممكن أن يكسبه نمو البكتيريا والفطريات الضارة طعما لذيذا وهذا يقع فعلا من بعض الفطريات النافعة كالخميرة فهذه هداية لك من الله ورحمة فكل هداية وعناية يقف عليها الإنسان ينبغى أن تذكره بأن الخالق لا يمكن أن يتركه ل ايعلم هدفا لحياته وهذا يسمى قياس الأولي  فمن اعتنى بك فى أبسط الأمور من باب أولى أنه لن يتركك فى أعظمها  ولو سألت أى انسان ما هى أعظم أمانيك لقال لك ان أطمئن وأعلم أين الحق وأعرف ما هو مستقبلى ومصيرى وكيف أنجو من كل المهالك فى الحاضر و المستقبل ....فالقول أن الله لم يرسل رسلا ولم ينزل كتبا يلزم منه واحدة من اثنتين كلاهما باطل إما أن الخالق علم أن هذه الحاجة فى البشر للهداية الشرعية أعظم من كل هداية أعطاها لهم كموضوع الطعام هذا مثلا ولم يقدر على هدايتهم وهذا باطل لأن الخالق يجب أن يكون على كل شيء قدير 
و إما أنه لم يعلم بوجود هذه الحاجة الملحة وهذا أيضا باطل لأن الخالق يجب أن يكون بكل شيء عليم  وهذا والله أعلم هوالدليل الذى استدل به الله على مشركي قريش الذين أقروا بالخالق و أنكروا الرسالة فاستدل عليهم الله بهداية يعرفونها قال تعالى(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ 9 الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فهم يهتدوا فى أسفارهم بالجبال الأعلام ويستخدمون السبل والفجاج التى بينها والنجوم تعرفهم الاتجاهات فلولا تلك الهدايات لما استطاعوا السفر فى الصحارى الواسعة ولهلكوا فيها ولتوقفت تجاراتهم وحياتهم فكيف يهديكم فى هذا ولا يهديكم الهداية الشرعية؟
وجعل الله الظن بأنه يمكن أن لا يرسل رسلا ولا ينزل كتبا ظن سوء لا يليق به ولا يصدر إلا ممن لم يعرف قدره عز وجل قال تعالى(وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ)
وردا على الشبهة التى سيوردونها أنه اذا كان الأمر بهذه البساطة فلماذا لا تستطيع أن تتوقع كل أفعال الله وتتوقع ماذا سيحدث فى دنيانا قبل أن يحدث ؟ وهذا قياس فاسد لأن الاستدلال الذى استدللت به هو استدلال بالخاص(الهدايات التى يعرفها الإنسان من حياته ) على وجود جنسه العام (الهداية العظمى التى لو عدمت لعدمت أى قيمة لأى هداية أخرى ) وأما هذه التفاصيل فهى خاص ولا يمكن الاستدلال بالخاص على خاص مثله ولا الاستدلال بالعام على الخاص ولهذا قال الله (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) فيمكن الاستدلال على أن الله سيمحوا الباطل قطعا ولا يمكن الاستدلال على الكيفية والتفاصيل لذلك علقها بالشرط أى قد يختم على قلبك وقد يفعل شيء آخر حسب حكمته سبحانه وتعالى كما ذكر عقوبة آخرى فى آية آخرى (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ 43 وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ 44 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ 46 فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) فسبحان من أنزل القرآن تبيان لكل شيء
وأضرب مثال على هذا الأمر الأخير ليتضح ...فلو أننى فتحت كتاب بدون أن أنظر الى عنوانه على واجهة الكتاب  فوقعت أمامى صفحة منه ولتكن صفحة 35 فقرأتها فوجدتها تتحدث عن مواضيع ومعادلات كيميائية فيمكننى أن أستنتج أن الكتاب كتاب كيمياء لكن هل يمكن أن أستدل من صفحة 35 على صفحة 210 وأعرف ما كتب بها ؟ الجواب لا طبعا ....حسنا لو أنى لم أفتح الكتاب ونظرت الى عنوانه فقط فوجدته كتاب كيمياء هل يمكن أن أعلم ماذا كتب فى صفحة 35 قبل فتح الكتاب الجواب لا طبعا ؟ فهذا هو الاستدلال الصحيح و ذاك هو القياس الفاسد
ثالثا :الألوهية
بعلمنا أن الله هو الخالق العظيم فلا يمكن أن يتعلق القلب بغيره فيحب شيء أعظم من حبه لله أو يذل ويحتاج لشيء أعظم من الحاجة والذل لله لأن الإنسان يحب الكمال ويحب من ينعم عليه وهذا ليس لأحد غير الخالق  وحده والإنسان يذل لمن يعلم أنه مالك لأمره كله وقادر عليه وهذا أيضا ليس لأحد غير الخالق عز وجل  وهذه هى العبودية فى الحقيقة ولا شيء غير ذلك  ولهذا كان الناس دائما عبيدا مهما زعموا أنهم ليسوا كذلك فهم فى النهاية عبيدا لمن يعظمونه ويطلبون رضوانه لكنهم قد يهتدوا للإله الحق الذى يستحق أن نتوجه إليه بهذه العبودية وهو الخالق وحده أو قد لا يهتدوا فيتخذون آلهة من دون الله يخلعون عليها صفات الخالق ظلما واتباعا للهوى أو جهلا وهذا يمكن تلخيصه فى قول ابن القيم رحمه الله (هربوا من الرق الذي خلقوا له ** فبلوا برق النفس والشيطان) فالتامل لصفات الخالق ولطبيعة وفطرة الإنسان يقودنا تلقائيا إلى لا إله إلا الله  فإذا كان الخالق وحده هو المتصف بالكمال المطلق و بالمنة التامة عليك  فقد فطرنا على محبته و الذل له وهذا يلزم منه طلب رضوانه  والخوف من عقابه  فكيف نعلم ما يرضى الله وما يسخطه فى كل حركة و سكنة من تفاصيل حياتنا من غير ارسال الرسل وانزال الكتب ؟  هذا محال 
رابعا: مقتضى صفة الحكمة
إذا كان الله لم يرسل الرسل و لم ينزل الكتب فلا يمكن أن يحاسبنا لأننا لم نعلم ما يرضيه وما يسخطه فعن أى شيء يحاسبنا فتكون هذه الحياه هى النهاية ولزام ذلك أن يستوى الظالم و المظلوم و القاتل و المقتول و المصلح و المفسد و أن يؤول كل شئ و كل معنى فى هذا الكون إلى العبث و ينسب هذا العبث الى الخالق وهذا نقص الله منزه عنه  تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا  و قد فطرنا الله على أن الحكمة ليست كالعبث والافساد ليس كالاصلاح  قال تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ 27 أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ )
(إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ 190 الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 191 رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ 192 رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ 193 )
----------------------------
قال تعالى :
(يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية)
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى:
ومن ظن أن يترك خلقه سدى معطلين عن الأمر والنهي ، لا يرسل إليهم رسله ولا ينزل عليهم كتبه بل يتركهم هملاً كالأنعام فقد ظن به ظن السوء ، ومن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازى المحسن فيها بإحسانه والمسيء بإساءته ، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله ، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين فقد ظن به ظن السوء . انتهى
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate