الأحد، 1 سبتمبر 2019

هل السببية بديهة أم تعميم لاستقراء ناقص أم فكرة مستنبطة من غيرها؟

و هل نستدل ببديهة السببية علي أن كل ممكن الوجود أو حادث أو مفتقر أو ناقص (ليس مطلق الكمال) لابد له من محدث مما يدل علي أزلي قائم بنفسه وجوده ضروري، أم نستدل من وجود ممكن الوجود علي وجود السببية و نستنبط الافتقار السببي كلازم من لوازم وجود ممكن الوجود ؟

مؤخرا جرت مناظرة بين الأخ الفاضل محمد أكرم أبو غوش و اللاديني أحمد سامي و لم أشاهد المناظرة كاملة للأسف لكنني شاهدت بعض أجزائها و عندي بعض التعقيبات علي الحجج الأساسية التي طرحت في المناظرة.

الأخ  أبو غوش اعتبر أن الافتقار السببي مستنبط لرفع تناقض أن يرجح وجود ممكن الوجود بدون سبب خارجي حيث أن ممكن الوجود بمقتضى ذاته لا ينبغي أن يرجح وجوده علي عدمه.
و في بيان ذلك  قدم الأخ استدلالا و مثالا

و يمكن أن نشرح استدلاله كالآتي
1-المستحيل هو ما يجب عدمه بذاته
2-واجب الوجود هو ما يجب وجوده بذاته
3- ممكن الوجود هو ما يمكن وجوده و عدمه فلا يقع تناقض إذا افترضنا عدمه أو افترضنا وجوده
4- العدم و الوجود سواء فى حق ممكن الوجود
5-اذا وجدنا ممكن الوجود في الواقع فقد ترجح وجوده علي عدم وجوده
6-لابد أن يكون المرجح سببا خارجيا لأننا لو افترضنا أن وجود الممكن ترجح بذاته لكان في ذلك تناقض إذ يكون الوجود في حقه مرجحا و غير مرجحا في آن واحد
7-نكون بذلك قد استنبطنا مبدأ السببية من خلال رفع التناقض الذي يقع إذا اثبتنا لممكن الوجود رجحان و عدم رجحان الوجود بموجب ذاته.
8-ثم لو اخذنا علي سبيل المثال  وجود قلم ما فهو ممكن الوجود لأنه لا يترتب علي افتراض عدمه تناقض و إذا كان القلم  ممكن الوجود فلوجوده سبب و سلسلة الأسباب لا تمتد إلى ما لا نهاية فوجب وجود القيوم واجب الوجود.
  هذا النهج فيه مشكلة في الاستدلال للوصول الي استنباط السببية و فيه مشكلة في المثال و التطبيق في الواقع
فأما الاستدلال فالمسلمة السادسة يفترض أن المسلمات التي سبقتها لم تسلم بعد بثبوت السببية و انما تنطلق فقد من التعريف نفسه لممكن الوجود و الذي هو وجود غير ضروري فلا يجب عدمه و لا وجوده بذاته. لكن في غياب التسليم بالسببية ما الذي يمنعنا أن نقول ممكن الوجود هو الذي يتقلب بين الوجود و العدم بذاته؟
فهو يوجد و يعدم بشكل عشوائي بدون سبب و بدون تناقض لأن التناقض يقع فقط إذا افترضت انه واجب الوجود بذاته أو مستحيل الوجود بذاته.
لكن عندما  يوجد (و حاله انه يتقلب بين الوجود و العدم)   فلن يكون واجب الوجود و عندما يعدم فلن يكون مستحيل الوجود.
  أليس هذا ألصق بالتعريف و مقتضاه من قفزة افتراض أن ترجح وجوده يجب معها افتراض انه كان بسبب خارجي لرفع  تناقض ترجحه و عدم ترجحه بذاته؟
أين هذا التناقض المفترض فهو عندما يوجد لن يوجد وجودا ضروريا و إنما سيعقب ذلك عدم و بالتالي فوجوده المؤقت بذاته لم ينافي انه ممكن الوجود.
بل إن هناك في فيزياء الكم ما يقع فيه مثل هذا و لا نعده تناقض مثل اجتماع خصائص الموجة و الجسيم للإلكترونات فهو احيانا موجة و أحيانا جسيم و التقلب بينهما من خصائص الجسيمات دون الذرية
و هناك أيضا الجسيمات الافتراضية عند من يعتبر تقلبها بين الوجود و العدم حقيقيا و إن كان الصحيح غير ذلك لكن يبقي أم الملحد يمكن أن يشغب بذلك.
إذن فهذا البرهان يصح بصحة بديهة السببية و ليس العكس. 
و بالتالي فإن الاستدلال الصحيح يفترض أن يكون هكذا :

1-الترجيح بدون مرجح مستحيل
2-ممكن الوجود بذاته "يقبل" الوجود و العدم.
3-اذن وجود ممكن الوجود يلزم منه وجود مرجح خارجي

و لا يمكن أن يكون هكذا :

1-الترجيح بلا مرجح ممكن
2-ممكن الوجود يقبل بذاته الوجود و العدم
3-ترجيح وجوده علي عدم وجوده بلا مرجح خارجي تناقض لأن وجوده بذاته سيكون متعادل مع عدم وجوده و غير متعادل في نفس الوقت
4-اذن الترجيح بلا مرجح مستحيل

لأن المقدمة (3) لن تصح إلا إذا صحت (4) أولا و بطلت المقدمة (1)

و لأنك لو بدأت بتجويز الترجيح بدون مرجح حيث أنك لم تعلم بعد استحالته فهذا يجعل ترجيح وجود الممكن على عدم وجوده لم يكن بالذات ليقع التناقض فهو ترجيح بدون مرجح خارجي أو ذاتي.. هو بدون أي مرجح. 


فإذا كان الوجود و العدم بالذات متساويان في حق الممكن  بحكم التعريف فترجيح وجوده في الواقع لن يغير هذه النتيجة و يجعلهما متساويين و غير متساويين لأنه لم يكن ترجيحا بالذات أصلا و لا بالغير و إنما هو "بدون مرجح"

ثم لو سلم لك الملحد بطريقتك و وصل معك للمثال في المسلمة الثامنة فكيف تثبت له أنه يوجد في الكون ما يمكن أن نسميه بممكن الوجود الذي لا يوجد تناقض في افتراض عدمه إذا كان اصل الإشكال مع الملحد انه يفترض أزلية المادة و الطاقة؟
و إذا كان الشيء أزليا فقطعا هناك  تناقض في افتراض عدمه.
فالمثال الذي استخدمه الأخ أبو غوش هو القلم و القلم  ما هو إلا ذرات مادة و المادة نتجت من الطاقة و الطاقة علي افتراض الملحد أزلية و كل ما فى الكون تقلبات و صور لها و لخصائصها من غير إبتداء فكيف لا يكون في ذلك تناقضا بافتراض عدم وجوده و نقطة الخلاف مع الخصم أصلا أنه يفترض أزلية المادة و الطاقة؟
لكن الصواب أن السببية ليست نتيجة مستنبطة من مقدمات أولية متعلقة بممكن الوجود و ليست تعميما لاستقراء ناقص لبعض الأشياء و إنما هي بديهة عقلية يستحيل افتراض تخلفها أو سقوطها أثناء التحدث عن أي شيء مفتقر في وجوده  أو ناقص (غير متصف بالكمال المطلق)  أو له حدود يعجز عن تجاوزها (كما هو حالنا و حال كل شيء من حولنا في الكون) لأن افتراض سقوطها يلزم منه استحالة وجود أي نظام ممكن فى الكون و أي سمات مميزة للأشياء من حولنا و أي معلومة ممكن علمها أو جهلها عن أنفسنا و عن العالم أو عن الممكنات كما بينت هنا
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=767130076806432&id=100005283395289

و الوجود المشروط  بأسباب مسبقة  و الذي يتغير حاله مع تغير الشروط وجودا و عدما يلزم في حقه أنه حادث  بالضرورة لأن الأزلي ليس قبله شيء و هذا ينطبق علي كل صور المادة و الطاقة و كل ما هو محكوم بقوانين الفيزياء فهي سلسلة حوادث سببية مهما طالت أو قصرت .
و سلسلة الحوادث السببية لا تقوم بنفسها و لا تمتد إلى ما لا نهاية مما يجعلنا نستدل بالسببية علي  الخالق القيوم كما بينت أيضا في الموضوع الذي وضعت رابطه أعلي 

  و طبعا  أحمد سامي لم يكن أبدا ندا للأخ أبو غوش و لا يصح أن نسمي ما جري بينهما مناظرة و إنما كانت حصة تعليمية  أو شرح مقدمة عن المنطق و علم الكلام لأحمد سامي و متابعيه.
و كلام أحمد  عن استقرائية السببية و عدم امكان تعميمها هو كلام من لم يفهم شيء عن معني السببية فالسببية و سائر البديهيات لا يمكن أن يكون مصدرها هو الحس لأن العملية الاستقرائية نفسها قائمة علي بديهية السببية و غيرها من البديهيات فيستحيل القيام بأي استقراء  أو استنباط في ظل غياب البديهيات.
  كذلك أيضا نحن  نعلم الفرق بين المستحيل العقلي و المستحيل الفيزيائي رغم استوائهما في باب الحس و المشاهدة مما يظهر أن مصدر هذا التفريق مستقل عن الحس و التجربة .
فالحاصل أن السببية بديهة و أنه يستحيل افتراض سقوطها في أي زمان و مكان و لا معني لحصرها في الاستقراء أو افتراض إمكانية عدم ثبوتها و من ثم السعي في استنباطها من خلال مقدمات أولية نفترض أنها أكثر ثبوتا.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate