الاثنين، 25 أغسطس 2014

هل الفكر الإلحادى واللاديني صالح للإستخدام البشرى ؟




لقد عاش الجنس البشري آلاف السنين تحت تأثير الدين واستطاع الدين أن يوفر جميع أوجه الحياة الأخلاقية والقانونية والعقائدية وحتى اللغة ومن ثَم من حقنا أن نتساءل عما إذا كان من الممكن انتاج جيل ملحد إلحادا كاملا ؟ لكي تنجح هذه المحاولة لابد من التنشئة في عزلة تامة عن كل دين وعن كل فن وعن كل دراما للوجود الإنساني وإلغاء كل ما يمكن أن يستحضر النشء أمامه من رؤيا لعالم آخر وبالتالي إلغاء جميع الأعمال الفنية التي تصور صراع الإنسان في العالم وتطلعه لعالم أفضل لأن كل هذه الأمور ستؤدي إلى شعور الإنسان بالإغتراب في هذا العالم وهو شعور ميتافيزيقي روحاني بحت ..
وهذا أمر صعب في الوقت الراهن لأن الملحدين يعيشون في ظلال الدين ويمكننا أن نزعم أن كل أخلاق الملحد هي مجرد تأثر بالدين ومبادئه الخلقية الأساسية بطريقة صامتة غير محسوسة ولكنها ثابتة .. فقد تربى الملحد في ظلال الدين عشرات السنين وهو في نقده للدين يتأثر بأخلاق من ينتقدهم - إن جوهر الإنسان في أخلاقياته وليس في طبيعته المادية هذه حقيقة ثابتة - إن أخلاق الملحد هي عطية الدين هكذا علينا أن نزعم إلى أن ينشأ مجتمع إلحادي كامل ..
الآن هل يمكن التأسيس للإيمان بالإنسانية المجردة ؟؟
يقول ماركس : إن الأمل في الإنسانية المجردة وهم لا يقل عن الوهم الديني الخالص .. وأثبت لينين أن الأخلاق خدعة ميتافيزيقية - خدعة البرجوازية - وفي البيان الشيوعي توجد هذه العبارة : العمال يرفضون الأخلاق هذه حقيقة لا يمكن إنكارها ..
لكن لماذا لا نكون أكثر تفاؤلا وأكثر تنزلا ونفترض أنه تم التأسيس للمجتمع الإلحادي الكامل لكن في هذه اللحظة على دعاة الإلحاد أن يطلبوا من الناس مزيدا من المثالية والتضحية ربما أكثر مما طلب أي نبي من قومه بإسم الدين فليس ثَم إغراءات ماورائية ..وكما يقول جون لوك :- إذا كان كُل أمل الإنسان قاصرا على هذا العالم وإذا كنا نستمتع بالحيـاة هنا في هذه الدنيـا فحسب فليس غريبا ولا مجافيـا للمنطق أن نبحث عن السعادة ولو على حساب الآباء والأبنـاء
إنها معضلة وأي معضلة
لكن نتنزل مرة أخرى ونتصور أنه تم التاسيس للمجتمع الإلحادي الكامل ونتصور أن هؤلاء الملحدين قرروا التضحية وتبني نموذج أخلاقي إمعانا في تحدي مجتمع المؤمنين وقرروا أن يتركوا الشر والظلم .. هنا ستظهر المعضلة التي بلا حل فداخل العالم الإلحادي لا يوجد معنى مادي للشر أو الظلم فالشر أو الظلم هو وضع الشيء في غير محله ومحل الأحداث في عالم الإلحاد هو نفس المحل الذي تحدده القوانين الفيزيائية وبما أنه لا توجد ذرة تخالف تلك القوانين.. إذاً كل حدث في الكون المادي قد وُضع في محله المادي ولذلك المفترض ألا يوجد في المجتمع الإلحادي ولا في الكون المادي ظلم أو شر .
دماغُ الإنسانِ بما فيه من نشاطٍ عصبيٍّ لا يخطئُ ماديا بل يتبعُ كلَّ القوانينِ الفيزيائيةِ الصحيحةِ ولا يتمردْ على سُننِها وإذا قلنا بوجود الشر أو الظلم فهذا دليلٌ قاطعٌ على أن المسئولَ عن الخطإِ وأيضاً المرجع الذي به حكمنا على خطئه ليس تفاعلاتٍ ولا قوانينَ مادية وهنا سنعود إلى ميتافيزيقيا الأخلاق فإن ادعى الملحدُ أن ما يحتكمُ إليه الإنسانُ من قيمٍ وأخلاق "ما هي إلا قوانينٌ وضعيةٌ نتجت عن حالاتٍ نفسيةٍ وعاداتٍ وتقاليد". نجيبُه: لكنك لا تؤمنُ أنها حالةً نفسيةً للروح بل هي حالةٌ ماديةٌ لا يمكنُها أن تُخَطِّئ حالةً ماديةً أخرى,فحتى تناطحُ الذراتِ هو تصرفٌ لا خطأ فيه ما دام موافقًا للقوانين الفيزيائيةِ الصحيحة.
(السلوك المادي السليم للذرة في الدماغ) + (السلوك المادي السليم للذرة في الدماغ) + ..... = سلوك مادي سليم في الدماغ.
فمن أين أتت إذاً تلك المعاني الخاطئة التي يُمثلها ذلك السلوك المادي السليم؟ . ..)
الآن هل توجد دالة تربط بين (سلوكيات المادة في الدماغ) وبين (القيم الأخلاقية) إذا قلنا بوجود الدالة فقد عدنا للميتافيزيقيا من أوسع أبوابها وإن لم يكن ثَم دالة فلن تقنع أحدا بوجود الشر أو الظلم وسينهار المجتمع الإلحادي قبل أن يبدأ .
إنها قضية خاسرة .. قضية منتهية .. الإلحاد معضلة كبرى وإشكالاته تضع صاحبها في مأزق مخيف .. إنه أمر لا فكاك منه .. الإلحاد قضية خاسرة إما إنسان متدين أو لاإنسان ملحد .. انتهى
ملحوظة : هذه الفقرة السابقة الجزء الأول للأستاذ علي عزت بيجوفيتش من كتاب الإسلام بين الشرق والغرب والجزء الثاني للحبيب الغالي أستاذي عبد الواحد
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate