الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

بين ابن تيمية وألفن بلانتنغا

لا أتفق مع دعوى توافق المنهج المعرفي لابن تيمية مع المنهج المعرفي الإصلاحي لكالفين قديما أو بلانتينغا حاليا.

فابن تيمية يقبل الدليل الصحيح أيا كان مصدره (فطري، عقلي، شرعي، تجريبي) بدون تلك التحزبات التي تنحاز لمصدر الدليل على حساب صحته. وهو إن كان ينتقد الأدلة الكلامية فذلك لمشاكل حقيقية فيها وليس لرفضه الاستدلال نفسه كطريق لمعرفة الله عز وجل.
وإلا فقد أخطأ من رد الدليل الفطري على وجود الله مثلما أخطأ من حصر معرفة الله في هذا الطريق وحده، فكل شيء في الوجود آية ودليل وبرهان عليه سبحانه وتعالى والقرآن مليء بأوامر التفكر في خلق الله وطلب اليقين بذلك وهذا كله يلزم منه الاستدلال بالمخلوق على الخالق فإذا نظرت في نفسي وفي الكون علمت أن له خالق وعلمه أنه لم يخلقه عبثا وعلمت أن هذا الخالق ليس الشمس أو القمر أو النجوم وهذا كله استدلال وطلب لتفسير الوجود بمن يملك القدرة على ايجاده وهذه هي الكفاية التفسيرية التي يردها بلانتينغا ويجعل السعي في نفيها عن الطبيعة أو نسبتها إلى الله , بمثابة الإقرار بقواعد الإلحاد حيث يقول :
(لعل الأساس الأهم للإيمان بالله ليس الحجج الفلسفية وإنما التجربة الدينية. فكثير من الناس، من ثقافات متنوعة متعددة، وجدوا من أنفسهم بذربةً تربطهم بكائن مستحق للعبادة. إنهم يعتقدون وجود إله بهذه الصفة، ولكن ليس بسبب البراعة التفسيرية لذلك الاعتقاد. ربما هناك شيء بالفعل يماثل مفهوم الفطرة الذي نادى بو كالفن. فعلا، إن كان الموقف الألوهي حقا، فمن المرجح جدًا وجود شيء يشبه مفهوم الفطرة المذكورة فالزعم بأن الأساس المعقول الوحيد للإيمان بالله هو الكفاءة التفسيرية لذلك المعتقد يكافئ بشكل جوهري إقرار فرضية الإلحاد.)
بلانتينغا لا يرد بالكلية الاستدلال العقلي على وجود الله لكنه لا يري أن شيء منه قطعي يوصل إلى اليقين (كأنه اصدار مخفف من فلسفة كانط) ثم يجعل الدليل الفطري من جنس مفارق للأدلة العقلية والتجريبية وكأنه بذلك يحصنه من كل سبل النقد وليس الأمر كذلك إذ سرعان ما يجد نفسه أمام علم النفس التطوري الذي يفسر نشأة الدين من خلال مرتكزات مادية طبيعانية فيعود الدليل الفطري إلى ساحة الجدل ويتعين على بلانتينغا  الاستدلال على بطلان هذا الطرح الدارويني الذي يجعل الفطرة مجرد خدعة جينية.
فلا فائدة من تلك الحيل ويبقي الحق في اتباع الدليل أينما كان.
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate