الأحد، 10 مارس 2024

الدليل التجريبي المفند لنظرية التطور موجود بداخلك

الدليل التجريبي المفند لنظرية التطور موجود بداخلك




كيف ذلك؟


أي جرح صغير في اصبعك هو بالنسبة لجسمك بمثابة غزو فضائي لأنه في لحظة واحدة يدخل ملايين الغزاة الغرباء لجسمك من فيروسات وبكتيريا وفطريات وطفيليات وتبدأ مهمة الجهاز المناعي في مطاردتهم والقضاء عليهم. 


لكن لكي يكون الجهاز المناعي مستعدا لهذه المواجهات فعليه أن يمتلك ترسانة أسلحة متجددة تضم عشرة تريليون شكل مختلف من الأجسام المضادة والمستقبلات، وحتى يتمكن من تخزين هذا الكم المعلوماتي في قاعدة بيانات يمكن استنساخها مثل باقي معلوماتنا الوراثية، فهذا أمر يتطلب ملايين الجينات في حين أن الجينوم البشري كله لا يتعدى الخمسة وعشرين ألف جين فقط. 


لكن الله وهبنا جهاز مناعي تكيفي مذهل تجاوز هذه المشكلة بطريقة بديعة وهي السماح لبعض الخلايا البائية والتائية بإعادة تشكيل الجينات الخاصة بإنتاج المستقبلات والأجسام المضادة. وهذا فضاء مرعب من الحرية شبيه بالطفرات مما ينتج عنه بالضرورة وجود النافع والضار. وهنا يأتي دور الغدة الزعترية (للخلايا التائية) ونخاع العظام (للخلايا البائية) كهيئة رقابية تمر عليها كل الخلايا التائية والبائية لتصل إلى النضج وهناك يتم اختبارها فإذا كانت أشكال المستقبلات والأجسام المضادة نافعة في علاج الأمراض يتم تنشيطها وإذا كانت مضرة أو تهاجم خلايا أجسامنا يتم إعدامها ولا يخرج من الغدة الزعترية ونخاع العظام سوى 2٪ فقط ويتم إعدام الباقي الذي نتج عن هذا الفضاء الحر فيما يعرف بعملية الانتخاب السلبي. 


ولو كان هناك خلل في هذه الهيئة الرقابية فإن الجسم يكون معرض لأمراض الجهاز المناعي الفتاكة التي تؤدى إلى الوفاة، وهذا ثابت في البشر وغيرهم مثل هذه التجارب التي أجريت على الفئران (1). وذلك لأن هذا الفضاء الحر ينتج عنه بالضرورة ما يهاجم الجسم ويفتك به حتى ينهار النظام البيولوجي المتمثل في جسم الكائن الحي. 


لاحظ أن الفرق بين الانتخاب السلبي والانتخاب الطبيعي (الآلية الداروينية) أن الأول ينتقى ما يصلح للنظام بغائية مسبقة أما الثاني فينتقى ما يصلح للفرد نفسه بدون غائية وبصرف النظر في عواقب الأمر على النظام العام. 


فالمناعة التكيفية تضرب مثال تجريبي لما قد ينتج عن فضاء الحرية وما يترتب عن ذلك إذا تم تولى الأمر بطريقة غائية وفقا لهيئة رقابية أو بطريقة غير غائية وفقا للطفرات والانتخاب الطبيعي. ولذلك فهي محاكاة كاملة لدور آليات التطور والتصميم الذكي في النظام البيولوجي والنتيجة اللازمة لكل منهما. 


ولو استحضرنا معضلة التعاون وفضاء الطفرات الحر المولد لاحتمالات للانهائية لأنانيين مدمرين للنظام البيولوجي لوجدنا أنفسنا أمام حلين لا ثالث لهما. 


إما انهيار النظام البيولوجي نتيجة دعم الانتخاب الطبيعي للأنانية واستحالة وجود واستمرار الحياة تماما مثلما يقضى الجهاز المناعي على الجسم في غياب الهيئة الرقابية


وإما وجود هيئة رقابية كونية يمر عليها كل تغير يحدث في أي خلية لكائن حي يعيش على سطح الأرض لكي تصطفى بغائية وتقدر ما يصلح للنظام ويضمن استمراره وتمنع ما يدمره. 


ولأن الحياة مازالت مستمرة فلابد أن الأمر لم يترك يوما للطفرات العشوائية والانتخاب الطبيعي وإنما هو خلق وتدبيره العليم الخبير الرقيب سبحانه.


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate