الخميس، 12 مارس 2015

لماذا لا يمكن أن توجد نظرية كل شيء فى أى شيء ؟

لماذا لا يمكن أن توجد نظرية كل شيء فى أى شيء ؟

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

منذ عهد أرشميدس و القانون الطبيعى هو مسلمات أو مبادئ تصف الطبيعة وتمكنك من استنتاج التنبؤات التى ستختبرها وهذا هو هيكل النظرية العلمية عموما وليس فى الفيزياء فحسب وكلما تمكنا من توحيد النظريات كلما كانت المسلمات أقل وأكثر قدرة على وصف مجالات أوسع حتى نصل إلى نظرية واحدة تصف كل شيء بمسلماتها المادية الطبيعية وهنا نؤكد على أنها نظرية تصف كل شيء وليست نظرية تصف القوانين الأساسية فى الفيزياء فقط وتوحد بينها فالفارق كبير جدا بين التصورين لأن الثانى لا اشكال فيه ولا يدعم الفكر المادى الالحادى فى شيء أما الأول فهو يعنى اكتفاء الكون بنفسه وبالتالى يكون هذ الكون فى غنى عن الخالق و تكون أسباب وجوده مادية معلومة بعلمنا للقوانين الفيزيائية الأساسية التى وفرتها لنا هذه النظرية النهائية المزعومة  والسؤال هنا ليس كيف سنصل إلى هذه النظرية ولا متى وإنما هو هل وجود هذه النظرية ممكنا أم أن هناك دليل قاطع يجعل وجودها مستحيلا ؟
لو كان الجواب لا ليس هناك دليلا يبين استحالة ذلك ... إذن فمن الممكن أن يكون الكون قائم بنفسه و يمكن أن يكون نتيجة قوانين مادية فيزيائية أوجدته وتنتصر هنا الفلسفة الوضعية positivism  التى جوهرها هو تنحية كل ما هو فوق الطبيعة و اعتقاد أن الطبيعة هى كل شيء ولا شيء آخر بعدها
 لكن بفضل الله فالجواب على هذا السؤال هو نعم يوجد دليل قاطع على أن هذا مستحيل و هو مبرهنتى غودل و Turing’s halting problem وغيرهم من البراهين  التى تقوض هذا الحلم المادى القبيح لأن نظرية كل شيء تقع فى مفارقة المرجعية الذاتية self-reference لا محالة وما قام به غودل هو أن قدم تمثيل رياضياتى للمفارقة اليونانية القديمة التى تسمى كذاب كريت the Cretan liar paradox بأن يقول رجل من كريت أن الكريتيين دائما يكذبون أو شبيهتها بأن يقول الرجل (ما أقوله الآن كذب) فإن كان ما يقوله الحقيقة فهو يكذب وإن كان يكذب فهو يقول الحقيقة وهذا المعنى هو ما يسمى عندنا بطلان الدور الذى يبين أن أى سلسلة يربط أفرادها علاقة السبب بالنتيجة لا يمكن أن تكون قائمة بنفسها أو بمصطلح غودل فإنه لابد أن يبقى بها ولو جملة واحدة لا يمكن اثبات صحتها أو خطئها من داخل النظام وإنما تحتاج إلى برهان من خارج النظام أو من خارج تلك السلسلة  وهذا ينطبق على أى نظام منطقى رياضياتى  أو أى نظام يحكمه النظام المنطقى الرياضى فإن كنت حصلت على المسلمات    axioms  أو الآليات أو المبادئ التى تصف النظام عن طريق المشاهدات ( كما هو الحال فى نظريات الفيزياء أو البيولوجى أو ..) أو كنت استنتجت المسلمات من مقدمات منطقية ( كما هو الحال فى نظريات الرياضيات) فالنتيجة واحدة وهى أنك تملك نظام يصفه ويحكمه مجموعة معينة من المسلمات finite set of axioms فيجرى على الجميع ما يجرى على الحاكم و الحاكم  هنا هو الرياضيات وأيا كانت صفة تلك النظرية المزعومة فهى ستكون مجموعة مسلمات تصف نظام فإما انها ستكون غير مكتملة ( و فى هذه الحالة تكون تسميتها بنظرية كل شيء تسمية مضللة ) أو تكون غير متسقة بمعنى أنها متناقضة فتحكم بالشيء وضده وهذا يعنى انها غير صحيحة وهذا (أعنى عدم الجمع بين الاكتمال والاتساق) هو ما برهنه غودل
فمثلا نظرية النسبية الخاصة قامت على مسلمتين الأولى هى مبدأ النسبية والثانية هى ثبات سرعة الضوء وكذلك البقاء للأصلح هو مسلمة فى نظرية التطور وهكذا فلا وجود للنظرية بدون هذا البناء الرياضياتى من المسلمات وما دامت مجموعة مسلمات فلا يمكن أن تكون مكتملة أبدا وبالتالى فلا وجود لنظرية كل شيء فى أى شيء انطلاقا من الرياضيات ومرورا بكل ما يمكن أن يوصف كنظام منطقى رياضى

ولذلك ورغم الضجة الاعلامية الكبيرة تجد ستيفن هوكينج ( وهو أهم من روج لتلك النظرية ) مضطر لأن يقول أنه للأسف غودل يجعل الحصول على نظرية كل شيء غير ممكنا (وقد كان هذا فى عام 2002 فى محاضرة ألقاها فى ذكرى بول ديراك )
(Some people will be very disappointed if there is not an ultimate theory, that can be formulated as a finite number of principles.I used to belong to that camp, but I have changed my mind. I'm now glad that our search for understanding will never come to an end, and that we will always have the challenge of new discovery.wIthout it, we would stagnate. Goedels theorem ensured there would always be a job for mathematicians.I think M theory will do the same for physicists. I'm sure Dirac would have approved

ويقول عالم كبير فى الفيزياء النظرية مثل فريمان دايسون  فى كتاب The World on a String أن ما يجرى على الرياضيات يجرى على الفيزياء وكما جعلت مبرهنة غودل الرياضيات لا تنضب (لن توجد بها نظرية كل شيء كما كان يحلم هلبرت) فكذلك الفيزياء
Gödel's theorem implies that pure mathematics is inexhaustible. No matter how many problems we solve, there will always be other problems that cannot be solved within the existing rules. [...] Because of Gödel's theorem, physics is inexhaustible too. The laws of physics are a finite set of rules, and include the rules for doing mathematics, so that Gödel's theorem applies to them

ويقول هنا الدكتور ستين أودينوالد أن غودل يقول أن أى نظام رياضى يحوى فى جذوره مجموعة فروض اثباتها موجود خارج النظام مما يجعل من أى نظام منطقى نظاما غير مكتمل ونظرية كل شيء ستكون بلا شك فى النهاية مجرد نظام فالمبرهنة تنطبق عليها
Goedel said that every mathematical system has at its roots a set of propositions which are beyond the system to prove. This makes every logically consistent system, fundamentally incomplete . The much-vaunted Theory of Everything will doubtless be just such a system

وكذلك هذا الكتاب لدكتور فيزياء نظرية هو مايكل جودباند يحاجج بأن المبرهنة تنطبق على النظم الطبيعية كما انطبقت على الرياضيات

وهذه المقالة لأستاذ الهندسة الميكانيكية  Seth Lloyd خلص فيها لنفس النتيجة ولكن باستخدام مشكلة التوقف halting problem بدلا من مبرهنة غودل G¨odel’s incompleteness theorem ويقول أن مشكلة التوقف تمنع من امكانية وجود نظرية كل شيء فى الفيزياء وأنها تنطبق على كل النظم الطبيعة وليس الفيزياء فحسب

وهذا جزء من كتاب علمى  منشور فى مجلة محكمة يحاجج 

فيه  أستاذ الرياضيات Rudy Rucker أن مبرهنة غودل تنطبق 

على الطبيعة والعالم الفيزيائى 



 أظن أن هذا ينهى حلم الفلسفة المادية الوضعية وأحلام ملاحدة الفيزياء عباد الطبيعة فلا يمكن أبدا أن تكون الطبيعة قائمة بنفسها ولا أى سلسلة من العلاقات المنطقية أو السببية ودائما هناك حاجة لشيء خارج هذا النظام هذا ما برهنه غودل وهذا الشيء هو بالتأكيد ليس جزء من هذه العلاقة السببية وليس محكوما بها وليس جزء من النظم الطبيعية وكل تلك النظم تحتاج إليه فهو سبحانه الاحد الصمد الذى يصمد إليه كل شيء والذى ليس كمثله شيء
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate