مفارقات زينون الإيلي, وحلولها الفلسفية والرياضية والفيزيائية

  






1- مفارقة أخيل والسلحفاة: لا يمكن لأخيل (عدّاء سريع) تجاوز سلحفاة بطيئة إذا أعطيت لها أفضلية في نقطة بداية السباق، لأنه كلما وصل إلى النقطة التي كانت فيها السلحفاة، تكون قد غادرتها وتقدمت قليلاً. وبما أن السلحفاة بطيئة لكنها غير متوقفة, فسيظل دائما هناك فرق بين موضعها الحالي والسابق.

2- مفارقة الانقسام: لن يقطع الجسم مسافة معينة, حتى يصل أولا إلى نصفها، لكنه لن يفعل ذلك حتي يصل إلى ربعها، وهكذا يستمر التقسيم إلى ما لا نهاية. ولا يمكنك في فترة زمانية محددة أن تقطع مسافات متعددة بين نقاط لانهائية, إذن الحركة  مستحيلة.

3- مفارقة السهم الطائر: السهم الذي ترميه بالقوس في الهواء يكون ثابتاً في أي لحظة زمنية محددة (مثل صورته في الكاميرا)، فإذا كانت حركة السهم هي إجمالي حالاته في جميع اللحظات، فلا يمكن أن يكون السهم في حالة حركة, لأن المجموع سيكون صفراً.

هذه هي مفارقات زينون الشهيرة وهي كلها تدور حول نفس الفكرة المتعلقة بمفهوم الحركة. وقد وصلتنا تلك المفارقات من خلال كتابات أرسطو, حيث ذكرها في معرض الرد عليها لكنه مع ذلك قدم ردودا ضعيفة واهية, ثم ظهرت حلول فلسفية ورياضية وفيزيائية كثيرة فندت هذه المفارقات تماماً, وقبل أن أعرج على تلك الحلول سأضرب مثال لتفكيك المفارقة وتوضيح مكمن الخلل فيها.
لو طلبت منك أن ترسم خط على ورقة, فتمرير قلمك على الورقة يكلفك مقدار معين من الطاقة هي سبب الحركة, لكن زينون ينظر إلى الخط باعتباره عدد لانهائي من النقاط عديمة الأبعاد, مما يجعل اتمام هذه المهمة أمراً مستحيلاً.

والحقيقة أنك لم ترسم عدد لانهائي من النقاط  في الواقع وإنما رسمت على عدد محدد من الذرات في الورقة, بعدد محدد من ذرات الحبر وانتقلت مسافة في المكان بعدد محدد من أطوال بلانك, خلال عدد محدد من زمان بلانك. وكل مكونات الواقع المستخدمة في هذه العملية كانت محددة ونهائية, مما يبين فساد تصورات زينون

والآن نسرد بعض الحلول:

1- الفلسفية: قدم البعض حلا عن طريق إعادة تعريف الحركة الذي كان معتمداً عند أرسطو وزينون, وبدلا من تصور الحركة على أنها عملية "تجميع نقاط بلا امتداد" أصبحت عملية "عبور للحدود الممتدة" (1). والفرق شاسع بين التعريفين لأن الأول يتضمن مغالطة تجعل الوصول إلى كل نقطة سببا في الوصول للتي بعدها, لكن في نفس الوقت يجعل هذه النقاط بلا امتداد في الفضاء مما يسقطك في بحر وهمي يتمدد إلى ما لا نهاية. بخلاف التعريف الآخر الذي جعل للنقاط  حدود, والمطلوب هو فقط استخدام سبب للعبور من حد البداية لحد النهاية, وهنا تكمن خدعة زينون في حقيقة الأمر, أنه فرض قيوداً سببية على تسلسلات وهمية غير سببية, أو افترض لانهائية شيء وهو في الواقع نهائي محدد.

2- الفيزيائية: وهي كثيرة, ومن ألطفها قانون نيوتن الأول للحركة : (يظل الجسم الساكن ساكنًا، ويظل الجسم المتحرك في حركة منتظمة -سرعة ثابتة- في خط مستقيم ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تغير من حالته).
فإذا كان عندك حركة مستمرة بسرعة ثابتة (وهذا لم يكتشف إلا في عهد جاليليو), وكان عندك زمن محدد, فقد حصلت على مسافة محددة, لأن (المسافة = السرعة × الزمن). (
𝑫 = 𝒗𝒕).

وهنا تتبخر مفارقات زينون, ويصبح كل ما عليك هو استخدام السبب المناسب حتى يتم لك "عبور الحدود الممتدة" وهذا السبب يتمثل في طاقة حركة محددة ينبغي عليك بذلها.

ويقول الفيزيائي إيثان سيغل(2), عن هذا الحل التجريبي للمفارقة: " يجب أن يكون هذا كافيًا لحل مفارقة زينون. يعمل ذلك سواء كان المكان (والزمان) مستمرًا أو متقطعًا؛ ويعمل كذلك على كلا المستويين، الكلاسيكي والكمومي؛ ولا يعتمد على افتراضات فلسفية أو منطقية. بالنسبة للأجسام التي تتحرك في هذا الكون، تحل الفيزياء مفارقة زينون."

وكذلك في مفارقة السهم فلن يكون السهم في كل لحظة ساكنا وإنما سيكون محملاً بطاقة الحركة المناسبة التي تحدد مساره.

ومن الحلول الفيزيائية (3) أيضا اعتبار الزمكان نسيج منفصل (متقطع), غير قابل للتقسيم إلى ما لا نهاية, وإنما ينتهي إلى زمان بلانك وطول بلانك, أو وحدات كمومية للمكان والزمان "هودون وكرونون".


ومن الحلول الفيزيائية (4) التي كشفت عنها فيزياء الكم, وجود وحدات للطاقة لا يمكن تقسيمها إلى وحدات أصغر, مما يجعل انتقال الإلكترونات من مستوى طاقة لمستوى آخر عبر قفزات محددة.

3-الرياضية: بدأت مع التفاضل والتكامل الذي قدمه نيوتن ولايبنتز, وظهر هذا أكثر لاحقا في أعمال كوشي على المتباينة المتقاربة (5), وهذه الحلول لا تتطلب أن يكون الزمان منفصلاً بل هي تعمل على اعتبار أن الزمان متصلاً (مستمرًا)  قابل للتقسيم إلى ما لا نهاية, وبدلا من حساب سرعة السهم في كل لحظة ساكنة, تكون سرعة السهم معلومة في كل لحظة من خلال حساب المتوسط لمعدل التحرك. 

تعليقات