روبرت كونز وألكسندر براوس وجوشوا راسموسن

روبرت كونز وألكسندر براوس وجوشوا راسموسن أكاديميون متخصصون في الفلسفة والرياضيات ولهم جهود كبيرة في تطوير برهان السببية وصياغته صياغات حديثة أفضل بكثير مما قدمه وليام كريغ.

مما أعجبني في حججهم: أن السببية بديهة أساسية مما يجعل الاستدلال عليها بمسلمات أعمق منها غير ممكن لكن يمكن اثبات صحتها المطلقة من خلال وسيلة ديالكتيكية إذ تبرز العواقب المستحيلة المترتبة على افتراض غياب أو اختراق السببية. ويذهبون لشيء مماثل لما قدمنه في طريقة عرضي لبرهان السببية حين ذكرت أن الشيء الفيزيائي الذي يخرق السببية سيطغي على كل شيء مما يناقض انتظام أي قانون فيزيائي أو أي خصائص مميزة للأشياء. ويسمون هذا بحجة الفوضى أو حجة الحدود والجميل أنهم يثبتون أن مثل هذا الشيء سيدمر النظام القانوني سواء كانت القوانين حتمية أو حتى احتمالية. كما برهنوا على أن كل ما هو طبيعي أو فيزيائي أو له خصائص بقدر محدد أو قابل للتفسير بشروط أو أسباب مسبقة فهو حادث مخلوق غير قائم بنفسه بالضرورة وأن هذه السلسلة لا يمكن أن تقوم بنفسها ولا يمكن أن تقوم بأحد أفرادها وإنما تقوم بواحد يكون خارجها ويكون قائم بنفسه ويكون مطلق العلم والقدرة والصفات ولا يكون شيء فيزيائي أو مادي محكوم بقوانين الفيزياء. كما أنهم أثبتوا أن السببية معرفة قبلية يستحيل تأسيس أي معرفة حسية أو تجريبية في ظل غيابها. وردوا على هيوم وكانط وبعض الفلاسفة المعاصرين. كما فرقوا بين السلاسل السببية والغير سببية ومنعوا التسلسل اللانهائي في الأولى ولم يمنعوه في الثانية. لم أقرأ سوى عدة صفحات من أوراقهم وكتبهم لكن أسعدني لغتهم البرهانية المدعومة بصيغ رياضية وكل ما ذكروه بينته في كتبي ومقالاتي من قبل ذلك بفضل الله وحده.

لكن الشيء الوحيد الذي أخطأوا فيه هو عدم تفريقهم بين حد العجز المتعلق بالسببية والافتقار وبين حد الهوية الغير متعلق بالسببية مما جعلهم يأخذون منحى المتكلمين مرة أخرى في نفي الزمان عن الخالق وتأويل الصفات الخبرية وما شابه. فمثلًا الله متصف بأنه واحد، وليس ثلاثة أو سبعة أو ما لا نهاية من الذوات، فهذا حد هوية وليس حد عجز، كما أنه سبحانه متصف بصفات الكمال دون صفات النقص، وهذا -أيضًا- حد هوية وليس حد عجز وكذلك تعلق أفعاله بالزمن الاعتباري (الفلسفي وليس الفيزيائي) هو أيضا حد هوية لأن الزمن هنا ليس قانونا حاكما أو شيء وجودي وإنما هو فقط مفهوم لتتابع أفعال الخالق. هذا هو المأخذ الوحيد الذي وقفت عليه في طرحهم حتى الآن وبالتأكيد سأكمل القراءة وأنشر المزيد من الفوائد بإذن الله.

وبخصوص المعرفة القبلية وتأكيدهم على استحالة حصول أي معرفة حسية تجريبية من دون وجود قبلي لبديهة السببية، تذكرت أن دائما ما يستتر المجادلون خلف مصادرة على المطلوب فمثلا جون لوك تستر خلف الأفكار البسيطة أو الصفات الأولية التي تنطبع في العقل سلبا بدون عمل للعقل أو بدون حاجة لعملية الإدراك التي تقوم على البديهيات ثم تتم بناء المعارف بعد ذلك على أساس هذه المعرفة البسيطة. أو هيوم الذي جعلها انطباعات حسية أو راسل الذي جعلها معرفة مباشرة وكل هؤلاء لا يملكون أي معيارا حقيقيا للتفريق بين هذه البذرة المعرفية وبين غيرها من المعارف التي يقرون بحاجتها إلى عمليات التعقل والإدراك. والصواب أن ما ينطبق على باقي المعارف ينطبق أيضا على هذه البذرة المعرفية وبمثل هذا جادل بيركلي وغيره وحتى فيتغنشتين جادل بأن الانطباعات الحسية لا يمكن أبدا أن تتحول إلى إدراك حسي بسبب مشكلة اللغة الخاصة والذاكرة التي تفتقد إلى مرجعية مصححة لكنه عاد ووقع في نفس المشكلة حين اعتبر المجتمع هو المرجعية المصححة بدلا من البديهيات القبلية ولا مهرب له من نفس السؤال: كيف بدأ تعلم الفرد من المجتمع وكيف استوعب هذه البذرة المعرفية البدائية (بصرف النظر عن مصدرها ظواهر/مجتمع) من دون بديهيات قبلية؟ فإذا كان الشك المطلق (المتمثل في مقولة: أنا لا أعرف أي شيء) يستحيل وقوعه من دون الإقرار المسبق بوجود بديهيات فما هو فوق ذلك من معارف أولية أو بسيطة أو انطباعات أو غريزة عقلية أو سمها ما شئت، سيكون أولى وأحوج في استناده إلى البديهيات.

بعض ما وقفت عليه لهذا الثلاثي 



تعليقات