غربة الدين في بلاد المسلمين

كثير من المسلمين غير الملتزمين لا يستطيعون تصور حياة حقيقية شاملة في طاعة الله وإنما يستطيعون فقط تصور عبادة أو نسك موجه لله أو أمر محرم كالخمر وأكل الخنزير أما عموم حياتهم وسلوكياتهم وأولوياتهم ومعاملاتهم واهتماماتهم فلا تجد علامات واضحة للدين فيها.
 تماما مثل جزيرتان معزولتان واحدة للطاعات والأخري للمحرمات وكلاهما داخل منطقة أوسع هي الحياة وهذا بلا شك من تهميش دور الدين في مجتمعاتنا.
في حين أن الأنبياء كانوا بشرا من أجل أن نقتضي بحياتهم ومماتهم وسائر أحوالهم التي شملها الدين  قال تعالى ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) 
فالمجتمع الذي يمثل غير الملتزمين فيه الأغلبية يستطيع تصور وتقبل وظيفة الشيخ الذي يؤذن ويصلى بنا ويحفظ أولادنا القرآن ويعظنا بالجنة والنار ...لكنه لا يستطيع تصور دوافع الشخص الذي ترك ماله أو تجارته أو وظيفته الثابتة المرموقة أو قطع علاقاته ومعارفه أو غير مسار حياته من أجل موعظة عابرة سمعها ...
نعم ربما يتقبل الناس بعض الحالات الملهمة بدون استنكار لكن إذا طبقت أمامهم عن قرب فستجدهم يتهمون فاعلها في عقله ويظنون به الظنون.

فمثلا في حديث النبيﷺ  عن قصة الثلاثة الذين سدت عليهم الصخرة باب الغار كانت أمانة صاحب فَرْقِ الْأَرُزِّ ومراقبته لربه عجيبة لكنها لو تكررت في يومنا هذا لصب الناس عليه اللوم صبا ولاعتبروها حماقة وتنطع وتشدد وتزمت وقل ما شئت وربما تجد من طلبة العلم من يتندر بقلة فقه الرجل ودروشته, بل حتي ردة فعل الأجير في القصة وجشعه في أخذ البقر كله تدلك علي أنه أيضا تعامل مع الموقف وكأنه يظن أن الرجل الذي استأجره غير مدرك لما يقول وأنها فرصة يجب انتهازها سريعا قبل أن يعود الرجل إلي رشده.
فالمجتمع لا يستطيع فهم هؤلاء الذين تعاملوا مع أمر الدين بجدية و غالبا ما يضعهم في قوالب جاهزة مثل الشيخ أو النصاب المتاجر بالدين أو الدرويش خفيف العقل أو المتطرف الداعشي أو الباحث عن الأسئلة الغريبة الذي يفتح علي نفسه باب الإلحاد.

وبالتالي أصبح الاهتمام بالدين  يثير ريبة وقلق من حولك وينبئهم عن انحرافات مرتقبة.

وهذا من غربة الدين في بلاد المسلمين
قال ﷺ: بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطُوبى للغُرباء

تعليقات