هل ينتقل السرطان بالعدوى؟

بحمد لله فإن السرطانات التي تصيب البشر غير معدية إلا في حالات نادرة جدا  كأن يكون الذي انتقلت له خلايا سرطانية مصاب أصلا بأمراض نقص المناعة مثل الإيدز .

لكن هناك أنواع من السرطانات المعدية ظهرت في الكلاب و شيطان تسمانيا و بعض أنواع الرخويات و يمكنها الانتقال بين أفراد النوع الواحد بل و تنتقل أيضا من نوع لآخر  إذا كانت الأنواع ذات صلة قريبة من بعضها  كما حدث في بعض أنواع القواقع و بلح البحر

https://www.nature.com/articles/nature18599

شيطان تسمانيا مثلا  معرض الآن للانقراض بعد أن قضي سرطان الوجه المعدى علي 77% منه منذ أن بدأ عام 1996.
و ذلك  لأن هذا السرطان يمكنه التحايل علي جهاز المناعة و تثبيطه مما يمكنه من الانتقال من فرد لآخر دون معوقات.
و هناك تدخلات علاجية حديثة لمحاولة إنقاذه من الانقراض
https://www.cell.com/cancer-cell/fulltext/S1535-6108(18)30539-7

لكن دعونا ننظر للسرطان نظرة أوسع من كونه مجرد مرض.
فالسرطان في النهاية ما هو إلا تمثيل للاستراتيجيات الأنانية داخل الجسد متعدد الخلايا لأننا إذا نظرنا إلى الكائن متعدد الخلايا علي أنه مجتمع من الخلايا المتعاونة التي تنظم العمليات الحيوية فيما بينها سيكون السرطان حينها هو الأنانى الذي يتمرد علي هذا النظام الإجتماعي لزيادة مكاسبه الشخصية
Multicellularity is characterized by cooperation among cells for the development, maintenance and reproduction of the multicellular organism. Cancer can be viewed as cheating within this cooperative multicellular system.

https://royalsocietypublishing.org/doi/full/10.1098/rstb.2014.0219

لكن إذا كانت معظم الكائنات متعددة الخلايا معرضة للإصابة بالسرطان و أشباهه (أمراض مماثلة تستخدم نفس الاستراتيجيات)  فهذا يعني أن وجودها كان و سيظل معلقا بعدم توحش و انتشار السرطانات و الذي هو احتمال ممكن لم يكن بوسع الآلية الداروينية منعه فى الماضي و لن يكون بوسعها منعه في الحاضر أو المستقبل بل إن الآليات الداروينية تدعم ظهوره بالطفرات و تدعم انتشاره و سحقه للخلايا السليمة بالانتخاب الطبيعي.
و حتي الكائنات المقاومة للسرطان مثل الخلد الأعمى و الخلد العارى و الفيلة و الحيتان فإن مقاومتهم للسرطان ليست مطلقة أو جوهرية و إنما نتيجة وجود آليات إضافية يمكن اختراقها أيضا من الأنانيين.

و هذا الأمر و إن كان مفزعا إلا أنه مبشرا أيضا إذ بما أن أي نظام تعاوني يمكن غزوه و تدميره فهذا يعطينا أملا علاجيا حيث  يمكن اعتبار السرطان نفسه كائنا متعدد الخلايا أو كيان قائم علي التعاون لأن خلايا الورم تتعاون فيما بينها و من ثم يكون هناك إمكانية للقضاء عليه بزرع أفراد لهم استراتيجيات أنانية بداخل الورم للقضاء عليه و كأننا أصبنا السرطان نفسه بالسرطان.

cancer progression can be characterized by the evolution of new ‘protomulticellular’ entities inside the host that recapitulate the foundations of multicellular cooperation.

المهم أن وجود السرطان في معظم الكائنات الحية متعددة الخلايا يختلف عن وجود فيروس ما يصيب هذا النوع و آخر يصيب ذاك و يختلف عن أي مرض آخر.. لماذا؟

لأن وجود الأنانية هي نتيجة لابد أن يواجهها أي نظام تعاوني  فكان لابد أن نجد السرطانات منتشرة في الكائنات متعددة الخلايا و هذا متحقق نظريا و واقعيا و حتي الأنواع القليلة التي أفلتت من ذلك المصير كان افلاتها ظاهرة تحتاج إلى تفسير و لم يوكل ذلك لافتراض أن أنواع السرطان لم تمر من هنا يوما ما أو أنها مرت و هزمت وفق آليات التطور الأساسية الانتخاب و الطفرات فهذا ممتنع.

و لكن حتي هذه التفسيرات تحتاج إلى  تفسير( إذا كنا ننطلق من فرضيات تطورية)  لأن تلك الآليات الإضافية التي جنبت تلك الأنواع القليلة من التعرض للسرطان أو قللت معدلات الإصابة به تبقي دائما هي الأخري معرضة للتحايل و الاختراق كما اخترق سرطان الوجه بنوعيه جهاز مناعة شيطان تسمانيا ليتحول من سرطان عادي إلى سرطان معدي.

و بمثل هذه الاختراقات التي تمكن السرطان من الانتشار داخل النوع الواحد أو بين الأنواع المختلفة يمكن أن تنسف مملكة الكائنات متعددة الخلايا في عدة عقود و علي الجانب الآخر فنفس الاستراتيجيات الأنانية ستتولى القضاء علي الكائنات وحيدة الخلية.

و عندما أقول هذا الكلام فأنا لا أقصد أننا ننتظر صفة أنانية معينة و إنما أقصد أننا نتوقع وجود استراتيجيات أنانية يمكن تحقيقها بعدد لانهائي من الأشكال و الصفات.

فحتى اللجوء إلى الصدفة  لن يحل الإشكال لأنها لو أزاحت مالانهاية من الاحتمالات الأنانية و منعتها من الظهور في مجتمع ما  فسوف يتبقى أمامها مالانهاية أخري من الاحتمالات الأنانية لأن اللانهائية لا تنقص حتي لو حذفت منها مالانهاية من الأعداد.

و تبقي العناية الإلهية و تقدير الله لصفات المخلوقات و حفظ التوازن بينها هي الحقيقة الظاهرة و هي ضرورة تفسيرية لظاهرة الحياة لا يمكن الاستغناء عنها و الاكتفاء بآليات مادية عمياء.

تعليقات