(12) نقد كتاب شون كارول الصورة الكبيرة The Big Picture


الخاتمة:

كان الفصل الأخير في الكتاب من أضعف فصول الكتاب علي الإطلاق  و هو محاولة لتخفيف ألم الصدمة و إضاءة المستقبل المظلم أمام الطبيعانية و بعث الأمل و البحث عن معني للحياة و مبرر للأخلاق. 


و بدأه كارول بحديثه عن شجاعة ساغان في مواجهة الموت و إمتنانه للصدف السعيدة التي وهبته تلك الرحلة القصيرة في الحياة. 


و هذا أشبه ما يكون بدورات التنمية البشرية التي تسمع فيها كلمات محفزة و براقة بدون أي سند  أو مبرر منطقي. و نفس الأمر ينطبق علي الوصايا العشر اللاتي ختم بهن الكتاب. 


إن المرجعية الدينية هي المسوغ الوحيد للقيم و الأخلاق و المباديء و عندما يفقد الإنسان إيمانه بالخالق و اليوم الآخر يكون كمن فقد الأرض الصلبة التي يقف عليها و كارول شبه حالة المذهب الطبيعاني بأحد الشخصيات الكرتونية التي نظرت للأسفل و علم أنه لا يقف علي أرض فإما أن يصنع أرضا أخري و إما أن يتعلم الطيران. 

https://youtu.be/UkxWrQvYS-k

و أقر كارول أنه لا يمكن أن يكون العلم هو المرجعية الأخلاقية و لا يمكن أن تكون الطبيعة و لا يمكن أن تشتق ما يجب عليك فعله "ought" مما هو فعل واقعي "is" و رد في ذلك على  جون سيرل و غيره من الفلاسفة في محاولاتهم لوضع قوانين و براهين صارمة للأخلاق من خارج المنظومة الدينية. 


 و أقر باستحالة وجود أخلاق أو قيم أو معاني موضوعية إنطلاقا من المذهب الطبيعانية و أقر كذلك بأنه لا يوجد معيار موضوعي لما هو صواب و ما هو خطأ .  


و لعل أفضل شيء فعله كارول هو أنه لم يحاول الدفاع عن موضوعية الأخلاق لأنها مهمة مستحيلة. 

فلا يمكن أن تكون مرجعية الأخلاق  موضوعية وفقا للمذهب المادي  لأن قوانين الطبيعة فقط هي الشيء الموضوعي المستقل في وجودها عنا و التي نكتشفها و لا نخترعها.


بل و لا يمكن أن تكون مرجعيتها ذاتية أيضا - كما يزعم كارول- لأننا نحن مرجع الأشياء الذاتية و المتحكمين بها فلا يمكن أن تكون هي مرجعنا فهي مثل قوانين المرور التي يمكننا تغييرها و تعديلها متى و كيفما شئنا  أو مثل الأصنام لا تصلح أن تكون آلهة لأنها من صنعنا. ثم إن هذه القوانين الوضعية يدور قيامها بين المنفعة الشخصية و الرقابة المجتمعية و أما الأخلاق فوجودها الحقيقي يكون بالانتماء إلى معاني معينة و محبتها و محبة الاتصاف بها و التقرب بذلك من الإله المتصف بالكمال المطلق.  


و أيضا لا يمكن أن تكون مرجعية الإخلاق عند الطبيعاني عبارة عن معنى مجرد صحيح منطقيا علينا اتباعه، لأنه وفقا للمنطق الدارويني الذي يفترض أنه الحاكم للكائنات الحية بما فيهم الإنسان، يكون التصرف العقلاني هو الذي يحقق أعلى مكاسب لصاحبه و هذه النفعية البراجماتية تقلب الأخلاق رأسا على عقب و تجعل كل التصرفات الأخلاقية ساذجة و غير صالحة للبقاء و يكون التصرف الأناني المخادع هو التصرف العقلاني (حتى إنه ليسمى "عقلانيا" في النماذج الرياضية لنظرية اللعبة ) 


أما في الفكر الديني فمرجعية الأخلاق موضوعية و هي صحيحة منطقيا لأن الفرق بين الكمال و النقص و الخير و الشر صحيح دائما و الكمال المطلق متحقق أزلا و أبدا بوجود الله.


ثم من الصواب عقلا و منطقا اتباع الخير و الأخلاق لأن هناك جزاء أبدى مطلق يتناسب مع طبيعة الأخلاق المطلقة سوف يتحقق يوم القيامة و توضع الموازين بالقسط. فبدون الإيمان بالله و يوم الدين لن يكون من الصحيح منطقيا أن تكون على خلق و لا أن ترحم اليتيم و تطعم المسكين.

قال تعالي( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)

فلولا وجود الفطرة و المنظومة الدينية لما أمكن وجود مرجعية أخلاقية.  و من يزعم أن الإنسان هو الذي سيصنع الأخلاق فهذا قد نسي أن الإنسان في ظل وجود الفطرة و الدين يظل ظلوما جهولا ضعيفا فما بالنا به و قد فقد المرجعية؟ 

و قد ذكر كارول في النهاية قصة تحوله إلي الإلحاد و أنها لم تكن نتيجة صدمة و لم تحدث دفعة واحدة و انما كانت تدريجية. 

و أنه نشأ في بيئة متدينة و كان يذهب إلى الكنيسة مع جدته و يحب ذكرياته هناك لكنه تحول للإلحاد نتيجة استماعه لمحادثة بين شخصين متطوعين في الكنيسة شعر من خلالها أن إيمانهما ظاهري أو نفعي ثم عندما كان طالب جامعي استمع لأغنية يصفها بأنها سخيفة لا تحمل حجة فلسفية جيدة و ليست حتي بالشعر الجيد لكنها كانت تروج الإلحاد فشعر أنه لا ينبغي أن يخاف من إعلان إلحاده و أنه لا يوجد شيء مشين في ذلك. 

   و هذا إن دل علي شيء فيدل علي خطورة هذه المرحلة العمرية و سهولة الاستجابة فيها لأي دعوة فارغة. 

و في النهاية أقول 

الله يهديه و يهدي كل زائغ عن طريق الحق.    

تعليقات