(10) نقد كتاب شون كارول الصورة الكبيرة The Big Picture


انتقد كارول حجة الاحتمالات  (و أنا أيضا لا أرى صحتها  ) من خلال genetic algorithm  و الذي هو خوارزميات للبحث عن حل لمشكلة ما في فضاء احتمالات كثيرة لكنه لا يبحث عن حل معين أو تعديل معين للخوارزمية .
و يتم فيه تصميم استراتيجية بسيطة ثم يتم تعريضها لدورات من الخلط العشوائي و التزاوج فيما بينها و الانتخاب لمن يحقق أعلى score .
و عرض مثالا على ذلك و هو  برنامج فيه آلي يدعي روبي يعيش في فضاء ثنائي الأبعاد بطول عشرة مربعات و عرض عشرة مربعات أيضا و وظيفته هي جمع العبوات الفارغة لكنه لا يملك مدى رؤية سوى المربع الذي يليه في اتجاهات الشمال و الشرق و الغرب و الجنوب. و لا يرى أبعد من ذلك كما أنه لا يملك ذاكرة على الإطلاق فلا يذكر أي معلومة عن حركته السابقة.
و يكون عدد الاحتمالات المتاحة له ليتم مهمته بنجاح هي 10 اس 205 و هذا سيجعل المهمة تحتاج إلى عمر أكبر من عمر الكون.
لكن الاستراتيجية التي وضعتها له مصممة البرنامج ليبدأ بها هي "إذا وجدت عبوة في المربع الذي تقف فيه فخذها و إذا وجدت عبوة في المربعات المجاورة فاتجه لها و خذها و إذا لم تجد شيء فتحرك عشوائيا في أي اتجاه" . و هذه الاستراتيجية حققت نجاح  69% من المعدل المثالي. و بعد ألف جيل استطاع روبي تحقيق 95% من المعدل المثالي. و بعد تحليل الاستراتيجية التي أصبح يمتلكها من التعلم الذاتي وجدت المبرمجة أنه أصبح يسير بشكل مستقيم لمسح المربعات إذا لم يجد عبوة مجاورة بدلا من التجول العشوائي و الأهم من ذلك أنه كان - وفق الاستراتيجية الأولى المصممة - إذا وجد عبوة و كان عن يمينه و عن يساره عبوات أخرى فإنه سيأخذ العبوة في المربع الذي يقف فيه ثم يتجه إلى أحد الاتجاهين و لأنه لا يملك ذاكرة عن الخطوة السابقة فسوف يفقد أثر العبوات في الاتجاه المعاكس لأنه سيفصله عنها حينها المربع الذي بدأ منه و أصبح الحين فارغا. لكن في الاستراتيجية الجديدة أصبح يتصرف بطريقة مختلفة و هي ألا يأخذ العبوة الموجودة في المربع الذي يقف فيه و بدلا عن ذلك يتجه إلى المربع المجاور فإذا كان محاطا بالعبوات في الاتجاهين هو الآخر تركه و استمر حتى يصل إلى حافة مجموعة المربعات تلك فإذا وصل لنهايتها أخذ العبوة و عاد في الاتجاه المعاكس ليأخذ كل العبوات في طريقه.
بل أضيف على كلام كارول أن ديفيد ولبرت  صاحب مبرهنة No-Free-Lunch التي بني عليها ديمبسكي حجة الاحتمالات، انتقد كلام ديمبسكي و تطبيقه للمبرهنة علي نظرية التطور لأنه لا يوجد حل معين أو استراتيجية محددة تبحث عنها الخوارزمية. و لا يوجد. fixed fitness function
و طبعا  genetic algorithm أو الروبوت روبي أو غير ذلك من التطبيقات لم تنشأ هكذا من فراغ و لم تبدأ  من الصفر و بهم آليات و استراتيجيات مصممة و لذلك فهذا كله لا يثبت التطور بقدر ما ينتقد حجة الاحتمالات التي بنيت على مقدمات معينة .
و قولي بأن حجة من حجج التصميم الذكي بها خلل أو ثغرات لا يعني بالتأكيد أن نظرية التطور صحيحة فهناك حجج أخرى مستقلة و متماسكة تطعن في التطور و تجعله نظرية غير صحيحة لتفسير الحياة.
و هذا حوار  مع الدكتور أمين بسطت فيه وجهة نظري و اعتراضاتي على حجة الاحتمالات لمن أراد تفاصيل أكثر.
https://drive.google.com/file/d/1MA9SyYWw0FskayobNXzlGubRcCNRNYQT/view?usp=drivesdk

وأما كلام كارول عن حجة التعقيد الغير قابل للاختزال فكان تكرار لنفس الاعتراضات القديمة و التي تم الرد عليها كثيرا و لا جديد يحتاج إلى رد.

ثم انتقل كارول إلى دليل الضبط الدقيق في الثوابت و الكميات الفيزيائية بما يسمح بتواجد الحياة على ظهر الأرض و هو يرى ذلك الدليل من أقوى الأدلة التي قدمها المؤمنون لإثبات وجود الخالق. ثم قدم اعتراضاته عليه بأن هذا الضبط لن يكون مقصودا إذا كانت نظرية الأكوان المتعددة صحيحة لأن كل الاحتمالات الهائلة ستكون ممكنة حين ذلك. لكن الأكوان المتعددة ليست حتى نظرية و إنما هى نتيجة لازمة لنظريتين هما التضخم و الأوتار الفائقة و كلاهما لا يوجد أي دليل تجريبي مؤيد لهم. فهما مجرد تخمينات حتى الآن و هذا ما أقر به  كارول. و إن كان الأمر في الحقيقة أسوأ مما قاله فهناك جدل حول كونهما نظريات علمية أصلا أم مجرد فرضيات فلسفية لأنهما لم يقدما أي تنبؤات يمكن التحقق منها تجريبيا و هذا هو شرط  النظرية العلمية.
ثم ختم الفصل ببعض الاعتراضات الفلسفية حول حجة الضبط الدقيق مثل:
1-لماذا يقدر الخالق ضبطا ماديا دقيقا أصلا لوجود الحياة إذا كانت الحياة من وجهة النظر الدينية ليست ناشئة عن آليات مادية و أهم مقوماتها هي الروح الغير مادية.
2-لماذا كل هذا الكون الشاسع المكون من بلايين المجرات و الذي لا تبدو فيه الحياة على الأرض ذات أهمية تذكر .
الجواب على النقطة الأولى: أن النظرة الإسلامية لم تهمل أبدا الأسباب المادية فحتي التوكل على الله يكون مقترنا بالأخذ بالأسباب المتاحة. فليس هناك أي تعارض بين تقدير الله للخلق بسنن و أسباب مادية و بين تقدير أمور أخرى غيبية تتداخل مع عالمنا و تكون هي سر الحياة مثل الروح و الوعي.
و الجواب على النقطة الثانية: هو أن وجود أشياء  مبهرة و عظيمة  في هذا الكون- حتى لو كانت لا تؤثر على حياتنا اليومية  بشكل مباشر- يفترض بها أن تجعلنا نستشعر عظمة الخالق سبحانه لا أن تكون سببا في الكفر به.
ثم إن نصوص الشرع ذكرت السماوات و مواقع النجوم و من فوقهم الكرسي و العرش على أنها مخلوقات  ضخمة و عظيمة و لم تذكر أنها صغيرة محدودة ثم فاجأنا العلم الحديث بعظم الكون. و  تصور عظمة هذه المخلوقات هو سبب في رهبة الخالق و تعظيمه و الإيمان به و لو كان الكون صغيرا لقيل كيف يكون هذا فقط هو ملك الخالق كامل القدرة و العلم  .لكن آيات الله دائما تكون نعمة للمؤمن و نقمة للكافر.

تعليقات