الرد على من يقول أن الله قد يجعل إرادتنا ناتجة عن قوانين الفيزياء

قال أحدهم :
(ونفس شبهتك ضع مكان قوانين الفيزياء (مشيئة الله) ... وستكون هي هي شبهة القدرية لو كان وعيك يخضع لـ (مشيئة الله) فلا يمكن تفسير الإرادة في إطارها لأنها حينها ستتبع مسارًا محددًا (شاءه الله) لا مسارات مختلفة يحددها الإنسان المريد...ومحاولة التفريق بين الحالتين بمحض المصادرة التي من جنس (قهر الله ليس كقهر المادة) كلام لا يستحق الرد عند أصغر محصل... فالمادة ليست مستقلة عن الله حدوثًا أو بقاءً والله يتصرف فيها وفيما ينتج عنها كما يشاء وما يقدر) على خلقه مباشرة يقدر على خلقه بسبب شيءٍ آخر)
اقول : نعم المادة ليست مستقلة عن الله لكن يبدو أننا في حاجة إلي تذكيرك بأن المادة ليست هي الله .
فحكمهما مختلف تماما  فليس هناك تناقض في أن يخلق الله لي إرادة حرة تتوافق مع علمه و مشيئته المسبقة  لكن هناك تناقض في أن يخلق الله لي إرادة حرة أختار بها أن أعود في الماضي لأقتل جدي و هو صغير  قبل أن  يتزوج و ينجب أبي كما هو معروف في الفيزياء  بمفارقة الجد
grandfather paradox
فالمثال الأول: علم الله و مشيئته كانتا سبب وجود إرادتي الحرة و لا يمكن أن أخالفهما و مع ذلك  فالسبب لا يناقض النتيجة
والمثال  الثاني : كان سبب عدم ولادتي  و من ثم عدم إرادتي لأي شيء  هو أنني أردت ذلك في يوم ما في شبابي.
فهنا يوجد تناقض ذاتي يجعل هذا السبب لا يمكن أن يستخدم للحصول علي تلك النتيجة .
فبالرغم من أن الله علي كل شيء قدير وأنه يخلق ما شاء بأي سبب شاء إلا أن هذا لا يعني تجويز أن الله  قد يوجد النتيجة بسبب متناقض ذاتيا معها لأن هذا مستحيل لذاته والصاقه بقدرة الله مغالطة منطقية .
و الجينات التي تنتج لك إرادة حرة هي بالضبط كاليوم الذي تختار فيه أن تسافر في الماضي لتقتل جدك و هو صغير  ففي كلاهما كان وجود الحرية مرهون بسبب  ما وجوده يناقض وجودها.
"لا يوجد إرادة حرة إلا إذا أنتجتها الجينات و ما تنتجه الجينات لا يمكن أن يكون حرا"
"لن تقتل جدك و هو صغير إلا إذا ولدك أبوك  أولا و لن يلدك أبوك إلا إذا  أفلت جدك من تلك القتلة"
ثم نحن لا نقول أن الله يتدخل مباشرة أو لا يتدخل مباشرة لكن نقول أن تجويز أن الله قدر الشيء بنقيضه هو لغو لا معني له و هو مجرد سوء تصور من المتكلم. فلا معني لتجويز أن الله قادر علي خلق دائرة مربعة لأن هذا تناقض ذاتي لا معني له لكي نسأل هل هو داخل في قدرة الله أم لا .
و الإرادة الحرة لا معني لتسميتها حرة إذا كانت نتيجة النشاط الدماغي و الحتمية الجينية . فإذا كان الله يمكن أن يحاسبنا علي لون عيوننا الناتج عن حتمية جينية فهو يمكن أن يحاسبنا عن إرادة وهمية ناتجة عن نفس الحتمية الجينية .
و قد ذكرت في النقطة الخامسة في هذا المنشور التناقض بين  الإرادة الحرة  و  الاحتكام إلي القانون الفيزيائي , https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=890917164427722&id=100005283395289
ثم يكمل صاحبنا قائلا :
(والخطأ عند من أخطأ سببه أنهم تشربوا فكرة المقابلة بين الله والمادة، فلو كان للشيء سببٌ مادي فهو إذن عندهم مستغنٍ عن الله! وهذا خطير ورب الكعبة... جد خطير)
اقول : واضح أن صديقنا لم يقرأ شيء من كلام من ينتقدهم . لأنه لو قرأ أي شيء من كلامهم لعلم أننا نستدل بدليل السببية علي وجود الله و لا نستدل بغياب السببية علي وجود الله .

فلم يقل أحد أن الشيء لو كان له سبب فهو إذن مستغن عن الله  و لم يقل أحد أن الله هو السبب في الشيء الفلاني لأننا لم نعلم السبب .
و لكن نثبت الأسباب و نثبت دلالتها علي وجود الله و نثبت ظواهر لا يمكن أن تفسر بالأسباب المادية لأنها تحمل دلالات خاصة مباشرة على وجود الله مثل الإتقان في الكائنات الحية الذي يجب أن ننسبه إلى الله مباشرة و لا يكون ذلك توسلا بالمجهول أبدا و من اقترح مثلا  أن الطفرات العشوائية هي الطريقة الغير عشوائية التي استخدمها الله في الإتقان فهو متناقض و هذا هو المسمى بالتطور الموجه و الذي ظهر  عندما أراد أصحابه موافقة النظريات المادية في تفسير الحياة فخرجوا علينا بنفس المغالطات. و حتى لو أن الله قدر سببا غيبيا في الخلق كالملائكة مثلا فهذا لا يغير من الأمر شيء و لذلك نقول أنه ليس محل النزاع و إنما محل النزاع في تقدير سبب يتناقض ذاتيا مع نتيجته كأن نجعل الإتقان بسبب العشوائية أو الإرادة الحرة بسبب الحتمية الجينية .
ثم يقول :
(الله المؤثر فيك وفي وعيك وإرادتك
سواء كان هذا التأثير مباشرةً منه أو بأسباب وخصائص مادية لا نعرفها أجرى فيها سننًا معينة...
ولا تقل (لو كان الوعي يخضع لقوانين الفيزياء) لأن هذا يوهم أننا نقول بأنه يخضع لقوانين نعرفها خارجة عن اختيار المرء تقتضي وجوبًا منه فعلًا معينة 1+1=2
كما نعلم بأنه إذا ارتفعت درجة حرارة الماء لدرجة معينة حصل الغليان بسبب كذا وكذا...
ليس هذا قولنا..)
اقول : إذن هو لا يتحدث عن قوانين المادة و الفيزياء التي نعرفها و لا يتحدث عن الحتمية الجينية و النشاطات الدماغية و لو كان الأمر كذلك فكان يمكن أن يجيب السائل الذي سأله عن (الإمكان العقلى لفيزيوكيميائية الوعى) بأنه لا يقصد الفيزياء و الكيمياء التي يتحدث العلم عنها و يتحدث الملاحدة و من يردون عليهم عنها و انتهى الأمر.
لكنه لم يفعل ذلك لأنه ما تكلم في الأمر اصلا  إلا في سياق الإنكار علي من يردون على الملاحدة و  لن يكون هناك أي معنى للإنكار علينا حينها لأننا ما تحدثنا الا عن هذه القوانين الفيزيائية التي يمكن للعلم التجريبي التعامل معها في يومنا هذا وأو حتى في المستقبل و بالتالي فيفترض أنه لا ينكر علينا شيء لأنه ينفي عن نفسه القول بأن هذه القوانين الفيزيائية يمكنها إنتاج  إرادة حرة و هذا هو قولنا.
لكننا بالطبع لا نوافقه بعد هذا الإقرار على تسميته فيزيوكيميائي لأن هذا تناقض آخر. و ليس هناك معنى لجعل الشيء مادي فيزيائي و هو لا يدخل و لن يدخل  في إطار علوم الفيزياء.
و الصواب هو الالتزام بالمصطلح الشرعي  في جعل ذلك من الغيبيات المخالفة في طبيعتها لعالم الشهادة و انتهى الأمر.
إذن فالمخلص هو:
1- النزاع ليس حول تدخل الله المباشر أو غير المباشر و إنما هو عن إثبات سبب متناقض ذاتيا مع نتيجته و هذا لا يحتج فيه بقدرة الله لأن هذه مغالطة منطقية .
2- صاحبنا يقر بأن السبب في الإرادة لو كان متبع لهذه القوانين الفيزيائية فسوف يكون مناقضا لحرية الإرادة و أنه لم يقصد هذه المادة أو  الفيزياء التي نعرفها و إنما هي فيزياء غير فيزيائية.  فهي لا تدخل في إطار علومنا الفيزيائية و لن نعرف عنها شيء لكنه مصر على تسميتها بالفيزيائية.
3- أعلم أن صاحبنا في الغالب  لن يرجع عن خطئه و سيستمر في التبريرات الباردة من عينة انه يريد بالمادة المعني العام للوجود الخارجي القابل للرصد و ربما يريد بالفيزيوكيميائي المعنى العام للتفاعل السببي في هذه الموجودات الخارجية و هلم جرا. و نحن نقول له أن هذه المعاني الهامة جدا جدا لا أحد يقصدها ها هنا و لا أحد يجادل بها و لا أحد يهتم بها (ربما لشدة أهميتها ) في هذا النزاع الذي أقحمت نفسك فيه مستنكرا معاني أخرى تماما .
4-من قرأ فصل السببية في كتابي يعلم أن كل شبهات الملاحدة في الفيزياء ما هي إلا تلاعب بالمصطلحات و خلط بين العلمي منها و الفلسفي. و لذلك فالأمر ليس بالهين و إنما هو من أكبر أسباب الضلال فيجب على من تكلم في تأمر أن يحرر المصطلحات جيدا و أن يستخدمها في سياقها الصحيح.

تعليقات