البقاء للأصلح و لكن...



مقدمة :
الانتخاب الطبيعي يخبرنا أن البقاء للأصلح لكنه لا يخبرنا للأصلح على حساب من؟
فقد يكون للأصلح على حساب الأسوأ (مما يعني الاستمرار في الترقي إلى الأبد) و قد يكون للأصلح على حساب من جعله صالحا(مما يعني التدمير الذاتي ) .

فالنتيجتان متناقضتان و قوام نظرية التطور على الأولى منهما مع الاعتراف بالثانية دون وجود حل حقيقي شامل لها رغم أنها تشمل الحياة كلها كاحتمال موازي للاحتمال الأول بالضبط (إن لم يكن هو الاحتمال الأقرب و الأيسر) .
الشرح :
الانتخاب الطبيعي يعني أن الكائن الذي يحصل علي صفة تجعله أكثر كفاءة و صلاحية في استغلال الموارد المتاحة. سوف يبقى نسله  بشكل أكبر من نسل منافسه الذي لا يملك تلك الصلاحية و بالتالي سوف يزيد استحواذ أصحاب الصلاحية  على المورد بحكم العدد و مع الوقت سيدفع هؤلاء منافسيهم الأقل كفاءة إلى الانقراض. و هكذا يستمر الصراع في نصرة الأكثر تكيفا مما ينتج في النهاية هذه المملكة المتنوعة من الكائنات الحية التي وزعت عليها الصفات و السلوكيات بشكل عشوائي في البداية من خلال الطفرات ثم بني منها الانتخاب الطبيعي هذا الصرح في اتجاه واحد هو دعم الأكثر تكيفا و الأكثر صلاحية و وهبه البقاء على حساب الأقل تكيفا مع بيئته و الأقل كفاءة في الانتفاع من الموارد.
إذن الانتخاب الطبيعي هو قوة دافعة في اتجاه واحد. هذا الاتجاه هو زيادة الصلاحية و هذه الصلاحية لا تتطلب صفة معينة أو محددة يحصل عليها الفرد لكن تتطلب استراتيجية معينة تضمن له أكبر قدر من الانتفاع بالموراد المتاحة في صراعه مع منافسيه. فأي صفة ستحقق هذا النجاح الاستراتيجي سيتم انتخابها.

لكن...

ماذا لو كانت تلك الاستراتيجية التي ستحقق كفاءة أكبر للفرد ستؤدي إلى تدمير المورد نفسه و من ثم تدمير المجتمع في النهاية بما في ذلك الفرد صاحب الاستراتيجية الكفء؟

هذا السيناريو هو المعروف بمأساة المشاع أو مأساة الموارد المشتركة أو معضلة السجين( في إطار نظرية اللعبة) و التي تكون الاستراتيجية الأفضل فيها و الأكثر تكيفا مع البيئة و التي تمنحك ميزة و ربح أعلى من كل المنافسين (مما يجعل الانتخاب الطبيعي يفضلك) هي الأنانية التي تؤدي إلى تدمير المورد نفسه.
هذا السيناريو مرصود و موصوف بمعادلات رياضية دقيقة. و هناك حلول قدمت لتفاديه بشكل جزئي في ظروف معينة لكن ليس هناك حل شامل أو شيء يخبرنا لماذا الحياة نشأت و استمرت و اتجهت نحو البناء وفقا لآليات التطور رغم أن نفس الآليات تدفع بنفس القوة نحو التدمير الذاتي في كل لحظة و في كل مكان؟
الآن نعلم أنه قد يدفع فاتورة بقاء الأصلح الأقل صلاحا منه و قد يدفعها من وهبه الصلاح نفسه (أي المورد) فليس هناك أي شيء يرجح بين الاحتمالين و أحدهما ينتج الحياة بالتصور الدارويني و الآخر ينسفها نسفا بنفس الآليات التطورية و بنفس القوى.
هذا التناقض يجعل نظرية التطور عاجزة عن تفسير أي شيء في الحياة لأن ما تطرحه كتفسير يمكن طرحه كتدمير.

المثال الكلاسيكي لمأساة الموارد هو مرعي عام  به مجموعة رعاة و من مصلحة كل فرد منهم  أن يزيد من عدد الماشية التي يدخلها المرعي لأنه بذلك يضاعف الإنتاج  و الربح بدون زيادة في التكلفة لأن المرعي مورد متاح للجميع بدون رسوم. فالصلاحية و التكيف الأفضل مع هذا الوضع هو إضافة المزيد و المزيد كلما أمكن ذلك. و سيظل الراعي الذي تمكن من إضافة المزيد من الماشية هو الأكثر سيطرة على المورد و الأكثر انتفاعا منه و الأكثر تكيفا. و بالتالي سيسعى الجميع إلى المنافسة للحصول على صلاحية و كفاءة أعلى باتباع نفس الاستراتيجية إلى أن يتم تدمير المرعي بالكامل لأنه لن يتوفر له الحد الأدنى من الوقت لتجديد نفسه و حينها سيخسر الجميع.
السرطان أيضا مثال جيد على ذلك لأن الخلية السرطانية تنافس الخلايا الطبيعية في الجسم على المكان و الغذاء و تستخدم استراتيجيات متفوقة عنها و بالتالي تغزو الجسم و تسيطر على كثير من الموارد مما يدمر المورد نفسه المتمثل في جسم المريض و بالتالي خسارة الجميع . و هناك أمثلة أخرى كثيرة على المأساة و معضلة السجين و مشكلة التعاون عموما.

الخلاصة:
الانتخاب دائما يدعم الأكثر صلاحية و نظرية التطور تفترض أن هذا كاف جدا كمحرك لبناء الحياة من خلال الصراع على البقاء. و لكن إذا كان الأصلح قد يصل للتكيف و يحصل على دعم الانتخاب الطبيعي بسبب أنه استغل المورد أفضل من غيره أو بسبب أنه استأثر بالمورد و دمره. فما تفترضه نظرية التطور هو تدميرا للحياة أكثر منه تفسيرا لها.

تعليقات