(7) نقد كتاب شون كارول الصورة الكبيرة The Big Picture



كفار قريش عبدوا اللات و العزي و مناة رغم علمهم أن الخالق في السماء و أن هذه الأوثان ليست هي من خلقتهم إلا أنهم اتخذوها آلهة مع الله.
و نفس الشيء يفعله الملحد الذي يعبد القوانين الطبيعية رغم أنه لا يعرف القانون الذي يمكنه أن يخلق الكون أو أن يفسره تفسيرا تاما. فيغلو و يبالغ في الاحتفاء فيما علمناه من قوانين طبيعية ليصل بها إلى درجة التقديس و يتعامل معها على أنها تملك أمرنا تماما و تتحكم في كل شيء من حولنا.
و هذا ما فعله كارول مع النظرية المركزية the core theory التي تجمع بين النموذج المعياري للجسيمات الدون ذرية و تفاعلاتها عبر نظرية المجال الكمومية و اللونية الكمومية و بين  النظرية النسبية العامة التي تصف الجاذبية و هندسة الزمان و المكان.
فهو يقول أن النظرية المركزية تصف القوانين الفيزيائية التي تحكم كل ما نتعامل معه في حياتنا اليومية من مادة و طاقة و مكان و زمان  مما يجعلنا نعلم ما الذي يمكن أن نستبعده من الواقع و نعلم أنه ليس حقيقيا مثل ثني الملاعق بالقوى العقلية و ما أشبه ذلك.
لأن هذه الأشياء لكي تحدث يجب أن تتفاعل مع الجسيمات و القوى التي تكون أجسامنا و الأشياء من حولنا و نحن نعلم كل جسيمات المادة و الطاقة و نعلم طرق تفاعلها بشكل "كامل" و نعلم السبل الوحيدة الممكنة للتفاعل مع هذه الجسيمات و الطاقة مما لا يدع مجالا لمثل هذه الفروض.
لكن النظرية المركزية لا تتطرق للمادة المظلمة و لا للثقوب السوداء و لا للانفجار العظيم فهي ليست النظرية المنشودة المعروفة باسم "نظرية كل شيء" و وجودها لا يعني أننا نعلم كل شيء عن الفيزياء  لكننا لا نتعامل مع هذه الأشياء في حياتنا اليومية.
لكن يا كارول إذا كانت النظرية المركزية لا تجيب عن سؤال كيف وجد الكون و لا تصف مجموعة القوانين الأساسية التي تعتقد أنها خلقت الكون و خلقتك و لا تفسر كل شيء حتى من الظواهر التي تعتبرها أنت طبيعية منبثقة عن قوانين فيزيائية مثل الوعي و الإرادة الحرة و الحياة و غير ذلك فما فائدة التركيز عليها و الاحتفاء بها و طباعتها على تي شيرت (الموجود في الصورة بالأسفل ) و بيعه على موقعك الخاص ؟؟!!
إنه نفس المنطق الوثني القديم الذي جعل المشركين يقدمون القرابين لأصنام يعلمون أنها ليس هي من خلقتهم.
الطبيعانيون يتعاملون مع القوانين على أنها الخالق بل إن كارول لا يتصور أن يوجد شيء فوق هذه القوانين الفيزيائية أصلا فيقول معترضا على فكرة الله القائم بنفسه أنه لا يمكن أن يكون هناك شيء واجب الوجود يكون وجوده غير مشروط بشيء فكل شيء موجود هو ممكن الوجود.
و هذا لأن سقف تصورات كارول للوجود هو الوجود المشروط المستند في قيامه إلى القوانين الفيزيائية و ليس المتجاوز لها.
لكن الأهم من ذلك هو الفصل 25 الذي عنونه باسم "لماذا الكون موجود؟"
و هو لم يأت بجديد فيه لكنه استعرض نفس الأطروحات الشهيرة حول نشأة الكون من الفراغ الكمي.
و هنا يجب الانتباه إلى أن الملاحدة لا يعرضون هذه الأطروحات في الفيزياء أو البيولوجي (نظرية التطور) لنفي وجود الله و إنما لإثبات أن هناك تفسير مادي طبيعي كاف  لظواهر مثل وجود الكون و الحياة و الوعي و ما إلى ذلك. فحتي لو أقروا  بعد ذلك بأن هناك إمكانية لفرض وجود قوة ميتافيزيقية تقف خلف هذه القوانين فلا فائدة،  لأنه مجرد فرض زائد لا حاجة له و لا أثر  و لا يمكن البرهنة عليه.
و لذلك فهناك آيات في الكون و في أنفسنا جعلها الله تحمل دلالة مباشرة عليه فلا ينبغي قبول التفسير الطبيعي لها بل إن المعركة كلها في إبطال هذا التفسير الطبيعي المزعوم لهذه الظواهر المحددة (و ليس لكل الظواهر) و إقامة الدليل على أن التفسير الوحيد الصحيح لها هو وجود خالق.
نعود الآن إلى كارول و قد بدأ كلامه بنفس المغالطة التي تناولها في الفصل الأول حول السببية و سدد ضربات كالعادة لرجل القش الذي صنعه ثم انتقل إلى سرد الأفكار الفيزيائية الجديدة التي نشأت من خلال النظرية النسبية و ميكانيكا الكم  فجعلت الزمان و المكان ديناميكيين و ليسوا خلفية ثابتة مطلقة كما كان الأمر في فيزياء نيوتن و بالتالي فالزمان و المكان لا يصح التعامل معهما على أنهما مرجع أو شيء أساسي ترد إليه الأشياء و إنما هما ظواهر منبثقة عن قوانين فيزيائية أعمق تعمل بدون الحاجة إلى زمان و مكان و هذا لفرضه أن السلسلة السببية التي يعرضها المؤمنون للاستدلال بها على الخالق هي سلسلة زمنية أو معتمدة في امتدادها  على الزمن و قد علمنا أن الزمن لم يعد مطلقا و هذا يقطع السلسلة و الاستدلال بها.
ثم انتقل إلى عرض الحجة المعتادة التي تقول أن الطاقة السالبة في الكون سالبة و موجبة و هما متعادلتان مما يجعل هناك إمكانية لنشأة الكون من العدم أو اللاشيء الفيزيائي وفقا لقانون حفظ الطاقة و هذا العدم يعني اللا مادة و اللا زمان و اللا مكان فهو فراغ كمومي به الحد الأدنى من الطاقة و التي تحدث فيها وفقا لمبدأ عدم الدقة لهيزنبيرج تقلبات كمومية  فتنشأ عن ذلك جسيمات افتراضية يمكنها بعد ذلك أن تنمو إلى أكوان مثل كوننا.

و الرد على ذلك يكون ببيان الآتي:

1-أن مفهوم السببية ينطبق على القانون الفيزيائي نفسه فقانون عدم الدقة و قوانين الكم و قانون حفظ الطاقة و القوانين الأعمق التي لم نعرفها بعد هي عبارة عن خواص و شروط لوجود الأشياء و هي عبارة عن بيان لافتقار كل شيء لأسباب معينة في قيامه و هذا يعني أي كل ما هو محكوم بالقوانين يكون حادث و بذلك يكون حديثنا عن سلسلة حوادث تدلنا بالضرورة على الخالق
https://abozaralghifari.blogspot.com/2018/12/blog-post_31.html
و هذا مثال توضيحي لمعنى السببية  في المادة و الطاقة
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=909171739268931&id=100005283395289
2-  السلسلة السببية ليست معتمدة على الزمن و إنما هى علاقة مجردة تماما مثل القوانين التي  مازالت تعمل قبل وجود الزمن الفيزيائي نفسه فالاعتماد في السلسلة على الافتقار إلى شروط مسبقة للوجود أو للاتصاف بأي خاصية و هذه هي نفس العلاقة التي تصف بها  معادلات الفيزياء الظواهر. فمفهوم الزمن ضبابي في الفيزياء و لكن إذا كانت القوانين تعمل بشكل مستقل عن الزمن فالسببية كذلك و لا فرق. و ستبقى السلسلة السببية كسلسلة من القوانين أو الظواهر التي تصفها القوانين و لا يمكن أن تمتد هذه السلسلة إلى ما لا بداية و تكون قائمة بنفسها بدون حاجة لقائم بنفسه منفصل عنها يقيمها.
3- لا يمكن أن توجد نظرية كل شيء التي تعنى أننا سنجد في النهاية قانونا تتفرع عنه كل القوانين الأخرى أو سنجد مجموعة من القوانين تفسر كل شيء بشكل طبيعي. فهذا الأمر مستحيل لأن هذا يعني أن هناك مجموعة من القواعد المتسقة و المتكاملة تفسر وجود النظام الطبيعي ذاتيا  و مبرهنة غودل تجعل من المستحيل أن يكون هناك مجموعة من المسلمات متسقة و متكاملة في نفس الوقت داخل نظام ما.
https://abozaralghifari.blogspot.com/2015/03/blog-post_11.html?m=1
4- هناك أيضا ردود من خلال أبحاث علمية على كل جزئية في هذا  الطرح الذي ذكره كارول  بداية من اقتصار قانون عدم الدقة على علاقة السرعة و الموضع و عدم صلاحية اشتقاق علاقة الزمن و الطاقة كقانون عام. مرورا بعدم وجود دليل تجريبي على وجود طاقة الفراغ الكمي اصلا. و انتهاء ببيان حقيقة الجسيمات الافتراضية  و أنها مجرد أداة رياضية و ليست شيء فيزيائي يمكن أن يوجد ثم يوجد منه الكون.
كل هذا و غيره بينته بالأوراق العلمية المحكمة في الفصل الثاني من كتابي اختراق عقل من صفحة 118 إلى 131 و هذا المقال فيه بعض هذه الأوراق

https://abozaralghifari.blogspot.com/2018/12/blog-post_19.html

تعليقات