الرد علي حلقة #الدحيح أخلاق الأطفال

الحلقة نصفها الأول جيد و يثبت أن الأطفال تولد برصيد  فطري أخلاقي فيه التعاطف و حب العدالة و مساعدة الآخرين و هذا يمكن رصده في سن ثلاثة أشهر فقط . لكن النصف الثاني من الحلقة جعل أخلاق الأطفال محددة و محكومة بمعايير غير صحيحة أو ربما غير أخلاقية عند تعارض المصالح .
و مصدر الحلقة الوحيد هو كتاب (مجرد أطفال) لبول بلوم. و أنا لم أقرأ الكتاب لكن بحثت عن شيء يلخص أفكار الكاتب المطروحة في هذا الكتاب  فوجدت للمؤلف هذه المقالة
https://newrepublic.com/article/116200/moral-design-latest-form-intelligent-design-its-wrong
و هي أقرب لأن تكون فقرة من كلام ملحد يناظر مؤله من أن تكون مقالة تعرض أفكار في علم النفس .
فهو يتعقب فرانسيس كولينز في اعتباره التضحيات التي يقوم بها بعض البشر دليلا علي منحة أخلاقية إلهية . فمثلا ويسلي أوتري الذي افتتح به المقال و الذي شاهد شخص آخر لا يعرفه علي رصيف محطة المترو و قد أصابته نوبة صرع فسقط علي قضبان القطار في لحظة دخول القطار للمحطة فقفز أوتري علي المصروع ليحتضنه حتي لا يتحرك و بالكاد مر القطار من فوقهما و كان ممكن جدا أن يدهسهما .فمثل هذه التضحية لا يمكن تفسيرها بالانتخاب الطبيعي . فكان رد بلوم أن هذا و إن كان يخالف الانتخاب الطبيعي فهناك تصرفات كثيرة تخالف الانتخاب الطبيعي مثل أخذ حبوب منع الحمل و محاولات الانتحار و تفكيك الأسرة و تناول المخدرات و ما إلي ذلك و هذا كله لأن التصرفات البشرية ليست نتاج مباشر للجينات و إنما هي نتاج غير مباشر لها . حيث تنتج الجينات المجتمع الذي يطور الثقافة ثم تشكل هذه الثقافة أفكار الأفراد و تؤثر فيهم . (و هو بذلك لم يحل الاشكال لأنه ما كان يفترض أن تنشأ هذه الثقافات من خلال الانتخاب الطبيعي بشكل مباشر او غير مباشر لكن لنتجاوز هذا الأمر الآن ) .
حسنا يا أستاذ بلوم لكن هذا الذي قلته عن الثقافة كان علي سبيل الخروج من المأزق . فأين هو الدليل علي ان هذه الثقافة تشكلها عناصر أولية سلوكية لها أصول جينية و هي متوافقة مع الانتخاب الطبيعي ؟
هنا يبدأ بلوم في اثبات قدر ما من الأخلاق يولد الطفل به  ويثبت ذلك بالتجارب  لكنه طبعا لا يعبر هذه فطرة من الخالق و إنما يعتبرها شيء  محمل جينيا في موروثاتنا و هذا القدر هو التعاطف و حب العدالة و ما إلي ذلك و أننا ورثنا ذلك من  أسلافنا الثديات التي تحتاج إلي التعاطف و تخيل شعور الآخر لكي تتفاعل  الأم مع أبنائها بردود أفعال ملائمة كطور من أطوار التواصل اللغوي و تصور المعاني . (طبعا هذه افتراضات ليس أكثر ) ثم يبدأ في تشويه هذا القدر و اعتباره نفعي أو قائم علي معايير غير أخلاقية لكي يتماشي مع قبح الانتخاب الطبيعي المادي  و ذلك باعتبار الأطفال أنانيين و ظالمين أحيانا .
طبعا هناك ثغرات كثيرة جدا في هذاا لطرح من أول تصميم التجارب مرورا بتفسيرها و انتهاء بتوظيفها في الدفاع الصريح عن وجهة النظر الإلحادية في مقابل الأفكار الدينية .
فالأطفال خلقهم الله علي الفطرة لكن الفطرة ليست كافية وحدها في تقويم الغريزة و لا في اتخاذ قرارات صائبة خصوصا مع أطفال لا يعقلون شيئا . فقد يخاف الطفل من الغريب لأنه لم يألفه  لا لأنه عنصري و قد يعتبر المخالف له فيما يحبه معاد له و يستحق العقاب لسوء تقدير الأمور و ليس لعدوانيته و قد يضعف أمام توزيع غير عادل يأخذ هو فيه القدر الأكبر من الحلوي فيرضي به و لا ينكره لأنه طفل ضعيف الإرادة و ليس لأنه محب للظلم . فهذا كله لا يجعل الأطفال غير أخلاقيين و لا يجعلهم يستحقون عبارة مثل هذه ( Children aren’t just selfish, then, they’re worse ) التي تشعرك بأن بلوم فعلا يحتاج أن يزور طبيب نفسي .
بل إنه يذهب إلي أبعد من ذلك في كتابه الجديد (ضد التعاطف) against empathy
و يعتبر التعاطف صفة معيبة كانت تناسب أسلافنا لكنها لم تعد تناسبنا الآن و ينبغي أن يحل مكانها التعاطف العقلاني المبني علي تحليل المكسب و الخسارة للمجتمع و تحقيق النفع الأكبر له و إلا سوف تكون العواقب كارثية .

أي أن بلوم يري أن التعاطف هو السبب في القرارات الغير عقلانية  (مثل الاهتمام بانقاذ طفل سقط في بئر أكثر من الاهتمام بالاحتباس الحراري ) و أن التعاطف كان السبب في الحروب و الكوارث نتيجة الاستخدام السياسي له 
https://www.theatlantic.com/video/index/474588/why-empathy-is-a-bad-thing/

و لذلك فالتعاطف هو سبب الأفعال السيئة في نظر بلوم و قلة التعاطف كانت السبب في الجريمة في حلقة السفاح التي قدمها الدحيح من قبل .

و بذلك نكون قد خرجنا من حلقات الدحيح بأن التعاطف هو سبب الأفعال الغير أخلاقية علي طريقة بلوم و عدم التعاطف هو سبب الأفعال الغير أخلاقية علي طريقة التوربيني .

و هذه ورقة علمية تقول أن التعاطف ليس سببا في الأحكام الأخلاقية أصلا (لا بالإيجاب و لا بالسلب ) رغم ارتباطه بها و إنما الإرادة  الواعية هي السبب في الأحكام الأخلاقية و ينتج التعاطف  عن تلك الأحكام

https://www.cell.com/trends/cognitive-sciences/fulltext/S1364-6613(08)00251-9

we argue that the current neurological, behavioral, developmental and evolutionary evidence is insufficient to demonstrate that emotion is necessary for making moral judgments. We suggest instead, that the source of moral judgments lies in our causal-intentional psychology; emotion often follows from these judgments, serving a primary role in motivating morally relevant action.

أخيرا فإن طرح بلوم هش جدا سواء في إثبات الأصول التطورية للأخلاق أو في محاولة الرد علي قضية تعارض الأخلاق مع آليات التطور لأن التعاون و الإيثار قضية ضخمة و معضلة حقيقة أمام التطور  و ليست بهذه الصورة الساذجة التي طرحها بلوم . و هي  أيضا عامة جذورها ضاربة في جميع أجزاء المملكة الحية و ليست محصورة في موقف بطولي لويسلي أوتري أو غيره.

تعليقات