الأحد، 1 مارس 2015

هل يمكن أن توجد سلسلة لانهائية فى العالم المادى ؟

بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله
عندما يقدم الفيزيائيون نماذج تتحدث عن فراغ كمى أزلى ينشيء الأكوان كما يحلو له عن طريق التذبذب أو النفق الكمى أو نماذج تتكلم عن زمكان ينشأ من زمكان سابق أو كما ظهر مؤخرا بفرض زمكان أزلى لهذا الكون فكل هذا يطرح سؤال هل يمكن أن يكون هناك وجود لللانهاية فى العالم المادى الفيزيائى ؟هذا السؤال طرح بقوة فى مؤتمر جامعة كامبريدج عام 2013 الذى حضره فيزيائيون وفلاسفة و علماء رياضيات وقد تكون هذه هى خلاصته  بأن  potential infinities والتى هى أحد نوعين اللانهائية والتى تعنى أنك يمكنك أن تقسم الأشياء أو الكميات إلى ما لا نهاية أو تضيف الأشياء إلى ما لا نهاية  , فأما التقسيم فهو تقريبا غير موجودة فى العالم المادى لأن هناك طول بلانك الذى لا يمكنك تقسيم المكان إلى أصغر منه وهناك الكوانتا  الذى لا يمكنك أن تقسم الطاقة إلى أصغر منه وهكذا ففيزياء الكم تجعل لهذا التقسيم اللانهائى الممكن عقلا حدودا فى العالم المادى وأما الإضافة فهى ممكنة مثل المستقبل فمن الممكن أن تضيف له وقتا إلى ما لا نهاية لكن فى مجموع عناصر أو أفراد هذه اللانهاية هو قيمة محددة مثل تقسيم واحد متر إلى عدد لانهائى من المسافات الصغيرة الكسرية كأن تاخذ النصف ثم نصف النص ثم نصف نصف النصف وهكذا إلى ما لانهاية وهذه تعرف الرياضيات باسم Convergent series .  لكن الأهم هو النوع الثانى من اللانهائيات وفقا  لتقسيم أرسطو وهو actual infinities  والتى هى لا نهائية لا يمكن تحديد أطرافها أو معرفة مجموع عناصرها وهى تسمى فى الرياضيات باسم Divergent series كوقت ماضى لانهائى للكون  Infinite regress أو كسلسلة أسباب لا نهائية كحلقات لانهائية  وما أشبه ذلك . وهذا النوع و إن كان بعض الفيزيائيين يأبون إلا أن يتركوا الباب مفتوحا أمامه و يصرون على كونه من الممكنات خصوصا الملاحدة منهم ويقولون أنه لا شيء قاطع يمنعه إلا أنه لا يمكن وجوده فى الواقع فهى
سلسلة مستحيلة واقعيا ومعضلة فندق هلبرت  للرياضياتى الألمانى الشهير ديفيد هلبريت أحد أهم علماء الرياضيات فى القرن العشرين  تبين استحالة وجود اللانهاية فى الواقع الفيزيائى فهذا الفندق لا يمكن أن يوجد فى العالم الحقيقى وكذلك فهو فندق ليس به أى مكان شاغر وفى نفس الوقت يسع عدد لا نهائى من الضيوف الجدد وهى حجة صحيحة رغم كونها تبدو للوهلة الأولى وكان هناك ثمة خدعة فى الأمر فهى تلك النوع من المعضلات التى تسمى  veridical paradox وهذا الفيديو يشرحها بشكل جيد



وهى حجة صحيحة فعالة لأن اللانهاية ليست رقما بل هى فكرة فإذا كنت عاجز عن أن تتعامل معها على كونها رقم فمن باب أولى أنك لن تتمكن يوما من التعامل معها على كونها حقيقة فيزيائية كما ورد فى هذا الرابط  فليس هناك رقم بعد اللانهاية وإنما كل رقم ممكن أن تعده فهو قبلها ولو فرضت كوننا ماضيه لا نهائى فأنت اليوم فى اللحظة رقم 1 بعد اللانهاية وهذا مستحيل كما ورد فى هذا الرابط
وهذه الحجة يستخدمها ويليام كريج  ضمن ما يسميه الحجة الكلامية الكونية والتى تعلمها من المسلمين



فأى سلسلة أو ترابط أزلى لا نهائى لا بداية له لا يمكن أن يوجد  أو يرصد فى العالم الفيزيائى (بل إن افتراض وجودها نفسه ممتنع لأنه يؤدى بك إلى تناقض واضح و هو وصف السلسلة نفسها بأنها نهائية و لانهائية فى نفس الوقت ) ولذلك فإذا كان وجود فندق هلبرت فى الواقع مستحيلا فوجود ماضى لا نهائى لهذا الكون مستحيلا وكذلك  وجود سلسلة أسباب مادية لا نهائية أوجدت هذا الكون فكما يقول هلبرت هنا 
(أن اللانهاية لا يمكن أن توجد فى العالم الواقعى)

The infinite
 is nowhere to be found in reality. It neither exists in nature nor provides a legitimate basis for rational thought....The role that remains for the infinite to play is solely that of an idea
ولذلك  يرفض فيزيائى كبير مثل جورج إليس الذى شارك ستيفين هوكينج فى كتاب

فكرة وجود اللانهاية فى العالم الفيزيائى فيقول فى مقالة نشرها فى ناتشر
حينما انتقد فرضية الأكوان المتعددة اللانهائية أن هلبرت أثبت أن اللانهاية لا يمكن أن توجد فى العالم المادى فستبقى أى نظرية تحدثنا عن سلسلة لانهائية فى الماضى غير قابلة للإختبار لأنها تحدثنا عن شيء لم و لن نرصده فى العالم المادى فى يوم من الأيام وبالتالى فستظل نظرية غير علمية دائما


'' Greene, to his credit, devotes a chapter to the question of whether the multiverse idea is a scientific theory or not. He believes it is, and even supports the extravagant claim that infinities exist — infinite numbers of universes hosting countless galaxies. This leads to well-known paradoxes, such as the infinite repetition of everything because of the finiteness of possibilities. But again, there is no way to test it, because infinity is always beyond reach — and so will not plausibly exist in physical reality, as mathematician David Hilbert argued 
وهذا الكلام كرره فى أبحاث وكتب كثيرة كلها منشورة فى مجلات علمية محكمة هنا وهنا وهنا وهنا وهنا نعم الرياضيات والفيزياء لا تمنعا وجود اللانهائيات ففى الفيزياء توجد لانهائيات فى العالم الفيزيائى مثل ( الكثافة اللانهائية فى مراكز الثقوب السوداء(1) وفى المتفردة التى كانت عند لحظة بداية الكون ومثل الفراغ الكمى(2) و طرح اللانهائيات من بعضها فى نظرية المجال الكمى فيما يعرف بعملية (3)renormalization "انظر التفاصيل أسفل المقال فى الحاشية" ) لكن هذا فى الحقيقة لا يعنى أن هناك دليل على وجود اللانهائيات فى الواقع فهذه اللانهائيات الفيزيائية تعنى عدم اكتمال النظرية أو تعنى الزيادة بدون حدود ولذلك فكثير من الفيزيائين يعتقد أننا سنتخلص من هذه اللانهائيات عندما نمتلك نظرية تدمج الكم مع النظرية النسبية العامة ويتعاملون مع اللانهائيات على أنها نقطة ضعف فى الفيزياء التى نمتلكها اليوم (كتاب لغز اللانهاية)

 و قد قال الفيزيائى الشهير بول ديراك هنا

(أن إزالة اللانهائيات هو التحدى الأهم للفيزياء )
(the most important challenge in physics was “to get rid of infinity.”)
 وقال بول ديفيز هنا
( أن هناك قاعدة فى العلم ليست مكتوبة وهى عندما يكون من المتوقع لأى شيء مشاهد بأن يكون لا نهائى , فهذه تكون علامة يقينية على أن النظرية نفسها بحاجة إلى التعديل )

ولعل السبب الأكبر فى اهتمام الفيزيائيون بنظرية الأوتار على الرغم من أنها نظرية غير قابلة للاختبار هو أنها نظرية لفيزياء الجسيمات خالية من اللانهائيات  فوجود اللانهاية فى الفيزياء يعنى أن الفيزياء بحاجة إلى مزيد من البحث ولا يعنى أن هذا دليلا فيزيائيا يثبت وجود اللانهاية فى العالم الفيزيائى وهناك مثال آخر شبيه جدا بهذا الوضع وهو معضلة الجد 






فالنسبية العامة تسمح بالسفر إلى الماضى ولذلك لو سألت الفيزيائيين عن هذا الأمر أهو ممكنا أم مستحيلا فستكون الإجابة (لا نعلم) لكن بالرغم من ذلك فنحن نعلم أن هذا مستحيل لأن هذا الأمر يترتب عليه أشياء نعلم يقينا أنها مستحيلة كأن تغير فى الماضى شيء أنت أحد نتائجه فيكون هناك نتيجة بدون سبب ولذلك قدم ستيفن هوكينج ورقة علمية يقول فيها (أنه لابد أن يكون فى القوانين الطبيعية شيء يمنع السفر فى الماضى ) فحتى لو كانت الفيزياء اليوم تبيح شيئا ما نتيجة لعدم اكتمال علومنا الفيزيائية فهذا لا يجعل الشيء المستحيل ممكنا أبدا ونفس الأمر ينطبق على فندق هلبرت تماما 
___________________

(1) الثقوب السوداء هى عبارة عن استنتاج نظرى لنظرية النسبية العامة وهى تشوه فى الزمكان حتى تكون الكثافة لانهائية ولكن الحجم محدد وهذا أشبه ما يكون ببوق جبريل Gabriel's Horn



و هذا البوق الإفتراضى يمتد إلى مالانهاية فمساحة سطحه لانهائية و لكن حجمه محدد مما يجعلك قادر على ملئه بالطلاء من الداخل لكنك ستعجز دائما عن طلائه من الخارج لأنه ممتد إلى ما لانهاية فالثقب الأسود الذى تتصوره الفيزياء له نفس هذه الخواص لكننا لم نشاهد فى الحقيقة ثقبا أسودا ولم نشاهد بوق جابريل أيضا.
(2) , (3) البعض يستشهد ببعض البراهين الرياضية و الظواهر الفيزيائية ليثبت أن اللانهاية يمكن أن توجد فى العالم المادى وبالتالى يمكن وصف العالم المادى بالوجود اللانهائى أو الأزلي !!
من ضمن هذه الطرق هو ما قدمه هذا الفيديو فى اثبات أن مجموع سلسلة الأعداد الصحيحة الموجبة إلى إلى ما لانهاية = 12\1 - !!!؟؟؟

بل الأدهى من ذلك أن هذه النتيجة تستخدم فى أدق نظرية علمية على الإطلاق وهى نظرية Quantum electrodynamics  QED التى تصل دقة نتائجها  إلى واحد من 10 تريليون فمجموع سلسلة الأعداد الصحيحة اللانهائية هذا يستخدم بشكل مباشر فى حساب تأثير كازمير أو طاقة الفراغ وفى غيرها فيما يعرف بعملية renormalization أو إعادة التطبيع  فهل هذا يعنى أن الأمر صحيح و أن هناك شيء فيزيائى مادى يمكن وصف وجوده بأنه لانهائى ؟
الجواب هو : لا
لأن renormalization  هى فى الحقيقة عملية تقريبية مشتقة من نظرية الإضطراب Perturbation theory التى هى طرق رياضية للتعامل مع المشاكل التى (لايمكن حلها) بتقديم حلول( تقريبية) لتجاوز المشكلة وليست حلول (حقيقية) فمثلا renormalization فى QED هى اختزال كل الحلول الممكنة اللانهائية فى هذه المساحة الملونة باللون البرتقالى

إلى هذا المسار المحدد المرسوم عليه علامة (X)


وقد انتقد بول ديراك فى صفحة 184 من هذا الكتاب  رضى العلماء بالنتائج الدقيقة وتجاهلهم أن هذا ليس إلا حلال تقريبيا أو احتيال رياضى وأن القيم الصغيرة يمكن التجاوز عنها أما التجاوز عن قيم لانهائية لأننا لا نريد وجودها فهذا ليس له معنى فى الرياضيات
Most physicists are very satisfied with the situation. They say: 'Quantum electrodynamics is a good theory and we do not have to worry about it any more.' I must say that I am very dissatisfied with the situation, because this so-called 'good theory' does involve neglecting infinities which appear in its equations, neglecting them in an arbitrary way. This is just not sensible mathematics. Sensible mathematics involves neglecting a quantity when it is small – not neglecting it just because it is infinitely great and you do not want it!

بل إن فاين مان مؤسس QED نفسه وصف الأمر باللعبة السخيفة و بأن إعادة التطبيع ليس شرعيا من الناحية الرياضية (فى صفحة 128 من هذا الكتاب)

The shell game that we play ... is technically called 'renormalization'. But no matter how clever the word, it is still what I would call a dippy process! Having to resort to such hocus-pocus has prevented us from proving that the theory of quantum electrodynamics is mathematically self-consistent. It's surprising that the theory still hasn't been proved self-consistent one way or the other by now; I suspect that renormalization is not mathematically legitimate.

والآن نعود إلى الفيديو و هذا مقال مفصل لأستاذ مساعد فى الفيزياء بجامعة تشارلوت يبين أن مجموع عناصر أى سلسلة لانهائية  تستخدمه الرياضيات لا يعنى الحصر والمساواة "=" و أن المجموع الذى استخدم فى مجموعة الأعداد الموجبة اللانهائية s3 و الذى استخدم فى مجموعة الأعداد المتذبذبة 2\1= (...1-1+1)=s1 هو طريقة رياضية هندسية للتقريب و ليس على وجه الحقيقة و أن كلمة المجموع فى رياضيات الملانهاية لا تعنى اطلاقا  المفهوم الفطرى لمعنى كلمة '' الجمع'' وإنما الأمر أشبه بمقارنة الأحجام بين مجموعات مختلفة فقد تصف الأشياء بجوار بعضها فتستطيع مقارنتها  رغم أنك لم تعدها أو تحصرها فيما يعرف بطريقةone-to-one correspondence  مثل حبات الحلوى هذه

 و أن هذا لو كان نافعا فى بعض النظريات أو الظواهر الفيزيائية  فإنما لكون هذه الظواهر الفيزيائية تحتوى بطبيعتها على عوامل مجهولة فتكون هذه الطريقة الرياضية التقريبية كنوع من تضمين تلك العوامل المجهولة

First: the “series” 1+2+3+4+\ldots does not have any finite sum in the normal sense of the word “sum.”  Second: there are ways, however, to assign a finite “sum” to such divergent series in a mathematically consistent way, though we stress again that this is not a “sum” in the usual sense of the word.  Third: The generalized sum of a divergent series has use in physics problems, as a way to incorporate unknown damping factors into a problem that seemingly has a divergent solution.  Fourth: the original video does not note any of these points

و هذا مقال فى السينتيفك أمريكان  آخر استشهد بالمقال الذى ذكرته آنفا وبمقالات أخرى تبين خطأ هذ االإدعاء 


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate