عندما تدخل الفيروسات إلى الجسم يكون خط الدفاع الأول فى جهازنا المناعى هو إنتاج الإنترفيرون و الذى يكون دوره فى الحقيقة هو صافرة إنذار وإعلان حظر التجول و الحجر الصحي على مستوى الخلايا فهو يرتبط بمستقبلات خاصة فى الخلايا فتغلق الخلية أبوابها و من ثم تتم محاصرة الفيروس و عزله.
لكن الفيروسات لا تستسلم بهذه السهولة فهى الأخرى تنتج بروتينات و تنشرها في الخلايا المجاورة لترتبط بمستقبلات الإنترفيرون و تغلقها كخطوة استباقية.
و هذا بالطبع إنتاج مكلف بالنسبة للفيروسات و يجب أن يتعاونوا فيه جميعا حتى يأتى بثمرته و التى تصل إلى معدل نمو 16 ضعف بالمقارنة بحالهم إن لم ينتجوا هذا البروتين.
لكن ماذا لو وجدت فصيلة أنانية لا تدفع تلك التكلفة الباهظة الثمن و بالرغم من ذلك تجنى منفعة أن الخلايا من حولها سهلة المنال؟
بالتأكيد سوف تتغلب الفصيلة الأنانية على المتعاونة و تحاصرها حتى تقضى عليها لأنها توفر طاقتها للتكاثر و هذا التكاثر يتم بشكل أسرع لأنها تنسخ عدد أقل من الجينات. لكن بعدما تقضى الفصيلة الأنانية على المتعاونة سوف يحاصرها الإنترفيرون و يقضي عليها الجهاز المناعى فتكون هذه نهاية الفصيلتين جميعا و هذه هى الظاهرة التى تعرف باسم مأساة الموارد المشتركة والتى يمكن أن تكون سبيلا للقضاء على الفيروسات والأوبئة. لأننا نستطيع أن نصنع هذه الفصيلة الأنانية التى هى ضعيفة بالنسبة لنا و قوية بالنسبة للمرض أو الوباء.
الثلاث فيديوهات المرفقة هنا بالمقال هى عينات حقيقية نشرت ضمن هذه الورقة
https://www.nature.com/articles/s41564-019-0379-8
و هى تطبيق لما ذكرته آنفا على فايروس إلتهاب الفم الحويصلى VSV. اللون الأحمر هو الفصيلة الطبيعية wild type و اللون الأخضر هو الفصيلة المعدلة وراثيا أو المتطفرة بعد انتزاع الجين المسؤول عن إنتاج البروتين المثبط للإنترفيرون وسماها الباحثون Δ51.
فى الفيديو الأول يظهر نمو الفصيلة الطبيعية بدون وجود الفصيلة المعدلة. وفى الفيديو الثانى يظهر نمو الفصيلة المعدلة بدون وجود الفصيلة الطبيعية و كما يظهر أنها لا تستطيع الصمود وحدها.
و فى الفيديو الثالث يظهر نمو مختلط بين الفصيلتين تتغلب فيه المعدلةΔ51 على الطبيعية حتى يفنى الجميع و تقع المأساة.
Δ51 functions as a social cheater that takes over the population under conditions of low spatial structure even if this reduces population fitness, leading to a ‘tragedy of the commons’
فهل نستطيع علاج الفيروسات بإصابتهم بتلك الفصائل الأنانية لصنع مأساة موارد داخل مجتمعاتهم؟
وكيف بقي الجميع إذا كانت الأمور بيد الطبيعة و الطبيعة سوف تسير فى اتجاه المأساة و تستقر هناك دائما؟
هذه الورقة الأخرى تعلق على الورقة الأولى و تسأل نفس السؤالين على استحياء أو قل على هروب متعمد من السؤال الثانى.
https://www.nature.com/articles/s41564-019-0463-0
Can we disrupt relatedness to select against cooperation for therapeutic purposes?
Does cooperation break down in natural viral infections, and does this affect disease dynamics?
إذن ما الذى يمنعنا من القضاء على كورونا أو ايبولا أو الإيدز أو غيرها من الفيروسات الخطيرة؟
لا يمنعنا بإذن الله سوى معرفة السلوكيات التعاونية بينهم و هذا مجال حديث فى الميكروبات عموما و فى الفيروسات خصوصا.
فإذا علمنا سلوك تعاونى تكلفته عالية لأحد الفيروس فهذه ستكون نقطة الضعف التى يمكن الدخول منها و القضاء عليه بصنع مأساة موارد فى بيئته.
وصور التعاون فى الفيروسات كثيرة، بعض الفيروسات مثلا تتعاون فى إنتاج إنزيمات لاختراق الخلية، و بعض الفصائل تكون أقوى فى الدخول و الأخرى أقوى فى الخروج فتتعاون الفصيلتان معا فى الهجوم على الخلية الواحدة.
و بعض الفيروسات تتعاون فى تكوين حويصلات تختبئ فيها من الجهاز المناعى و تهاجر فى مجموعات، و بعض الفيروسات التى تهاجم البكتيريا تتعاون فى تنظيم عملية الهجوم فلا تنشط جميعا فتقضي على البكتيريا و لا تخمل جميعا و تترك البكتيريا فى صحة و سعادة و إنما يرسل كل فيروس ينجح فى دخول الخلية رسالة من ببتيد مكون من ستة أحماض أمينية يمكن إعتبارها رسالة قصيرة تقول (لقد حصلت على فريسة) فكلما زاد عدد تلك الرسائل حول الفيروسات الأخرى خملت لأن هذا يعنى أن الفرائس أصبحت قليلة.
و هذا الاكتشاف سموه نظام arbitrium و هى كلمة لاتينية تعنى القرار.
بل إن هناك لغات مماثلة للبكتيريا تعرف بنظام quorum sensing نعرف بعض تفاصيله و نجهل أكثرها لكن يبدو أن الفيروسات تعرف عنه الكثير فهى تتنصت عليه كالجواسيس و تتلاعب بها لصالحها.
و كلما زادت معرفتنا بأسرار هذه العلاقات الإجتماعية بين الميكروبات كلما تمكنا من اختراق تلك المجتمعات.
فبمعرفتنا لهذه السلسلة الصغيرة المكونة من ستة أحماض أمينية يمكننا أن نجعل هذا النوع من الفيروسات الذى تهاجم البكتيريا يبقى خاملا و ذلك إذا وجد هذا الببتيد كثافته عالية من حوله أو ينشط و يقضي على البكتيريا إذا قل تركيز الببتيد بسبب أى مضاد مصنع له أو بسبب فصيلة لا تستقبل و لا ترسل هذه الرسالة.
و هناك أمراض بكتيرية تمت معالجتها فعلا بالفيروسات التى تهاجمها أو ما يعرف بالفاج
https://www.nature.com/articles/d41586-019-01880-6
و لأن وقوع مأساة الموارد هو لازم لآليات التطور (و هذا يقر به الدراونة كما فى هذه الورقة)
Social evolution theory predicts that if multiple genomes infect a cell, one that invests less in cooperative traits such as transcription and invests more in its own replication will be favored, because it will benefit from cooperation without paying as much of the cost (Chao andElena, 2017). This is analogous to the tragedy of the commons in humans, where cooperation breaks down due to selfish interests, even though everyone could do better in the long run by cooperating
https://www.cell.com/cell-host-microbe/fulltext/S1931-3128(17)30401-8?_returnURL=https%3A%2F%2Flinkinghub.elsevier.com%2Fretrieve%2Fpii%2FS1931312817304018%3Fshowall%3Dtrue
فقد علمنا من ذلك أن آليات التطور لا يمكنها تفسير الحياة لأن الحياة استمرت و لم تقضي عليها المآسي المتربصة بها فى كل خطوة.
.
و فى نفس الوقت قد استفدنا من ذلك معرفة خطوات صنع المأساة و يمكننا الآن توظيفها فى الأغراض العلاجية نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا و أن يكشف عنا البلاء.
تعليقات
إرسال تعليق