كيف قلب داروين الحجة علينا و كيف سنقلبها عليه ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :
عندما أذكر نظرية التطور فأنا لا أقصد تطور الكائنات من بعضها البعض و لا أقصد أن الإنسان أصله قرد أو سمكة ولا أقصد من الذي ظهر علي الأرض أولا فكل هذه الأشياء ليست هي جوهر النظرية و لن تقيم النظرية و لن تهدمها و إنما أقصد شيء واحد هو صلب النظرية و أساسها الغير قابل للتفاوض ألا و هو امكانية تفسير وجود الكائنات الحية و استمرارها بآليات مادية بحتة غير واعية (و هذا يبين مدي تناقض دعوي التطور الموجه الذي يجعلها عملية غير واعية و واعية في نفس الوقت) . فهناك آليات مادية بالفعل تؤثر في الكائنات الحية مثل الانتخاب الطبيعي و الطفرات و هي حاكمة في الكائنات الحية  تماما كقوانين الفيزياء الحاكمة في المادة , لكن هل يمكن أن ننسب لهذه القوانين الفيزيائية أو البيولوجية وجود الحياة وخلقها ؟ هذه هي نقطة الجدل بين الإيمان و الإلحاد .
الموضوع :
منذ فجر التاريخ و الحجة علي وجود الخالق قائمة علي عدة أدلة من أهمها دليل الاتقان و الاحكام و الذي يمكن اختصاره في قول 
أن الكائنات الحية تتمتع بخصائص و صلاحيات تمكنها من العيش و تلك الصلاحيات تحتاج إلي صنع و اتقان محكم لكي تتواجد و هذا لا يمكن حصوله إلا بوجود عليم حكيم صنعه و وضع كل شيء في موضعه . 
إذن فحجتنا هي أنه....
هناك احتمالات  و صفات معينة تعطي فوائد للكائنات الحية تجعلها قادرة علي العيش وقد تحققت تلك الفوائد  بسبب أنه تم وضع تلك الاحتمالات  في موضعها بسبب أن هناك عليم اختار  تلك الاحتمالات المعينة التي تحقق وجود المملكة الحية من بين احتمالات أخري لا نهائية مضرة .
فجاء داروين وقلب الحجة فقال :
الطبيعة اختارت احتمالات أو صفات  معينة تحقق وجود المملكة الحية من بين احتمالات أخري لا نهائية  بسبب أن هذه الاحتمالات  تعطي  فائدة أكبر للكائنات الحية  و هذه الفوائد نشأت ابتداء بسبب أنه صادف و جاءت تلك الاحتمالات في موضعها

فداروين جعل الفوائد و الصلاحيات التي يحصلها الكائن الحي هي عيون الانتخاب الطبيعي التي تقوده في الطريق و يكون بذلك صنع إله من الطبيعة العمياء و لم يجادل في أن الكائنات الحية محكمة الصنع و لا انها تتمتع بصلاحيات عظيمة و هذا لم يفهمه جيدا كثير من أنصار التصميم الذكي عندنا و في الغرب حتي الآن للأسف الشديد

إذن الطفرات ستأتي بكل الاحتمالات الممكنة علي امتداد هذا الزمان السحيق  و سيدعم الانتخاب الطبيعي منها ما فيه الفائدة للكائن الحية و سيتتبع الصلاحية و الفائدة أينما حلت أو ارتحلت و نتيجة لذلك ستبقي الفوائد و الصلاحيات في التراكم مما يعني أن المملكة الحية سيزيد تعقيدها و قوتها مع الوقت  وستتخلص دائما من العناصر الأقل كفاءة و الأقل صلاحية كما هو الحال أمامنا في الواقع و بذلك تكون نظرية التطور قدمت تفسيرا كاملا للحياة بدون تدخل من إله عليم حكيم .
و يكون داروين أخرج الطبيعة العمياء من متاهة الاحتمالات اللانهائية و حدد لها مسارا واحدا أو مسارات موازية (adaptation) يمكنها أن تتقدم خلالها و بذلك تتطور الحياة أو كان يمكنها أيضا أن تتطور في مسارات موازية لكن بشرط أن تكون جميعها مسارات موحدة الاتجاه و الذي هو بدوره اتجاه زيادة الصلاحية fitness .

لكن ماذا لو كان الانتخاب الطبيعي يمكن أن يدفع الحياة في اتجاهات "معاكسة" تماما كما يمكن أن يدفها في مسارها الموحد ؟
بل ماذا لو كان هذا الاتجاه المعاكس الذي يدمر الحياة بالكلية بدلا من أن يطورها هو الاتجاه ذو الصلاحية و الفائدة الأكبر دائما ؟ 

لا شك أن هذا يفند حيلة داروين تماما و يعيد الطبيعة إلي حقيقتها بكونها شيء أعمي تائه في احتمالات لانهائية لا يمكنه أن يتقدم خطوة واحدة بل ستكون خطوة التدمير دائما هي الأقرب من خطوة البناء و التطور 

بالفعل يمكن أن تكون الفائدة و الصلاحية الأكبر التي سيختارها الانتخاب الطبيعي هي الصفة التي ستدمر الكائن الحي و المجتمع كله و هذا يعرف باسم معضلة السجين أو مأساة الموارد المشتركة (أتمني الرجوع إلي هذا المقال )
و ما كنت أسعي إليه في هذه الورقة التي لم أستطيع نشرها في مجلة علمية هو تقديم أدلة تجريبية علي هذه الحجة لكي نكون قد قدمنا نظرية علمية قابلة للاختبار تفند نظرية التطور كنظرية مفسرة لوجود الحياة 
و هذه الأدلة التجريبية تتمثل في عكس اتجاه آليات التطور لبيان أنه كان هناك دائما ومازال يوجد احتمالات لانهائية يمكنها تدمير الحياة لكنها  لم تأتي للحياة رغم أن الطفرات كان يجب أن تأتي بها و رغم أن الانتخاب الطبيعي كان يجب أن يختارها و ليس في نظرية التطور أو في أي نظرية مادية بديلة قدرة علي تفادي هذا الأمر أو تفسيره فهو أمر يدل دلالة مباشرة علي عناية الخالق و تقديره و خلقه لكل شيء 
لكنني و إن لم أفلح في نشر تلك الورقة لأنني صرحت بأن هذا يهدم نظرية التطور فإن الدراونة أنفسهم قدموا نفس الفكرة بالضبط و يسعون في تنفيذها تجريبيا (Trojanhorse   و autologous cell defection  )من أجل فوائد علاجية.  و ليس هناك أي فرق بين ما قلته و بين ما قالوه سوي أنني بينت أن تحقق هذا يعد دليلا تجريبيا  يهدم نظرية التطور .

كيف يمكن قلب الحجة علي داروين مرة أخري ؟

في الحقيقة نحن لسنا بحاجة إلي انكار وجود الآليات الطبيعية المؤثرة في الكائنات الحية و لسنا بحاجة للخوض في السيناريوهات الطويلة المتشعبة لظهور الكائنات الحية فجأة أو من بعضها البعض فكل هذا لن يفيد بشيء . و كما أن داروين لم يحتاج إلي انكار وجود الصلاحيات في الكائنات الحية و لا انكار أن كل شيء وضع في موضعه و لا حتي انكار الحاجة لوجود من اختار بين الاحتمالات اللانهائية و لكنه فقط جعله اختيارا غير واعي ثم أعاد ترتيب الحجة , فنحن ايضا يمكننا أن نفعل الشيء نفسه . فإذا كانت الحجة الداروينية تقول  :
الطبيعة اختارت احتمالات أو صفات  معينة تحقق وجود المملكة الحية من بين احتمالات أخري لا نهائية  مضرة بسبب أن هذه الاحتمالات  تعطي  فائدة أكبر للكائنات الحية  و هذه الفوائد نشأت ابتداء بسبب أنه صادف و جاءت تلك الاحتمالات في موضعها

فنحن نقول :

الطبيعة لا يمكن أن تختار احتمالات أو صفات معينة تحقق وجود المملكة الحية من بين احتمالات أخري لا نهائية مضرة بسبب أن هذه الاحتمالات اللانهائية المضرة  المندرجة في سياق مأساة الموارد المشتركة تعطي فائدة أكبر للكائنات الحية و لا يمكن أن يصادف تجنبها دائما بسبب أن الطفرات تطرح دائما احتمالات لانهائية و الانتخاب سيدعم الاحتمالات المضرة لا محالة فإما أنه قد تم وضع كل شيء في موضعه ابتداء و إما أنه لا حياة 

تعليقات