شرح مبسط لمشكلة الإيثار مع الانتخاب الطبيعى

الانتخاب الطبيعى Natural selection له اتجاه واحد لا يمكنه أن يحيد عنه و هو زيادة الصلاحية fitness و التى تقاس بالزيادة أو النقص فى عدد الذرية بسبب امتلاك صفة معينة فالانتخاب الطبيعة تماما كالمطرقة التى تضرب السندان ليرتفع المؤشر فى اتجاه الصلاحية تدريجيا و تراكميا 
فليس هناك أهداف ثابتة ينبغى أن تتجه نحوها لتحقيق الصلاحية الأكبر و إنما فقط عليك أن تحقق أكبرقدر من التكيف adaptation مع ظروفك البيئية و الصفة التى تعينك على ذلك إذا امتلكتها ستزيد من عدد ذريتك الباقية فى الجيل القادم 


 و بمرور الوقت ستختفى الكائنات الغير متكيفة من الحياة و ستبقى فقط الكائنات المتكيفة و ستتراكم الصلاحيات أكثر و أكثر 

 تماما كما أننا لم نعد نرى فى حياتنا اليومية تلك النماذج القديمة من الهواتف النقالة 
فالفواصل الزمانية و المكانية هى التى لعبت هذا الدور الكبير فى اخفاء الصورة الكاملة عنا 

 هذا الذى ذكرته هو المنطق الداروينى و الذى يلعب الانتخاب الطبيعى فيه دور البطل بلا منازع . لكن الانتخاب الطبيعى لا يمكنه أن يدعم صفة تقلل من صلاحية الفرد فى حين أن التعاون يقلل من صلاحية الفرد فعلا  خصوصا الإيثارAltruism الذى لا يكون فيه أى نفع عائد على الفرد الذى يبذله  فهو فى نظر الانتخاب الطبيعى عبارة عن تدمير للنفس self destruction أما التبدل النفعى mutualism  فهذا ليس فيه مشكلة لأن هناك منفعة أو صلاحية مباشرة تعود على الفرد المتصف به direct fitness
 ملحوظة : (قمت بعمل بعض المخططات لتقريب الفكرة )



 و بالرغم من ذلك فالتعاون منتشر جدا فى كل الكائنات الحية بل هو عمود الحياة فى هذه المملكة .
هذه كانت المعضلة الكبرى التى انتبه لها داروين نفسه و قال عنها " اللغز الأكبر " إلى أن جاء هيملتون و جورج برايس بفكرة انتخاب ذوى القربى و التى تنظر إلى الإيثار من وجهة نظر الجينات و ليس من وجهة نظر الفرد فتجعل تضحية الفرد و إيثاره عمل تحرض عليه الجينات لتحصد منافع أكبر لم تكن لتتحقق بدون هذه التضحية الفردية و الذى سيحصد المنافع هى الجينات المتبقية فى الأقارب و التى تشارك هذا الفرد المضحى فى جزء كبير من نفس الجينات . و هكذا ستكون المحصلة هى زيادة فى الصلاحية للمجموعة ككل فيما يعرف بالصلاحية الشاملة inclusive fitness
 حسنا هذا بالفعل يحول الإيثاء إلى سلوك أنانى متوافق مع الانتخاب الطبيعى مما يتيح لهذه الصفة أن تتواجد بفعل الانتخاب الطبيعى لكن هل المشكلة انتهت عند هذا الحد ؟
لا لم تنتهى المشكلة بعد لأن هذا يجعل هناك تفسير لوجود الإيثار ابتداء كما أن هناك تفسير لوجود الأنانية لكن هذا التفسير لا يمكنه أن يفسر استمرار الإيثاء و انتشاره فى ظل المواجهة مع الأنانية و التى هى محسومة لصالح الأنانى الذى يجنى الصلاحية المباشرة و هذا الموقف يعرف بنموذج معضلة السجينthe  prisoner's dilemma  و التى يجب فيها  "دائما" أن يتغلب الأنانى cheater على المتعاون  cooperator

و هذا المعنى هو نفسه معنى مأساة الموارد المشتركة  
 tragedy  of the commons

 و السؤال البسيط الذى يطرح نفسه و الذى لن تجد له إجابة فى الأدبيات الداروينية بل لن تجد منهم من يسمح لك أن تطرحه هو:

 إذا كانت النتيجة الحتمية لمواجهة الأنانى مع المتعاون فى معضلة السجين هى التغلب الدائم للأنانى حتى يزول المتعاون بالكلية و إذا كان التعاون هو أساس الحياة و إذا كان هناك احتمالات لانهائية لهذه المواجهة و إذا كانت آليات التطور ستدعم الأنانى دائما فى هذا النموذج فمن الذى منع وجود هذا الأنانى بالدرجة التى تدمر الحياة و من الذى منع وقوع مأساة الموادر المشتركة المحقق ؟ 

تعليقات