بقلم: أحمد إبراهيم
الملخص
يهدف هذا البحث إلى عرض وتحليل برهان الافتقار السببي
بوصفه معالجة فلسفية عقلية متكاملة لمشكلتين مركزيتين في تاريخ الفكر الإنساني:
1. مشكلة انطباق الفكر مع الواقع
2. برهان وجود الخالق
ينطلق البرهان من يقين ذاتي وجودي لا يقبل الشك، وهو
إدراك الإنسان لذاته بوصفه مفتقرًا إلى أسباب العلم والوجود
فمن هذا الوعي بالافتقار، تتولد بديهتان أساسيتان: أن كل
مفتقر لا يقوم بنفسه بل بغيره، وأن التسلسل اللامتناهي في سلسلة المفتقرين مستحيل،
مما يقتضي بالضرورة وجود غنيٍّ أول قائمٍ بنفسه
وبتحليل مفهوم "الغنى"، يتبين أنه يستلزم
كمال القدرة، وأن هذا الغني المطلق لا يمكن أن يكون فاقدًا للعلم أو الإرادة،
لأن ذلك يؤدي إلى فوضى وجودية تنقض النظام المشاهد في الكون
كما أن تعدد الأغنياء يؤدي إلى تعارض الإرادات، فيثبت أن
الغني المريد واحدٌ بالضرورة، كامل العلم والقدرة والحكمة
يُقدِّم البرهان بذلك جسرًا سببيًا عقلانيًا بين
المعرفة والوجود، فيحلّ مشكلة المطابقة من جذورها، إذ يجعل الافتقار السببي هو الرابط الذي يضمن انطباق الفكر والواقع
في القسم التحليلي المقارن، تمت مقارنة البرهان بمواقف كبار
الفلاسفة من أفلاطون وأرسطو إلى كانط وهيغل وديكارت وابن سينا وبلانتنغا
وقد ظهر أن برهان الافتقار السببي يتميّز بكونه:
* لا يعتمد على الحسّ وحده ولا على الميتافيزيقا التجريدية وحدها
* ويجمع بين البراهين الكوسمولوجية (السببية) والأنطولوجية (الوجودية) والمعرفية في نسق واحد،
* ويقدّم حلاً موحّدًا يربط بين الوعي بالذات وبنية الوجود
النتيجة النهائية:
أن الوعي البشري بجهله وافتقاره هو في ذاته دليلٌ
يقيني على وجود الخالق الغني.
الكلمات
الدلالية:
#برهان_الافتقار_السببي ; #مشكلة_انطباق_الفكر_مع_الواقع ; #وجود_الله ; #اليقين_والشك ; #نظرية_المعرفة
مقدمة
تُعد مشكلة انطباق الفكر مع الواقع من أقدم وأعمق المشكلات
الفلسفية في تاريخ الفكر الإنساني. فالسؤال المحوري الذي طرحه أفلاطون، ثم تبعه به
ديكارت وكانط وهيغل وغيرهم، هو:
كيف نضمن أن ما نُفكِّر فيه مطابق لما هو موجود في الخارج؟
وقد اختلفت الاتجاهات بين من ربط المعرفة بعالم المثل، أو بالعقل، أو
بالحسّ، أو بالبنية الذهنية القبلية، أو حتى بالإيمان والحدس
لكن برهان الافتقار السببي يقدّم معالجة جذرية لهذه المشكلة،
عبر الانطلاق من يقينٍ وجودي مباشر لا يقبل الشك
علم الإنسان بأنه «ذات جاهلة مفتقرة إلى أسباب العلم»، وأن كل مفتقر
يحتاج إلى سبب غنيٍّ يقوم به، مما يقود بالضرورة إلى إثبات وجود غني مطلق هو
الخالق
هذا البرهان لا ينطلق من الحسّ ولا من التجربة ولا من الميتافيزيقا
المجردة، بل من وعي الإنسان بجهله وافتقاره، ومن خلال تحليل منطقي للسببية
ذاتها يصل إلى يقين وجود خالق غني، كليّ القدرة والعلم والإرادة. وبهذا يوفّق بين
المعرفة والوجود في جسر سببي واحد يضمن الانطباق بين الفكر والواقع. وليس المقصود بالانطباق هنا ما يعرف الواقعية
الساذجة, التي تتبني الانطباق التام بين الواقع وما تنقله لنا حواسنا متجاهلة
بذلك تعقيد عملية الإدراك وإمكانية خداع الحواس بالوهم, وإنما المقصود بانطباق
الفكر مع الواقع هنا هو وجود ضمانة لوجود الواقع الخارجي وعمل البديهيات
العقلية (مثل السببية وعدم التناقض) في هذا العالم الخارجي تماما كعملها في الفكر.
يُعَدُّ برهان الافتقار السببي أحد أكثر المحاولات الفلسفية المعاصرة
عمقًا في معالجة إشكالية انطباق الفكر مع الواقع،
يمتاز البرهان بأنه يجمع بين البساطة المنهجية والصرامة المنطقية،
ويقدّم رؤية توحّد بين الإبستمولوجيا (نظرية المعرفة) والأنطولوجيا (نظرية
الوجود) في بناء واحد متسق
أولا: برهان الافتقار السببي
1) كل ذات
عاقلة تدرك يقينًا أنها جاهلة وتحتاج إلى أسباب
للعلم،
⟹ الإنسان يعلم أنه مفتقر
بالأصالة
2) والغنى
يعني أن غياب الأسباب لا يمنع تحقق النتيجة الافتقار يعني أن غياب الأسباب يمنع تحقق النتيجة،
⟹ هناك تمييز
ضروري بين المفتقر والغني
3) كل مفتقر لا يقوم بنفسه، بل يقوم بغيره
⟹ لا يمكن أن تكون سلسلة
المفتقرات قائمة بذاتها، لأنها ستبقى مفتقرة إلى سبب أول غني
4) إذن يجب وجود غني قائم بنفسه لا
يفتقر إلى شيء، وإلا استحال وجود أي شيء
5) الغني يجب أن يكون كلي القدرة, فلو كان محدود القدرة لكان مفتقرا لأسباب مستويات القدرة الأعلى من قدرته
6) هذا الغنى المطلق إن لم يكن عليما مريدا، لكانت قدرته المطلقة عشوائية مدمرة لكل نظام، مما
يناقض الواقع،
⟹ الغني المطلق عليم
مريد حكيم
7) لو كان
هناك أكثر من غني مطلق، لتعارضت الإرادات، فيفسد النظام،
⟹ الغني المريد واحد
ثانيا: شرح خطوات
برهان الافتقار السببي:
الخطوة (1):
أقصى درجات الشك هي إنكار كل معرفة
لنفرض أقصى درجات الشك، حيث ينكر الإنسان كل
معرفة حسية أو عقلية
لكن حتى في هذه الحالة القصوى يبقى هناك يقين واحد لا
يمكن نفيه، وهو أنك تشك، أي أنك تعلم أنك لا تعلم
وهذا يعني أنك تعلم يقينًا أنك ذاتٌ جاهلة مفتقرة إلى
العلم.
فهذه
الحقيقة لا يمكن أن تشكك فيها، لأنك لو كنت عالما بذاتك مستغنيا عن التعلم لتعرف ماهيتك،
لما كان هناك مساحة للشك عندك، ولما كان هناك مجال ممكن لخداعك أصلا. فكل شيء سيكون يقينيا معلوما بالنسبة لك.
تكملة الخطوة (1):
علمك بأنك ذات جاهلة تفتقر إلى أسباب العلم لتتعلم
إدراكك لجهلك يعني أنك تعلم يقينًا أنك تحتاج
إلى أسباب خارجية للعلم (إلى الحواس، التجربة، البرهان، التعليم)
فأنت لست مكتفيًا بذاتك في تحصيل المعرفة، بل مفتقر
في وجودك المعرفي إلى غيرك
إذن أنت ذات مفتقرة بالضرورة.
فما
دمت لا تعلم كل شيء, فأنت تعلم يقينا أنك تجهل الكثير من الأشياء وتحتاج
إلى تحصيل أسباب تعلمها.
الخطوة (2):
إدراكك للفرق بين الافتقار والغنى عن الأسباب
من تأملك في حالك كذات مفتقرة تدرك أيضًا الفرق
بين نوعين من الموجودات:
* المفتقر: غياب الأسباب يمنعه من تحصيل النتيجة (كالعلم أو الوجود)
* الغني: غياب الأسباب لا يمنعه من تحصيل النتيجة
إذن هذا الفرق بين الافتقار والغنى معلوم
بالضرورة، وهو بديهة عقلية ووجودية
فمجرد تصور "المفتقر" و"الغني" يكشف
أن أحدهما لا يقوم إلا بغيره، والآخر قائم بنفسه.
وهذه البديهيات صحيحة وتعمل في العالم الخارجي, بدليل أنك
لم تستطع تحصيل العلوم التي فقدت أسبابها. كما أنك لا تستطيع فعل الأشياء
التي لم تحصل أسباب القدرة عليها.
الخطوة (3,4,5,7):
إدراكك بضرورة وجود غني مريد واحد خلق المفتقرين
الاستدلال
العقلي على وجود الغني:
أولا: لو لم يوجد أي غني قائم بنفسه، لكان الوجود كله
مفتقرًا
لكن المفتقر لا يقوم بنفسه، وسلسلة من المفتقرات لا يمكن
أن تكتمل دون وجود غني يقيمها، وإلا لما وُجد شيء أصلًا
إذن وجود الغني ضرورة عقلية ووجودية، لأن الافتقار
لا يفسر ذاته
ثانيا: لو كان هذا الغني غير مريد (أي قوة عمياء أو
مادة بلا قصد)
لكان تأثيره عشوائيًّا شاملًا في كل زمان ومكان، وهذا
يؤدي إلى "انفجار وجودي" يمنع قيام نظام أو انتظام في الكون.
لكن الواقع منظم ومتمايز، فيثبت أن هذا الغني مريد
عليم حكيم
ثالثا: لو وُجد أكثر من غني، لوقع التضاد بين إراداتهم،
ولانتهى الأمر إما إلى فوضى وجودية أو إلى تغلّب أحدهم
على الآخر، فيبطل الغنى عن الجميع إلا واحدًا
إذن لا بد من غني واحد مريد عليم
تكملة الخطوة (4):
إدراكك بأن هذا الخالق الواحد متصف بالكمال المطلق
النقص في الوجود أو الصفات أو الإرادة لا يكون
إلا نتيجة افتقار إلى سببٍ يكمّله
فمن كان غنيًّا قائمًا بنفسه لا يمكن أن يلحقه نقص، لأن
النقص يقتضي افتقارًا، والافتقار يناقض الغنى
إذن الغني المريد العليم الذي هو سبب وجود كل
مفتقر متصف بالكمال المطلق،
لأن جميع صفاته قائمة به لا بغيره، ولا يحدّه عجز أو نقص
أو احتياج
الخطوة (6): لماذا يجب أن
يكون الغني القائم بنفسه, كلي القدرة؟
القائم بنفسه
يجب أن يكون كلي القدرة، لأن أي محدودية في القدرة تؤدي إلى تناقض مع تعريف القيام
بالنفس
كيف ذلك؟
القائم بنفسه: هو الغني عن
الأسباب في وجوده
القدرة المطلقة: هي الغنى عن
الأسباب في تحصيل النتائج
القدرة المحدودة: هي الافتقار
إلى الأسباب في تحصيل النتائج
وهكذا يكون
محدود القدرة دائما مفتقرا إلى الأسباب، وهذه ليست صفة القائم بنفسه.
لكن قد يقول
قائل: لماذا لا يكون القائم بنفسه غنيا عن أسباب وجوده فقط، لكنه مفتقر إلى أسباب
أخرى، فيكون محدود القدرة رغم قيامه بنفسه, أو يكون هذا طبعه؟
للإجابة على هذا
السؤال نقول: إذا تحققت نتيجة واحدة لشيء ما بدون سبب، فإن هذا الشيء يكون
قادرا على تحقيق جميع النتائج الأخرى بدون أسباب.
فلو منعك غياب
أسباب التفاح من إيجاد التفاح، فأنت مفتقر إلى الأسباب، ولو مكنك وجود
أسباب التفاح من إيجاد التفاح، فأنت أيضا مفتقر إلى الأسباب، محدود القدرة،
تقف قدرتك عند الحد الذي توفرت لك أسبابه.
أما لو لم يمنعك
غياب أسباب التفاح من خلقه، فإن غياب أسباب النجوم والمجرات لن يمنعك من خلقها
أيضا، لأن غياب الأسباب لا يمنعك من تحصيل النتائج.
فإذا كان وجود
القائم بنفسه هو في حد ذاته نتيجة متحققة بدون سبب، وإذا كان ما تحقق من إيجاده
لأي مخلوق قد قدر عليه بدون سبب, فإن غياب
جميع الأسباب الأخرى لا يمنعه من تحصيل جميع النتائج الأخرى، ويكون إذن متصفا
بالقدرة المطلقة.
النتيجة
النهائية
إن وعي الإنسان بجهله وافتقاره يقوده بالضرورة —
عبر مبدأ السببية — إلى الإقرار بوجود خالقٍ واحد غنيٍّ عن الأسباب، كليّ القدرة
والعلم والإرادة، هو مصدر وجود كل مفتقر، وضامن كل معرفة، ومبدأ انطباق الفكر مع
الواقع
ثالثا:
جوهر برهان الافتقار السببي
يقوم البرهان على سلسلة من البديهيات العقلية تبدأ بالوعي بالجهل
وتنتهي بإثبات الغنيّ المطلق:
1. أقصى درجات الشك تكشف يقينًا لا يمكن تجاوزه: أن الإنسان ذات جاهلة تفتقر إلى أسباب العلم كي تعلم
2. هذا الوعي بالافتقار يُمكِّن العقل من التمييز بين المفتقر والغنيّ عن الأسباب، وهو فرق وجودي لا ذهني فقط
3. ومن هذا التمييز يُدرك العقل أن كل مفتقر لا يمكن أن يقوم بنفسه، بل يعتمد على غيره،
وبالتالي لا بد في نهاية السلسلة من وجود غنيٍّ قائمٍ بنفسه لا
يفتقر إلى شيء
(أ): الغنى والقدرة المطلقة
يوضح البرهان أن الغنيّ القائم بنفسه يجب أن يكون كليّ القدرة،
لأن أي محدودية في القدرة تعني افتقارًا، والافتقار يناقض الغنى الذاتي
فمن كان وجوده غير معتمد على سبب، يستحيل أن تكون أفعاله أو صفاته
معتمدة على أسباب
وبالتالي فهو كامل و قادر على كل شيء.
(ب):
من القدرة إلى
الإرادة والعلم
ثم ينتقل البرهان خطوة أعمق فيقول:
لو كانت هناك قوة مطلقة بلا علم ولا إرادة، لأنتجت كل الممكنات
دفعة واحدة وبشكل عشوائي — أي انفجار وجودي شامل
وهذا يناقض ما نراه من انتظام كوني وقوانين دقيقة
إذن لا بد أن تكون القدرة المطلقة منضبطة بإرادةٍ مخصصةٍ وعلمٍ
موجهٍ
فالخالق القائم بنفسه هو:
* كليّ القدرة (لأنه غنيّ عن الأسباب)
* كليّ العلم (لأن النظام لا ينتظم إلا بمعرفةٍ دقيقةٍ بحدود التأثير)
* مريد (لأن التخصيص والاختيار يستلزمان إرادة)
(ج): التوحيد كضرورة عقلية
إذا تعددت الإرادات المطلقة لتعددت توجيهات الفعل وتعارضت، ولوقع نفس
الفساد الذي يقع مع غياب الإرادة
إذن فالتوحيد نفسه ضرورة منطقية لضمان الاتساق الكوني
فالغنيّ القائم بنفسه، الكليّ القدرة، العليم، المريد، لا بد أن يكون
واحدًا
رابعا: معالجة مشكلة انطباق الفكر مع الواقع
تكمن أهمية هذا البرهان في أنه لا يفترض انطباق الفكر مع الواقع كمسلمة،
بل يبرهن عليها من داخل الوعي بالافتقار نفسه
فحين يدرك الإنسان أنه يفتقر إلى أسباب العلم، يعلم بالضرورة أن هذا الافتقار يعني أن غياب الأسباب يمنع من تحقق النتائج. وهذه الحقيقة ستظل صحيحة وموضوعية ومستقلة عنا، لأن العلم بها أو الشك فيها كليهما يؤكدان صحة تلك الحقيقة بالدرجة نفسها.
إذن:
فإن انطباق الفكر مع الواقع يصبح ضرورة لا يمكن الشك فيها
وبهذا، يتحول مبدأ السببية من مجرد أداة معرفية إلى جسر أنطولوجي يربط
الذات العارفة بالعالم الخارجي،
ويجعل المعرفة البشرية انعكاسًا لنظام سببي موضوعي.
خامسا: التقييم
الفلسفي لبرهان الافتقار السببي
يمتاز
هذا البرهان بعدة خصائص تجعله فريدًا في تاريخ الفكر العقلي
1. يبدأ من يقين ذاتي لا يمكن الشك فيه: الوعي بالجهل والافتقار, (ولا يبدأ من فرضيات نظرية أو من
تصورات حسية)
2.يجعل السببية مبدأ فطريًّا واقعيًّا، لا مجرّد عادة ذهنية كما عند هيوم
3.يوحّد بين المعرفة والوجود والإلهيات في منظومة واحدة متسقة
4.يربط الصفات الإلهية بالنظام الكوني ربطًا منطقيًا لا إيمانيًا.
5 .يقدّم تفسيرًا جذريًا لانطباق الفكر مع الواقع، لأنه يلمس تحقق البديهيات في الواقع الخارجي.
6. يتجاوز الثنائية القديمة بين المثالية والواقعية بتأسيس معرفة واقعية من داخل الذات الواعية نفسها
سادسا: مقارنة تحليلية بين برهان الافتقار السببي ومقاربات الفلاسفة
لمشكلة الانطباق
الفيلسوف
/ المذهب |
المنطلق
الأساسي |
أداة
حل مشكلة الانطباق |
الضامن
لانطباق الفكر مع الواقع |
الملاحظات
النقدية |
برهان
الافتقار السببي |
الوعي
اليقيني بالافتقار الذاتي والجهل |
السببية
بوصفها بداهة عقلية ووجودية |
استحالة
الشك في أننا ذوات جاهلة, "يمنعها غياب أسباب العلم عن تحصيله". |
يبدأ من يقينٍ وجوديٍّ مباشر (وعي الذات
بافتقارها) ويبرهن على الواقع الخارجي والخالق معًا، دون افتراض التطابق المسبق بين
الفكرة والوجود. يثبت
وجود خالق قائم بنفسه واحد, متصف بكمال الإرادة والقدرة والعلم والحكمة, ومتصف
بالكمال في سائر صفاته وأفعاله. يقدّم
حلًا موحّدًا وجذريًا لمشكلة الانطباق. |
أفلاطون |
النفس
تعرف الحقائق بتذكّر المثل |
التذكّر
(أنامنسيس) |
عالم
المثل الأزلي الكامل |
يفصل
بين الفكر والواقع المحسوس، فالتطابق عنده بين العقل والمثل لا بين الفكر
والعالم المادي. |
أرسطو |
الفكر
يُدرك الصورة الكلية في الأشياء |
التجريد
العقلي |
العقل
الفعّال |
جعل
الفكر والواقع متطابقين من حيث الصورة، لكنه لم يفسّر الضمان الميتافيزيقي لذلك
التطابق. |
ابن
سينا |
تحليل الممكّن والواجب |
برهان الإمكان والواجب (العلّية والضرورة
الميتافيزيقية)) |
واجب الوجود (كيان بسيط، واحد، كامل) |
جعل الوجود الواجب نتيجة تحليلٍ ميتافيزيقيٍّ
للممكن، دون أن يقدّم ضمانًا إبستمولوجيًّا لتطابق هذا التحليل مع الواقع الخارجي. |
الغزالي |
الشك
في المحسوسات والعقليات |
النور
الإلهي كشرط للمعرفة |
الله
نور يُفيض اليقين على القلب |
الحل
إشراقي لا سببي؛ يجعل المعرفة هبة إلهية مباشرة بلا بنية عقلية. |
ابن
تيمية |
الفطرة
والبداهة العقلية |
تصديق
الفطرة المباشر بالواقع والسببية |
الله
الذي فطر الإنسان على تصديق الحواس والعقل |
قريب
من البرهان لكنه يبدأ من الفطرة لا من تجربة الافتقار الذاتي. |
ديكارت |
الشك
المطلق و"الأنا المفكر" |
مبدأ
السببية (فكرة الكمال لا تصدر عن الناقص) |
الله
الكامل الضامن لصدق الإدراك |
مشابه
في نقطة الانطلاق لكنه انحرف عن المسار الصحيح, فظل عقليًا تجريديًا دون تحويل
الافتقار إلى برهان وجودي. |
ليبنتز |
مبادئ
العقل (الهوية والسبب الكافي) |
الانسجام
المسبق بين الجواهر (المونادات) |
الله
الذي رتّب العالم بانسجام مسبق |
السببية
عنده شكلية (تناغم لا تأثير مباشر)؛ يفتقد بُعد الوعي الذاتي. |
سبينوزا |
الله
= الطبيعة |
التطابق
بين الفكر والامتداد كحالين لجوهر واحد |
الجوهر
الواحد (الله/الطبيعة) |
حل
تسبب في مشكلة أكبر, لأنه يذيب التمييز بين الفكر والواقع؛ لا مكان للحرية أو
السببية الشخصية. |
هيوم |
التجربة
الحسية وحدها |
عادة
الربط الذهني بين الظواهر |
لا
يوجد ضمان ميتافيزيقي |
يهدم
السببية فيفقد إمكانية التطابق أصلًا. |
كانط |
الوعي
الموحّد بالتجربة |
مقولات
العقل القبلية (مثل السببية) |
النظام
العقلي نفسه |
التطابق
محصور داخل التجربة ولا يمتد إلى “الشيء في ذاته”. |
هيغل |
الفكر
هو الوجود المطلق في تطوره |
الجدل
المنطقي |
"العقل المطلق" الذي يتعيّن في التاريخ |
يجعل
التطابق حركة ذاتية داخل الفكر نفسه دون واقع مستقل. |
كيركغارد |
الوعي
باليأس والافتقار |
القفزة
الإيمانية |
الله
الذي يُستعاد بالإيمان لا بالبرهان |
يشترك
في فكرة الافتقار لكنه وجودي شخصي لا برهاني عقلي. |
غابرييل
مارسيل |
الشعور
بالحاجة إلى الآخر |
الحضور
الوجودي المتبادل |
الله
كضامن للحضور والمعنى |
يعالج
التطابق بالانخراط الوجودي لا بالاستدلال السببي. |
هايدغر |
انكشاف
الوجود للإنسان (الدازاين) |
الفهم
الوجودي (الانفتاح على الكينونة) |
الوجود
نفسه كـ"حقيقة" لا كموضوع |
يتجاوز
المفهوم الكلاسيكي للمطابقة لكنه لا يقدّم ضمانًا يقينيًا للمعرفة. |
هنري
برغسون |
الحدس
كاتصال مباشر بالواقع |
الحدس
مقابل التحليل العقلي |
تدفق
الحياة |
يرفض
السببية العقلية فيخسر الصرامة البرهانية. |
ألفين
بلانتنغا |
الإيمان
المبرَّر فطريًا |
الوظائف
المعرفية السليمة التي خلقها الله |
الله
الذي يضمن عمل ملكاتنا العقلية |
الله
ضامنًا للفكر، لكن بمنهج لاهوتي لا سببي برهاني. |
أنسلم |
مفهوم "الكائن الذي لا يُتصوَّر
أعظم منه" |
الاستدلال الأنطولوجي العقلي: من فكرة
الكمال الذهني إلى ضرورة الوجود الواقعي |
مطابقة المفهوم العقلي للكمال للوجود
الحقيقي |
يربط الوجود بالمفهوم العقلي لا بالواقع
التجريبي؛ يعتمد على انتقالٍ غير مبرَّر من الفكر إلى الوجود. |
الخاتمة
يُعد برهان الافتقار السببي صيغة فلسفية متكاملة تُعيد للعقل
الفلسفي توازنه بين الوعي الذاتي والإدراك الكوني
فهو يبدأ من الإنسان وينتهي إلى الله،
ومن الجهل إلى العلم،
ومن الافتقار إلى الغنى المطلق
إنه لا يبرهن فقط على وجود خالق قائم بنفسه،
بل يبرهن أيضًا على كمال صفاته, وكذلك يبرهن أن بديهة
السببية لا يمكن تخلفها في الواقع الخارجي.
وبذلك يقدّم برهان الافتقار السببي حلاً جذريًا
لإشكالية المعرفة القديمة،
ويجمع بين برهان الوجود وبرهان النظام في هيكل فلسفي
واحد منسجم ومنطقي.
نفس النتيجة اللى وصل ليها الملا صدرا الدين الشيرازى (1572-1641م)
ردحذفلا هناك فروق جوهرية بينهما
حذف1- برهان ابن سينا -ومن تابعه- هو برهان أنطولوجي ينطلق من مسلمة انطباق الفكر مع الواقع ولا يقدم ضمانة لإثباتها.
2- برهان ابن سينا يقف عن اثبات وجوب وجود مبهم ولا يطرد الدليل على وجوب الكمال في صفات العلم والقدرة والحكمة وسائر الصفات.
في حين أن برهان الافتقار السببي ينجح في تجاوز تلك العقبات