الرد على إدعاء نشوء الحياة من بوليمرات كيميائية

لئلا تخدعك هذه الأخبار المغلوطة أو يضللك مروجوها، اقرأ هذا المنشور بعناية حتى نهايته، وإذا استعصى عليك فهم أي شيء منه، فاسألني عنه في التعليقات.
نشرت إحدى الصفحات الداروينية منشورًا يحتوي على معلومات مغلوطة وتضليل.

وحقيقة الأمر ليست كما يُصوَّر بأن الدنيا قد انقلبت بسبب هذه الدراسة، ولا البوليمرات اكتسبت سمات الحياة مثل النمو أو الأيض أو التكاثر. كما أنها لم تتطور بوضوح عبر الزمن، ولا يوجد انتخاب طبيعي في هذه الدراسة أصلًا - بل في دراسة أخرى لنفس فريق العمل سأشير إليها لاحقًا - ولا تشكل هذه الدراسة دليلًا على نشأة الحياة على الأرض من بوليمرات كيميائية.
---- مثال توضيحي (قطع المغناطيس المطاطية)-----
قبل أن أشرح تجربة فريق هارفارد المذكورة (1)، سأقدم مثالًا مبسطًا يتطابق مع فكرتهم الأساسية:
افترض أن لديك عددًا كبيرًا من القطع المغناطيسية، وكل قطعة منها مزودة على جانبيها بنصف كرة من المطاط. ثم بدأت ترمي هذه القطع واحدة تلو الأخرى داخل صندوق خشبي كبير. فماذا تتوقع أن يحدث؟
كل قطعة ترميها داخل الصندوق إما أن تستقر على أرضيته أو ترتطم بأخرى. هذا الارتطام إما أن يحدث بين قطبين مختلفين فينتج عنه تجاذب بين القطعتين، أو بين قطبين متماثلين فينتج عنه تنافرهما، أو يصادف نصف الكرة المطاطية لإحدى القطعتين أو كلتيهما فينتج عنه إعادة توجيه القطعة.
مع استمرار رمي القطع المغناطيسية، ستبدأ القطع المتراكمة في بناء هياكل مختلفة الأشكال. ستستمر هذه الهياكل في النمو حتى تتسبب بعض التصادمات في تحريك بعض الأقطاب داخلها، فيحدث تنافر داخلي يؤدي إلى تبعثر بعض القطع أو انفصال بعض الأجزاء من الهيكل. ثم تتراكم القطع الجديدة فوق هذه الأجزاء المنفصلة لتكوّن هياكل جديدة.
لكن ماذا لو قلت لك إن هذه القطع المغناطيسية تنمو وتتكاثر وتنقل صفاتها الوراثية من جيل إلى آخر؟ هل ستعتبرني عاقلًا؟
بالطبع لا، لأن هذا ادعاء لا أساس له.
ما يحدث للقطع المغناطيسية لا يمت للتكاثر أو النمو الوظيفي بصلة، بل هو مجرد تراكم وحدات البناء، ثم انفصال، ثم إعادة تراكم. وحتى لو حملت الأجزاء المنفصلة بعض المعلومات البنيوية، كأن تنفصل قطعتان على شكل حرف (ت) بالإنجليزية عن أحد الهياكل ثم تنضما إلى هيكل آخر أو تؤسسا هيكلًا جديدًا، فهذا لا يرتبط بالوراثة الجينية أو انتقال المعلومات البيولوجية. ولا يمكن لأي عاقل أن يعتبر حرف (ت) نوعًا من الأبواغ التي تحمل معلومات وراثية، أو يعتبر الهيكل الذي انفصل عنه بمثابة الأبوين، والهيكل الجديد بمثابة الذرية.
نعم، هناك قدر من التشابه في المفاهيم العامة يجعل تجربة القطع المغناطيسية تقدم محاكاة فيزيائية غير حيوية للنمو والتكاثر الوراثي. لكن هذا لا يبرر الادعاء بأن هذه القطع تنمو أو تتكاثر، أو الادعاء بأننا قدمنا دليلًا على نشأة الحياة على الأرض من القطع المغناطيسية.

----تجربة فريق هارفارد-----

والآن ننتقل إلى تجربة فريق هارفارد، التي لا تختلف جوهريًا عن تجربة القطع المغناطيسية التي قدمتها. يكفي أن تستبدل:
1· القطع المغناطيسية بالمونومرات (مركبات كيميائية تشبه لبنات البناء).
2· الأعمدة المغناطيسية المتصلة بالبوليمرات (هياكل كيميائية تنتج عن تفاعل وتشابك المونومرات).
3· وجود قطبين لكل قطعة مغناطيسية بوجود جانب محب للماء وآخر كاره للماء في الأمفيفيلات (تُنتَج الأمفيفيلات من البوليمرات باستخدام تقنيات PISA وRAFT).
4· تجمع الأعمدة المغناطيسية على شكل هياكل بالحويصلة (التفاف الأمفيفيلات على شكل كرة مغلقة تحتوي على سوائل).
5· الأعمدة الصغيرة المنفصلة عن الهياكل التي تحمل نمطًا بنيويًا (حرف (ت) مثلًا) إلى هيكل جديد بالأمفيفيلات.
6· طاقة الحركة الناتجة عن رمي القطع داخل الصندوق بطاقة الضوء الأخضر الذي يحفز البلمرة لتتكون الأمفيفيلات.
وبالتالي نستنتج:
1· إذا كان تكوّن البوليمرات والحويصلات يُعتبر نموًا في المحاكاة الكيميائية، فإن تكوّن الأعمدة والهياكل المغناطيسية يُعتبر كذلك في المحاكاة الفيزيائية.
2· وإذا كان تزايد الضغط داخل الحويصلات، الذي يؤدي إلى "تسريب" بعض الأمفيفيلات، يُعتبر تكاثرًا وراثيًا في المحاكاة الكيميائية، فإن التنافر الذي يؤدي إلى انفصال بعض القطع المغناطيسية عن الهياكل يُعتبر كذلك في المحاكاة الفيزيائية.

---- الخاتمة----

1· لم يُذكر الأيض في الدراسة (التغيرات الكيميائية المذكورة كانت مقتصرة على الضوء المحفز والمركبات الحساسة له).
2· لا وجود لنمو حقيقي في الدراسة، وإذا اعتبرنا البلمرة نموًا، فعلينا أيضًا أن نعتبر تكتل بلورات ملح الطعام نموًا، أو خروج أعمدة الألمنيوم بعد وضع قطرة الزئبق عليها



أو خروج ثعبان فرعون بعد تسخين ثيوسيانات الزئبق


لكن لا أحد يعتبر شيئًا من هذه الظواهر الكيميائية نموًا.

3· لا وجود لتكاثر حقيقي ولا لنقل معلومات وراثية مشفرة، بل مجرد معلومات فيزيائية وكيميائية بنيوية. ولذلك، عندما أراد الفريق اختبار آلية الانتخاب الطبيعي على هذا النظام الكيميائي، لجأوا قبل عامين إلى تصميم تجربة أخرى (2) تتضمن ميزة انتخابية لنوع من المركبات على الآخر، بدلًا من اعتماد طريقة تعتمد على وجود وراثة لصفات متغيرة يعمل عليها الانتخاب الطبيعي.
4· لا تُعتبر هذه الدراسة دليلًا على نشأة الحياة على الأرض من بوليمرات حملتها النيازك، لأنها مجرد محاكاة كيميائية للمفهوم العام للتكاثر. ويمكن محاكاة هذا المفهوم فيزيائيًا (كما في قطع المغناطيس المطاطية) دون أن يُعد ذلك دليلًا على أصل الحياة الفيزيائي، أو حاسوبيًا (في نماذج رياضية وحاسوبية) دون أن يُعد دليلًا على أصل الحياة الحاسوبي، وهكذا.

تعليقات