يقول كارل بوبر في كتابه (المجتمع المفتوح وأعداؤه):
"أعتقد أنه يمكن تلخيص تطور الفكر منذ أرسطو بالقول إن كل فرع معرفي، ما دام يستخدم المنهج الأرسطي في التعريف، ظل حبيس حالة من العبث والمنهجية المدرسية العقيمة، وأن مدى تقدم العلوم المختلفة يتوقف على مدى قدرتها على التخلص من هذا المنهج الجوهري."
وهنا ينتقد كارل بوبر المنطق الأرسطي من زاوية النزعة الجوهرية أو الماهوية. فقد اعتقد أفلاطون ومن بعده أرسطو أن هناك طبيعة ذاتية للأشياء لا يكون الشيء هو نفسه إلا بها، وأن الذاتي لا يُعلل لأنه جوهر الشيء، بينما العرضي يُعلل بعلل خارجة عن الشيء. ولذلك، لم يطلب أرسطو تفسيراً سببياً أعمق لسقوط الحجر مثلاً، لأن الحجر ثقيل، والشيء الثقيل يميل بطبيعته إلى التحرك باتجاه مركز الكون - الذي ظنه أرسطو مركز الأرض. فالحجر لا يكون إلا متحركاً للأسفل وفقاً لطبيعته، فإذا تحرك للأعلى أو يميناً أو يساراً، فلابد أن يكون هناك مؤثر خارجي يحركه. وإذا توقف تأثير هذا المؤثر، فسوف تتوقف حركة الحجر فوراً. كما ظن أرسطو أننا لو ألقينا حجراً وريشة من مكان مرتفع، فإن الحجر سيسقط أولاً لأنه أثقل. وكل هذه الأوهام -الناتجة عن النزعة الجوهرية الأرسطية- تبددت تماماً مع ثورة غاليليو-نيوتن العلمية حول العطالة والجاذبية. فاتضح أن سقوط الحجر للأسفل ليس بسبب طبيعته الذاتية، بل لوجود قانون الجاذبية، الذي تمكنا من وصفه علمياً وتوقع تأثيره بدقة من خلال المعادلات الرياضية. فعلمنا أين يسقط الحجر، وكيف يسقط، ولماذا يسقط أو يسبح في الفضاء دون أن يسقط للأسفل. كما علمنا أن توقف السبب الخارجي المحرك للحجر لن يجعله يتوقف ما لم توجد قوة احتكاك تؤثر عليه. وعلمنا أيضاً أنه لو ألقينا حجراً وريشة من مكان مرتفع دون مقاومة الهواء، فسوف يصلا إلى الأرض في الوقت نفسه. شاهدوا ذلك بأنفسكم:
لا يفترض أن يصدمكم شيء مما ذكرته هنا، فهو معروف جيداً منذ القرن السابع عشر الميلادي. أما إذا كنت من محبي الفلسفة وعلم الكلام وما زلت تتبنى الجوهرية الأرسطية وتعتقد أن "الذاتي لا يُعلل" لأن المناطقة أقروا بهذه القاعدة، فأتمنى أن تتجاوز هذا المنشور بسلام حتى يظهر في عالمك الموازي شاب إيطالي يُدعى غاليليو غاليلي.
تعليقات
إرسال تعليق