خبر جديد منتشر عن اندماج نوعين من الأحياء ليصيروا بذلك نوعا واحدا! فهل هذا تطور أم ماذا؟



القصة بدأت برصد علاقة تعاون وتعايش داخلي بين نوع من أنواع البكتيريا الزرقاء ونوع من أنواع الطحالب البحرية 

ومثل هذه العلاقات التعاونية كثيرة ومنتشرة وغالبا ما تحتاج الطحالب لمصدر يمدها بالنيتروجين لتتمكن من عملية البناء الضوئي فتتعاون مع كائن آخر يوفر لها النيتروجين وهذا ما تقوم به البكتيريا الزرقاء هنا لأنها تثبت النيتروجين الجوي وتحوله لأمونيا يمكن للطحالب الاستفادة منها 

وفي المقابل تحصل البكتيريا على غذائها من داخل خلايا الطحالب وحتى هذه النقطة لا توجد مشكلة.

 

لكن المشكلة أن العلاقة أكثر تعقيدا من ذلك فالبكتيريا عندما تدخل إلى خلية الطحالب تفقد الكثير من حمضها الوراثي وتعتمد في نصف بروتيناتها على بروتينات تنتجها لها الطحالب كما أنها تنقسم فقط أثناء انقسام خلايا الطحالب مما جعل العلماء يتساءلون هل هذه علاقة تعايش فقط أم أنه يمكن اعتبارها اندماج بين كائنين وتكون البكتيريا هنا قد تحولت من كائن مستقل لعضية (تصغير عضو) داخل خلية الطحلب؟(1)


وطبعا هذا التساؤل لا يقدم ولا يؤخر شيء ولا محل له من الإعراب لولا النزعة التطورية ومحاولة الانتصار لفرضية مسبقة تقول إننا سنشاهد علامات أمامنا لتطور الكائنات الحية تقع هنا أو هناك. 


وبدلا من طرح الأسئلة الضرورية هنا حول معضلة التعاون وكيف تطور كل من البكتيريا والطحالب وحدهما قبل أن يحدث هذا التعايش والتوافق الجيني؟ وكيف حدث هذا التوافق ذو الخطوات المتعددة والمعقدة أصلا؟ وكيف استمر هذا التعايش رغم وجود احتمالات لانهائية لظهور فصائل أنانية من الطرفين تستفيد من تعاون الطرف الآخر وتنتشر على حسابه بدون أن تدفع التكلفة التي ينبغي عليها دفعها مما يؤدي إلى مأساة الموارد وانتهار النظام؟ 


يغضون الطرف عن كل ذلك ويسألون هل البكتيريا تظل كائن متعايش أم أنها عضية؟ 😀


وبالرغم من أنه سؤال تصنيفي جدلي لا فائدة منه سوى الانتصار للعقيدة الداروينية إلا أنه فعلا لا دليل فيما قدموه على أنها عضية ولولا أنها حالة تعايش بين خلية بدائية النواة وخلية حقيقية النواة لظل الأمر واضح على أنها حالة تعايش عادية ويوجد الكثير مثلها. وسوف أضرب مثلين تحقق فيهما نفس الشروط تقريبا التي اعتبروها معيارية للحكم بأن هذه حالة تطور واندماج بين نوعين وليست حالة تعايش:


1- الطحالب والسلمندر المنقط (2)

وهذه احدى الأمثلة التي سأعرضها بتفصيل أكثر في الحلقة التاسعة من سلسلة #معضلة_داروين_الأخيرة

وهنا تعتمد الطحالب على أجنة السلمندر كمصدر للنيتروجين وذلك أثناء تكون الأجنة داخل كتل هلامية شفافة تسمح للطحالب بالبناء الضوئي لكن حين يكتمل نمو السلمندر ويغادر تلك البيوض الهلامية تخرج معه الطحالب وتندمج في أنسجة جسمه الداخلية حيث لا ضوء ولا بناء ضوئي وحينها تغير من تركيبها الجيني ومن وظائفها الحيوية وتسلك سوك جديد كأنها خلية من خلايا السلمندر وتظل هكذا إلى أن يحين وقت التزاوج فتخرج إلى الكتل الهلامية من جديد وتعود طحالب كما كانت 

فهذه حالة تعايش حصل فيها تحول في التركيب الجيني وفي الوظائف الحيوية وحصل اندماج لكن لأن هذه طحالب وهذا سلمندر فلن يستطيع أحد أن يقول لك أنهما اندمجا في نوع واحد أو أن الطحالب صارت جزء من جسم السلمندر


2- سمكة الشيطان أو سمكة أبو الشص (3)

فأنثى سمكة الشيطان هي سيدة العلاقات التوكسيك 

فالذكر يذوب فيها حرفيا (معلش مقاييس الجمال مختلفة شوية عند السمك) 😄 فيتعلق بها ويبدأ في فقد عينيه وزعانفه وجهازه الهضمي وكثير من جيناته إلى أن يتحول إلى زائدة لحمية أو نتوء. وبذلك يكون قد حصل اندماج غير قابل للانفصال بين كائنين صاحبه حصول تغير جيني ومورفولوجي ومع ذلك فلا يمكن أيضا اعتبار هذا تطور أو ظهور لنوع جديد من سمك الشيطان يكون ذكر وأنثى معا.

وإنما تظل هذه طرق للتعايش أو ربما التضحية والتعاون بين الكائنات الحية لحفظ أنواعها.



تعليقات