معيار التفريق بين أهل البدع وبين من وافق المبتدعة وهو من أهل السنة

 بمناسبة الكلام عن الأئمة النووي وأبى حنيفة وابن حجر وابن خزيمة وغيرهم..

هناك فرق كبير بين أهل البدع وبين من وافق المبتدعة في قول ما وهو من أهل السنة والجماعة وهذا الفرق يتجلى من خلال ما نبه عليه الأخ تميم القاضي في كتاب صناعة التفكير العقدي من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأدلة الاعتمادية والاعتضادية (وَأَهْلُ الْبِدَعِ سَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ ابْتَدَعُوهَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا وَلَا يَذْكُرُونَ الْحَدِيثَ، بَلْ وَلَا الْقُرْآنَ، فِي أُصُولِهِمْ إِلَّا ‌لِلِاعْتِضَادِ ‌لَا ‌لِلِاعْتِمَادِ). 

 فالمعتزلة حكموا باستحالة الرؤية بناء على أصولهم الكلامية وليس لخلاف لغوي في تفسير آية (لَن تَرَانِي) وآية (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ)

وفكرة الكلام النفسي لم تنشأ عند الأشاعرة استنادا لقوله تعالي (وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ) وإنما هذا كله مستند إلى تقديم العقل على النقل وجعلهم دلالة الأول قطعية دائما والثاني ظنية دائما كما يقول الرازي (فثبت أن التمسك بالأدلة النقلية مبني على مقدمات ظنية والمبني على الظني ظني وذلك لا شك فيه ‌فالتمسك ‌بالدلائل ‌النقلية ‌لا ‌يفيد ‌إلا ‌الظن).

وكما ينقل القاضي عبد الجبار عن الجبائي: (إن سائر ما ورد به القرآن في التوحيد والعدل ورد مؤكّدا لما في العقول. فأمّا ان يكون دليلا بنفسه يمكن الاستدلال به ابتداء فمحال). 

فتقديمهم لهذه الأصول المنهجية هو الذي لم يجعل الخلاف معهم سائغا داخل أهل السنة والجماعة.

المشكلةهنا ليست في وجود عقليات أو علوم تجريبية نشأت خارج البيت الشرعي وانطلقت من عقول وثنية أو ملحدة ثم تم توظيفها لنصرة العقائد الإسلامية

لأننا نقبل الحق وإن كان مصدره الشيطان نفسه كما جاء في الأثر عن أبي هريرة

لكن المشكلة تكمن في الإغترار بمصدر معين واستعظامه في مقابل الشرع الذي من حقه التقديم والرفعة على غيره من علوم البشر

فالحكم الصائب الذي انتصر له ابن تيمية وغيره هو تقديم القطعي على الظني عموما سواء كان هذا القطعي عقلي أو نقلي أو تجريبي وسواء كان الظني نقلي أو عقلي أو تجريبي فالعبرة بقوة الدلالة لا بعموم الانتساب لمصدر معين

ولذلك فالحكم بأن القطعيات لا تأتى سوي من العقليات أو أن المعرفة الصحيحة لا تأتي سوى من التجريبيات هو حكم مسبق باطل

تعليقات