حياة من أهم؟



من وجهة نظر المجتمع فإن حياة القادة والمشاهير والأغنياء أهم لأنهم يسخرون حياة الآخرين من أجل راحتهم الخاصة ورفاهيتهم

ومن وجهة نظر التاريخ فإن حياة العلماء والرؤساء والملوك والساسة أهم لأنهم الأعمق والأبعد أثرا في تشكيل حياة الشعوب

ومن وجهة نظر الأسرة فإن حياة الأبناء أهم لأنهم الأمل المتجدد في الهروب نحو المستقبل

ومن وجهة نظر الطبيعة البيولوجية فإن حياة المفترس أهم من حياة الفريسة مما يجعل حياة الفيروسات أهم من حياتنا لأنها نجحت في استخدام أجسامنا كغذاء ومأوي للتكاثر. وأيضا أهمية الحياة قبل التزاوج ليست مثلها بعد التزاوج فإننا نجد في كثير من الكائنات الحية أن حياة الآباء والأمهات تنتهي بعد موسم التزاوج بل وأحيانا ينتهي التزاوج نفسه بأن تفترس الأنثى الذكر أو بأن تقدم نفسها كوجبة أولي لأبنائها حتى يفترسوها فهذا هو موعد موتها وتحولها لمادة غذائية لغيرها

ومن وجهة نظر الطبيعة الفيزيائية فإن تفسخ القوي الكهرومغناطيسية التي تربط الذرات داخل جدران المباني في وقت معين استجابة لتقادم مرور الزمن عليها أو لهزة أرضية أو ما شابه أهم من مراعاة حياة طفل أو مسن تسقط فوقهم أنقاض الجدار أو أسرة تفقد مأواها.

هذه هي الحياة في الواقع وهذه هي أولوياتها التي لن تتغير من أجل أحد كائن من كان لكن من وجهة نظر الشرع حياة من أهم؟

الإجابة المختصرة الواضحة هي حياة من آمن وعمل صالحا لأن هذا هو الفائز الوحيد من بين هؤلاء جميعا وإن كان أشعث أغبر لا يملك المال ولا الوجاهة الاجتماعية ولا يعرفه أحد ولا يأبه به أحد فإذا شفع لم يقبل أحد شفاعته وإذا استأذن لم تفتح له الأبواب المغلقة ثم إذا جاء وقت القتال جعلوه حارسا لحياة غيره لأنها أهم في نظر المجتمع من حياة هذا الرجل المسكين أو جعلوه في مؤخرة الجيش لأنه ليس من الأبطال الذي يكون وجودهم علامة فارقة في مصير المعارك.
كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(طُوبَى لعبدٍ أخذ بعنانِ فرسِه في سبيلِ اللهِ أشعثَ رأسُه مُغبَّرةٍ قدماه إن كان في الحراسةِ كان في الحراسةِ وإن كان في السَّاقةِ كان في السَّاقةِ إن شفَع لم يُشفَّعْ وإن استأذَن لم يُؤْذَنْ له)

فهذا الأشعث حياته غالية عند الله لكنها غير مهمة عند المجتمع والتاريخ.

وفي حين أن حياة الغلام الذي أمر الله العبد الصالح (الذي رافقه موسى عليه السلام) بقتله كانت مهمة عند أسرته لكنها لا تساوي شيء عند الله بسبب الطغيان والكفر..... وكذلك كان ضياع ثروة ومأوى الغلامين اليتيمين هين على أهل تلك القرية بل وعلى الطبيعة الفيزيائية للجدار الذي يحمل بيتهما لكنه لم يكن كذلك عند الله.

أخيرا أقول إذا كنت مؤمنا وتعمل صالحا فأبشر بأن حياتك هي الأهم عند الله وهذا لا يعني أبدا أنها ستصير مهمة في نظر المجتمع أو التاريخ أو العائلة أو الطبيعة بالرغم من أن كل هذه الأشياء مملوكة لله لكن هذه هي طبيعة الاختبار الذي نعيشه والذي لو كان بغير هذه الصورة لما عد اختبارا.

فاللهم ارحم كل ضحية وفقير ومريض ومشرد ومظلوم ومصاب في زلزال أو بركان أو كارثة طبيعية ونجنا اللهم من فتن الدنيا والآخرة.

تعليقات