منذ أسبوعين تقريبا نشر فريق ياباني ورقة (1) أثارت ضجة باعتبارها تجربة عن نشأة نظام معقد متطور من جزيء RNA واحد بسيط ينسخ نفسه ذاتيا مما يناظر التصورات المادية الطبيعانية عن نشأة الحياة تلقائيا من مواد كيميائية غير حية.
وكالعادة فهي ضجة مفتعلة لأن نفس الفريق نشر نفس النتائج تقريبا عام 2013 (2) وكل الفرق أنه في المرة السابقة كان عدد جولات التفاعل 120 وهذه المرة كان العدد مضاعف 240 لكن التجربة واحدة والفكرة الأساسية واحدة والنتيجة الجديدة هي ظهور خمس أنواع من نواسخ ال RNA يعتمد وجود بعضهم على بعض مما يعطي نوعا من الاستقرار لهذا النظام لكنها ليست نتيجة فارقة وليست نقلة نوعية بل على العكس تمام فيمكنني القول إنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار لأنهم حاولوا الهروب من معضلة أصل الحياة بمعضلة التعاون ويا لها من محاولة بائسة.
كيف ذلك؟
منذ عدة سنوات استطاع العلماء تصنيع ناسخ RNA بعد 25 عام من تكريس جهود المجتمع العلمي وهذا في حد ذاته يدل على أن هناك شيء مهم مفقود في تصورنا عن كيفية عمل هذه الأشياء في الطبيعة على حد قول ستيفين بينر هنا (3). لكن الحياة ليست فقط شيء ينسخ نفسه وإنما هي نظام معقد متفاعل متغير ومستقر أيضا فيجب أن تملك نظاما لكي تتحدث عن نشأة الحياة ولكي تتحدث عن نظام فيجب أن تتحدث عن تعاون أفراده والتعاون من خصائصه الذاتية الملازمة له أنه معرض دائما للهزيمة أمام الأناني وفقا لمبدأ الربح والخسارة مما يجعل النظام دائما غير مستقر إلا بتدخل من آليات إضافية مثل التركيب المكاني وانتخاب ذوي القربي وقد بينت قبل ذلك أنه لا يوجد آلية عامة يمكنها حفظ النظام وأن كل الآليات الإضافية قابلة للاختراق وهذه هي معضلة التعاون (4)
وهذه يبرز أهمية معضلة التعاون وأنها محور الحياة فالجميع مضطر لمناقشتها عند تناوله لأي صورة أو مرحلة من مراحل الحياة سواء النشأة أو الانتقالات المفترضة من كائنات وحيدة الخلية إلى متعددة الخلايا إلخ.
فما قدمه الفريق الياباني كان عبارة عن نظام من RNA متعاون يدفع كلفة انتاج النسخ وآخر أناني يستغل وجود الإنزيم الناسخ بدون دفع كلفة إنتاجه نتيجة خلل في حفظ الشفرة.
وهذا الظهور للأناني بديهي جدا ولا يمكن تجنبه كما أن هذه الثنائية (المتعاون/الأناني) لا يخلو منها أي نظام وإن اختلفت الصور.
والآلية الإضافية التي منعت الأناني من تدمير النظام كانت أحد أشكال التركيب المكاني وهي آلية معرضة للاختراق من الأناني أيضا كما بينا سابقا فالورقة لم تقدم حلا لمعضلة التعاون وإنما استخدمت أحد الآليات الشهيرة التي لا يمكن التعويل عليها كحل عام يمكن أن تتكئ عليه النظم الحيوية وتستمر لبلايين السنين.
وبالتالي فليس هناك أي حل جوهري أو شيء فارق تم تقديمه لحل معضلة أصل الحياة أو معضلة التعاون لكن على العكس من ذلك فربط المعضلات بعضها ببعض يزيد من بؤس المشهد الداروني.
تعليقات
إرسال تعليق