أفضل شيء في العلم هو الموضوعية -فإذا فقد تلك الخاصية لم يعد علما- فالأصل في أدوات العلم أنها مستقلة عن مكتشفها ولذلك يمكن دائما أن يتم توظيف الأدوات التي تقدمها لإثبات خطأ ما تريد استنتاجه.
فتجد مثلا أن ورقة آينشتين التي كتبها ليثبت بها أن ميكانيكا الكم ناقصة وقدم خلالها الإطار التجريبي الذي من شأنه إثبات ذلك تم استغلالها بالفعل لكن النتائج أثبتت صحة ميكانيكا الكم وخطأ آينشتين وأصبحت هذه الورقة الآن أكثر ورقة لآينشتين تم الاستشهاد بها حتى أنها فاقت أوراقه عن النظرية النسبية.
وكذلك حين نشر آينشتين النسبية العامة عام 1915 كان يعتقد بأن معادلات المجال من المستحيل حلها بشكل دقيق وإنما يمكن فقط تقديم حلول تقريبية لها ليفاجأ بعد ثلاثة أشهر فقط برسالة بها الحل الدقيق أرسلها له رياضياتي مجند في الجيش الألماني اسمه كارل شوارزشيلد كان يشارك حينها ضد الجبهة الروسية أثناء الحرب العالمية الأولى وبهذا الحل ظهرت دقة النسبية العامة في وصف مدار كوكب عطارد الذي فشلت ميكانيكا نيوتن من قبل في وصفه بشكل صحيح وبهذا الحل أيضا ولدت الثقوب السوداء لتصبح أهم تنبؤات النسبية العامة فيما بعد - وإن كان آينشتين حينها لم يصدق بأن الثقوب السوداء موجودة واقعيا - ثم مات شوارزشيلد بعد ثلاثة أشهر أخرى بمرض نادر.
ولو تركنا الفيزياء وذهبنا إلي البيولوجيا فسنجد الديناميكا التكيفية adaptive dynamics التي هي عبارة عن حزمة أدوات رياضية يمكنها التنبؤ بمصير المجتمعات الحية من خلال دراسة الصفات والاستراتيجيات التي يتبناها الأفراد داخل تلك المجتمعات، هذه الديناميكا التكيفية قد وضعت في الأصل لتبرير إمكانية الانتواع ودراسة التطور الوسطوي meso-evolution والذي يفترض به أن يسد الفجوة بين التطور الصغروي والكبروي.
لكن فجأة ظهر لهم ضيف غير مرحب به عكر عليهم صفوهم وهو الانتحار التطوري Evolutionary suicide أو كما تصفه إيفا كسدي -أحد المؤسسين للديناميكا التكيفية- "بالجانب المظلم" فهو بالنسبة لهم جانب مظلم لأنه لا يخدم الغرض التطوري الذي وضعوا تلك الأدوات من أجله.
فبدلا من تفسير الانتواع وتوجيه آليات التطور نحو بناء المجتمعات وتنوعها وجدوا هذا الثقب الأسود البيولوجي الذي يمكنه ابتلاع المجتمع كله وتوجيه آليات التطور نحو إفناء كل شيء.
الانتحار التطوري نتيجة رياضية صلبة يمكنها التهام نظرية التطور لو تم توسعته وتوظيفه بالشكل المناسب وهذا ما أعمل عليه منذ فترة والله المستعان.
تعليقات
إرسال تعليق