البعدية وإلزامات اللاأدرية

كتب أحد الأفاضل منشورا يحاول فيه تفنيد مزاعمنا بأن البعدية يلزمهم  قول اللاأدرية باقتصار البديهيات داخل الكون وعدم اليقين في صحتها خارجه.

فوفقا للبعدية أننا لم نعرف البديهيات إلا من خلال استقراء عالمنا لكننا نستطيع معرفة بديهيات العوالم الأخري بدون استقرائها.

لماذا يا بعدية؟
 (لأنها عوالم بنت بطات سوداوات)
 لا 
ولكن لأننا لا نحتاج في حكمنا عليها إلا إلي المعني المشترك لمفهوم الوجود.

جميل جدا وأنا أوافق علي هذا ...
 لكن إذا كنا لا نحتاج لشيء آخر سوي المعني المشترك للوجود في حكمنا علي بديهيات الأكوان الأخري فلابد أننا لا نحتاج إلي شيء غيره في حكمنا علي بديهيات عالمنا أيضا.

لكن لحظة..
هل نحتاج إلي اعمال الحس في عالمنا (الذي هو شرط البعدية) لإدراك المعني المشترك للوجود؟

الجواب لا وهذا يثبت أن البعدي لا يخرج من مأزقه إلا بالتخلي عن بعديته من حيث لا يشعر.

 لأنني قد أجرد معني مشترك بين الخالق (الذي لم أدركه بحواسي) وبين المخلوق (الذي أدركه بحواسي). أو بين أشياء غيبية لم أدرك شيء منها بحواسي مثل قوله تعالي( أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) فنحن لا ندرك بحواسنا الزقوم ولا الشياطين ومع ذلك نستطيع إدراك المعني المشترك في القبح.
وكذلك نستطيع إدراك المعني المشترك في الحسن بين مجردات مثل الرحمة والعدل وهكذا 
فإدراك المعني المشترك عمل عقلي تجريدي قد نحتاج الحس كمقدمات له وقد لا نحتاجه فالحس ليس ضروري فيه.
وبما أننا نتحدث عن معني الوجود فيكفينا إدراكنا لوجودنا نحن كذوات جاهلة حتي لو كنا لا نعلم شيئا عن أنفسنا ولا عن الكون سوي وجودنا وجهلنا (علي افتراض التشكيك في كل شيء تنقله إلينا حواسنا عن أنفسنا والعالم وأننا في محاكاة أو ما شابه) 
فحتي لو كان الأمر كذلك لاستطعنا اثبات ضرورية البديهيات و صحتها داخل العالم وخارجه وصولا إلي إثبات وجود الخالق وصفاته كما بينت هنا 

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1693458167506947&id=100005283395289
لكن هل يمكن إدراك معني الوجود أو العدم أو أي معني قبل وجود البديهيات نفسها؟

الجواب لا لأن بغياب البديهيات تستحيل كل صور المعرفة الممكنة ويصير الوجود والعدم سواء.

فلو كان المعني المشترك للوجود هو السبيل لإثبات صحة البديهيات خارج عالمنا فهو مخرج قبلي بامتياز ولا علاقة له بالبعدية.
وأخيرا أكرر أننا لا نقول أن البديهيات ضرورية لأنها قبلية وإنما نقول أنها قبلية لأنها ضرورية فمن لم يفهم هذه الإلزامات فليتحمل العواقب

تعليقات