-فقرة من الجزء الثاني من حواري مع اللادينية-



الأزلي صفاته مقترنة بالكمال (الذي هو ضد حد العجز و ليس حد الهوية) لأن هذا واجب في حقه لأن القائم بنفسه لا يحتاج لأي سبب فلا يتصور في حقه العجز عن شيء لأن العجز هو فقد القدرة أو العلم لفقد سبب تحصيل المقدور أو المعلوم.

و لم أقل أبدا ان الكمال صار كمالا لأن الأزلي اتصف به.

 المادة يستحيل أن تتصف بالأزلية لأنها يستحيل أن تتصف بالكمال لأنها مفتقرة في كل صورها و أشكالها و مكوناتها للأسباب فليس هناك مادة أو طاقة إلا و هي داخلة في حد العجز السببي أما الخالق فلا يلزم عقلا ان يتصف بكل صفة لكي يحقق الكمال في الاتصاف و انما يلزم أن يتصف بصفات معينة فقط ليكون متصفا بالكمال و هذه الصفات هي حد الهوية.

إذن فلا استحالة في اتصاف الله بصفات مخصوصة ليست معللة و لم تصبح صفات كمال لأن الخالق اتصف بها أو اختارها من بين غيرها و إنما هي صفات كمال موضوعية مقترنة وجوبا بالذات القائمة بنفسها لكن قد يعلم العقل شيئا عن هذا الاقتران و قد لا يعلم.. 
و ما لم يعلمه من صفات خبرية لا يستوي ابدا مع ما علم استحالته من جمع النقيضين في حالة وصف المادة العاجزة المفتقرة للأسباب بالكمال..فالأول عدم علم و الثاني علم بالعدم.

انا مفتقر الي الهواء لكي أعيش هذا دليل علي أن حياتي حادثة لأنه لا يتصور وجودها بدون وجود سبب سابق لها و ما كان قبله شيء فهو حادث مفتقر  لكن ما معني أن أقول أن تنفس الهواء من صفاتي الأزلية غير المعللة و أن هذا حد هوية لحياتي و ليس حد عجز ؟ 
هذا هراء لا معني له لأن الانقهار للسببية في الوجود هو علامة الافتقار.
 فالتخصيص لا يدل علي الحدوث الا اذا توافر فيه معني الافتقار و العجز فأنا استطيع ان ادفع حجرا كتلته 50 كيلو لاني امتلكت أسباب ذلك و لكني لا أستطيع دفع حجر كتلته 100 كيلو لاني لم أمتلك أسباب ذلك و لو امتلكتها لفعلت  فقدرتي مخصصة عند حد معين أعجز عن تجاوزه "لأن تجاوزه يحتاج الي أسباب قد فقدتها" و ليس لأن كل مخصص أو له حد يلزمه العجز.
 و كذلك انا لست حادثا لأن لي عين و انما انا حادث لأن عيني تفسد لو فقدت أسباب صحتها و لأن عيني لو كانت كعين الصقر لكانت أقوي لأنها امتلكت أسباب اعلي في الرؤية لم امتلكها و هذا كله افتقار و احتكام للأسباب فصار عجزا لكن الله عينه لا تفسد و لا يوجد ما هو أفضل منها و لن يكون اكمل لو كان عنده عشرون عينا و لن يكون اكمل لو لم يكن له أي عين فليس كل كمال يقترن بالزيادة (كما ضربت قبل ذلك مثال الوزن) و انما يقترن الكمال بالزيادة فقط إذا كان الذي منع منها هو فقد السبب. 

اما نقطة الهيولي الأزلية هذه التي شكلت كل شيء فهي اما محكومة بالسببية في كل صورها و اما غير محكومة بالسببية مطلقا وهذا تناقض من وجهين:
الاول:
 1-ان صفتها الذاتية متغيرة و ازلية 2-أن الاحتكام الي السببية هو افتقار شيء لشيء آخر و هذه علاقة لا يمكن أن يوصف بها شيء واحد و لا يمكن أيضا  أن يكون هذا الشيء غير مفتقر إذا وصف بها لأنه لا شيء من اجزائه غير مفتقر في وجوده لشيء يسبقه. 
و القول بأن صفته الاحتكام للقوانين تناقض تماما كقول ان تنفس الهواء من صفاتي الأزلية أو ولادتي من أمي من صفاتي الأزلية 
و الثاني :
ممتنع بضرورة الحس و اننا نرصد انتظام القوانين.

الكمال ليس معياره اعتباطي أو نسبي و انما معياره موضوعي وهو عدم الافتقار لسبب لو حصلته لكانت صفاتك أكمل أو اعلي درجة مما هي عليه أو لاكتسبت صفة جديدة كانت غائبة عنك.
هذا هو اصل دليل السببية و هو المعيار الذي فصلته و وضحته أثناء عرض الدليل و هو يجيبك علي السؤالين معا فالغني القيوم هو من لا يفتقر في وجود و كمال صفاته الي اي سبب خاجي. 
فلا يوجد ما لو حصله لكان اقدر او أعلم أو ارحم إلخ أو لكان متصف بصفة كمال كانت غائبة عنه قبل ذلك.
و أما الهيولي الذي لا يتغير بفقد و اكتساب الصفات وفقا للأسباب فهو وصف ذهني متناقض من جهة و لا وجود له في الواقع من جهة أخري فليس ثم في الواقع غير مادة و طاقة متغيرة تزول صفاتها بزوال شروط وجودها فهي مفتقرة للأسباب في جميع احوالها

تقولين (, فما وجه الكمال في امتلاك عين او اصابع؟ هل إله بدون اصابع او بأصابع اكثر اكمل؟ هذا ممتنع لأن الكمال متلازم مع الإله و طالما الإله له اصابع او اي صفة فهذه الصفات من اعيان الكمال) 

وجه الكمال لا سبيل لادراكه بالعقل لأن هذه صفات خبرية سبب إثباتها لله هو الخبر المجرد لكن السؤال هو هناك دليل عقلي يمنع ذلك؟
الجواب لا لأن الإصبع أو اليد أو الوجه أو العينين أو الاستواء كل هذه ليست في ذاتها صفات  افتقار و إنما هي كذلك في كيفيتها المنسوب لنا نحن و هذا لا نثبته في حق الله فلا نقول اليد جزء منه أو جارحة أو شيء من هذا و انما نقول هي صفة يتأتي بها البسط و القبض و التكريم بالخلق الخاص و ما الي ذلك.
 بمعني أن اصبعي علامة افتقار ليس لانه اصبع و لكن لانه جزء يفتقر الي جسمي و افتقر اليه و يمكن فصله و إعادته بأسباب و لأنه كان يمكن أن يكون اقوي مما هو عليه و هكذا و كل ما سبق مندرج في كيفية اصبعي و ليس في المعني المطلق للاصبع
فلو كان كل موجود متعين في الواقع سيكون له هيئة لا محالة و أن هذا هو مقتضي الهوية و ليس العجز فافتراض ان الله له هيئة ليس لها معالم ليس من الكمال في شيء و لا سبيل عقلي لاعتبار هذه الهيئة أكمل من وجود صفات مثل الوجه و اليد و ما الي ذلك بل الهيئة الأقرب الكمال في الفطرة هي التي تتصف بالوجه و اليد من تكييف طبعا و لو أخبرنا أن هيئته بدون معالم لعلمنا ان هذا هو الكمال لأن هذا كله في حد الهوية و ليس العجز.
 حسنا ما هو المعيار الفاصل بين حد الهوية و العجز؟ نفس ما ذكرته في التعليق السابق... عدم الافتقار لسبب لو حصلته لكانت صفاتك أكمل أو اعلي درجة مما هي عليه أو لاكتسبت صفة جديدة كانت غائبة عنك.
فلو علمنا ان الله لو كان له أكثر من وجه أو يدين لكان أكمل اذن فهذه صفات افتقار لكن علمنا بأن له وجه في حد ذاته ليس صفة افتقار. 
و بما أن الصفات الخبرية كلها لا يمكن أن نعلم لها كيفية فلا يمكن أن نعلم "بالعقل" أن الزيادة أو التغيير  فيها يلزم منه اتصاف بالكمال إذن لا يمكن اعتبارها حدود عجز لأن المعيار "الموضوعي" للافتقار الذي ذكرته لا ينطبق عليها.  
و أما الهيولي و الصورة و الجوهر و العرض فهي خرافات فلسفية كبري أتعجب من وجودها حتي الآن و حين كتبت في مقال السببية (متي تنهدم السببية)  و تكلمت عن وجود شيء يخرق السببية مما يترتب عليه مستحيلات عدة كان هذا الفرض أعقل بكثير جدا من تصور الهيولي و الجواهر و الأعراض لأن هذا شيء حقيقي متجسد اما هذه الجواهر المفردة التي لا تتغير أو الهيولي الذي لا يتغير هو وهم ذهني يستحيل وجوده في الواقع ابتداء و ليس فقط أن وجوده يترتب عليه مستحيلات. 
اي شيء فيزيائي وجوده مشروط و بالتالي هو متغير وفقا لهذه الشروط و هذا ينطبق علي كل شيء سواء جسيمات طاقة أو مادة أو تفاعلات فيما بينها.
فالتفاعل الكيميائي لا ينتج صورا و تبقي في الداخل جواهر لا تتغير و انما الالكترونات تتغير طاقتها و مداراتها و النواة كذلك تحكما تفاعلات و الجسيمات التي بداخل النواة تفني و يتشكل منها اشياء أخري في التفاعلات النووية و الطاقة تتحول لمادة و المادة تتحول لطاقة و لا يمكن أن نشير لشيء موجود في العالم وجوده غير مشروط و لو كان يمكن أن يوجد شيء كهذا لما وجد اي قانون فيزيائي اصلا و لما عرفنا العالم كما نعرفه. 
و الأن نرجع إلي المعيار لنطبقه مرة أخري.
 هل يوجد شيء في المادة أو الطاقة او الكون يمكن أن يوصف ب...  عدم الافتقار لسبب لو حصلته لكانت صفاتك أكمل أو اعلي درجة مما هي عليه أو لاكتسبت صفة جديدة كانت غائبة؟
 الجواب لا لأن اي جسيم مفتقر لأسباب بقائه علي ما هو عليه و مفتقر كذلك لأسباب كان يمكنها أن تجعله أعلي قدرة أو طاقة أو ابعد تأثيرا أو أقل تأثرت بغيره أو أكثر استغناء عن شروط وجوده.

تعليقات