أحد طرق العلاج الحديثة التي تحاول إحداث مأساة موارد داخل مجتمع الفيروسات للقضاء عليه أو اضعافه تتم باستخدام أجزاء الجينات الأنانية (DIPs)
defective interfering particles
والتي هي أجزاء غير مكتملة من جينوم الفيروس لكن يمكنها أن تتداخل مع الفيروس وتنافسه على انزيمات النسخ وغيرها من الموارد الجماعية التي تتعاون الفيروسات في إنتاجها ويمكنها كذلك أن تحتل الحويصلات التي كان سينتقل بواسطتها الفيروس من خلية لأخرى أو من فرد لآخر. لكن لا يمكنها منفردة أن تقوم بأي نشاط في ظل غياب الفيروس الأصلي. ولأن حمض DIPs الوراثي أصغر من الجينوم الطبيعي للفيروس ولأنها أيضا لا تتكبد تكلفة إنتاج أي شيء سوى تكرار نفسها، تكون النتيجة هي انتشارها في المجتمع وانقراض النوع الأصلي المتعاون وبالتالي زوال هذه الجينات الناقصة المتطفلة هي الأخرى وهذه هي ظاهرة مأساة الموارد المشتركة.
ولذلك فهذه DIPs يمكن اعتبارها كيان أناني من هذا الجانب ووجودها يتسبب في أضعاف مجتمع الفيروسات أو زواله. بل ويمكنها الانتقال بالعدوى من شخص لآخر مما يجعلها علاجا فعال ورخيص وبدون آثار جانبية.
وفي أحد التطبيقات الحديثة لهذه الوسيلة العلاجية قدم العلماء في معهد غلادستون بكاليفورنيا دراسات مفادها أن تفشي فيروس الإيدز في دول أفريقيا (خلافا للدول العربية) يتراوح ما بين 30٪ إلى 15٪ وأن هذه النسبة ستزيد مع الوقت لكن باستخدام هذه ال DIPs وحقنها في 1٪ فقط من المصابين سوف تصبح النسبة خلال 10 سنوات أقل من 10٪ وخلال 50 سنة أقل من 2٪ وذلك بالاعتماد على انتقال DIPs بالعدوى من شخص لشخص وعدم تأثر فعاليتها بتحويرات الفيروس الأصلي. (1)
وهناك تطبيقات مماثلة على الهربس ونيباه (فيروس فتاك نسبة وفياته 70٪) والالتهاب الكبدي و زيكا وشلل الأطفال وغيرهم.
وفي هذا الفيديو يشرح أحد علماء الفيروسات ليور واينبيرجر كيفية عمل DIPs ويقول إنها من الاستراتيجيات العلاجية التي ستسود في المستقبل وأنه بعد مائة عام سوف يتندر العلماء من طرق علاج الفيروسات والبكتيريا التقليدية بمواد كيميائية ثابتة لا تتغير ولا تنتقل بالعدوى بين المرضى (2)
وهذه تجربة عملية على فيروس يصيب نبات التبغ وتم فيها القضاء عليه بواسطة DIPs. لكنهم لم يصمموا جينات أنانية ليحقنوها في النباتات. وإنما استخدموا مضادات الفيروسات العادية التي تعمل على زيادة معدل الطفرات للفيروس مثل 5-fluorouracil ونفس الأمر ينطبق على ribavirin و favipiravir
(وهذا الأخير ضمن الأدوية المرشحة لعلاج كورونا الجديد) وقد كان يعتقد أن زيادة معدل الطفرات في حد ذاته هو السبب في فعالية هذه الأدوية لكن هذه الورقة وغيرها من الأوراق الحديثة أثبتت أن السبب ليس في تعريض الفيروس للطفرات المضرة المتزايدة وإنما السبب هو أن زيادة معدل الطفرات ينتج عنه ظهور الأنانيين DIPs بشكل تلقائي داخل المجتمع الفيروسي ومن ثم زواله.
ولكن يظل تأثير المواد الكيميائية مرهونا بأي تغير طفيف في الفيروسات مما يجعل التصميم المباشر للأنانيين هو الوسيلة الفعالة الواعدة. (3)
وهذه أيضا ورقة هامة (مسودة لم تنشر بعد في مجلة محكمة) تعرض لهذه الوسيلة العلاجية الواعدة في مقاومة الفيروسات وما هي الخصائص التعاونية المتعددة المنتشرة بين الفيروسات والتي يمكننا استهدافها بفصائل أنانية وكيف تم تطبيق هذا عمليا. (4)
وهذه ورقة أخرى في مجلة نيتشر تعرض نفس الأمر لكن هذه المرة مطبقا في علاج السرطان وتستعرض أيضا السلوكيات التعاونية بين خلايا السرطان التي يمكننا استهدافها.(5)
الخلاصة أنه تم التأسيس نظريا وتجريبيا لفكرة اختراق المجتمع الممرض المتعاون بفصيلة أنانية من نفس النوع وهي الآن من أكثر الإستراتيجيات العلاجية الواعدة.
كما أن الفكرة نفسها هي معضلة داروين الكبرى والتي ستزداد تعقيدا كلما زادت تطبيقاتها فاللهم يسر هذا النصر واجعل للمسلمين نصيبا منه.
تعليقات
إرسال تعليق