الجوكر


الجوكر "مبعوث الفوضى" هو شخص لا يحاول استبدال القواعد الاجتماعية و السياسية و الأسرية  بقواعد أخرى كعملية إصلاحية ثورية  و إنما هو ضد فكرة القواعد نفسها فهو عدو النظام نفسه لأن  النظام سيظل فاسدا دائما و سيقتل الإنسانية فى غيره كما قتلها فيه هو.
فالنظام الحاكم يبطش لمصلحة بقائه فى السلطة و النظام الإعلامى يكذب لمصلحة الحكام و النظام الاقتصادى يزيد الأغنياء غنا و الفقراء فقرا  و المؤسسات الاجتماعية الخيرية لا حول لها و لا قوة و لن تسعف المجتمع فى وقت الأزمات و نظام الأسرة مهدد بالنزوات و تصرفات الآباء و الأمهات غير المسؤولة و نظام العمل الوظيفى يحكمه مدراء أغبياء يستمتعون بقتل أحلام و طموحات موظفيهم و قتل مواهبهم و يتفننون فى إنزال العقوبات غير المنطقية بهم و زملاء العمل يطغى عليهم الحسد و الحقد و الغدر و الغرباء يتنمرون علي الضعفاء بلا رحمة و لا شفقة.
ما الذى تبقى له فى المجتمع إذن  ليحترم  قواعده و يرجو سلامته؟
و لماذا يحترم قواعد المجتمع إذا كان لم يشعر يوما ما بوجوده فى هذه الحياة أصلا ؟

بل حتى لو كانت قواعد المجتمع صالحة و لو كان القائمون على تنفيذها أمناء فلن يوجد مجتمع مثالى و لابد أن يوجد فى المجتمع هذا الجوكر الذى لم ينتفع بشىء من ذلك كله فليس عنده ما يخسره فى حين أنه يقضى عمره كله ملزم باحترام القواعد التى يهنأ بها غيره .

وفقا للمنظور المادى فإن تصرف الجوكر  الإجرامى و سعيه في تدمير المجتمع و تعميم مأساته الشخصية علي الجميع لمواساة نفسه.. هو تصرف عقلانى منطقى لأن هذه المواساة  أصبحت الربح الوحيد المرجو عنده فى حين أنه لن يخسر شيئا بنزول أشد العقوبات عليه لأنه غير مكترث بالحياة.
و هو نفس التصرف الأنانى لرأس النظام (توماس واين) الذي يدمر المجتمع من أجل تحصيل مكاسب شخصية  فهذه كلها خيارات عقلانية  فى لعبة "معضلة السجين"
فهو  يربح الآن في الحاضر  حتى لو كان ذلك سيؤدى فى النهاية إلى دمار المجتمع بأسره لأنه لو لم يختر هذا الخيار فسوف يختره غيره ليجعله يخسر فى الحاضر و يخسر مرة أخرى فى المستقبل حين ينهار المجتمع.

و لذلك سيظل النظام الاجتماعى المادى - الذى لا يمتلك معيارا آخر سوى  المكسب و الخسارة الدنيوية - معرضا للتدمير الذاتى من قلبه (المعيار المستخدم) و أطرافه الأنانية.. طرف " الْمَلأَ "  أو النخبة التى ربحت الأرباح الكبيرة على حساب خسائر الآخرين و طرف الذين خسروا خسائر كبيرة فأصبحوا لا يبالون باللعبة كلها و أصبح الظفر الوحيد عندهم هو الانتقام من هذا المجتمع (مجرمون دوافعهم نفسية،همج، تنويريون،... إلخ)

قد تتعاطف مع الجوكر خصوصا في لحظات ضعفه  و ضحكاته المرضية التي تغلبه لتعيده دائما إلى دائرة الفشل و تفسد عليه كل فرص النجاح الممكنة و تزيد من تنمر المجتمع القاسى عليه لكن فى النهاية يجب أن تتذكر أنه ليس قاض عادل و ليس مصلح اجتماعى أو سياسى و رد فعله تجاه معاناته لم يكن سويا أو إنسانيا.. إنما  هو مجرد صرخة داخل الإطار  و السياق المادى.

لكن القضية من منظورنا الأوسع لن تكون أرباحا و خسائر دنيوية فقط و إنما الأمر سيتجاوز ذلك كله فالاسلام وضع سبلا للإصلاح الاجتماعى و السياسى و الأسرى و النفسى  لضبط معيشة الناس و لكن لم يكن هذا هو المنتهى أبدا فلو فرضنا أن الجميع داخل المجتمع قد ربح كل شيء فهذا ليس له القيمة العظمى لأن الدنيا نفسها لا تصلح أن تكون هى الهدف و لا ترتقى لأن تكون غاية الحياة الإنسانية و إنما الدنيا كلها وسيلة لطلب الآخرة. و لو فرضنا أن الجميع قد خسر كل شيء فهذه ليست النهاية لأننا نؤمن بحياة آخرة و سوف نجد التسلية و المواساة فى التقرب إلى ربنا و ليس فى الأفعال السادية الإجرامية.
و لذلك فإن الطرف الآخر في المعادلة كان دائما هو الله و ليس المجتمع و هذا فارق جوهرى بين الفكر المادى و الدينى و معادلة مثل هذه لا يمكن أن تدخلها و تخرج منها خاسرا أبدا فسواء صلحت قواعد المجتمع أو فسدت فحياتك ليست عبثية.

تعليقات