هناك خلل كبير في منهج البعض في التعامل مع العلوم الطبيعية و هو قبولهم و ردهم للعلوم التجريبية بالنظر العقلي وحده.
و ليس الإشكال مع هؤلاء في رفض أو نقد أي نظرية علمية من حيث المبدأ - فالحمقي فقط هم من يدعون العصمة للنظريات العلمية - لكن المشكلة في عدم اتباع المنهج العلمي في النقد و الاعتماد علي العقل المجرد أو ما يسميه البعض مقتضى اللغة الطبيعية و ما شابه ذلك من معايير عجيبة.
لأننا لو انتقدنا العلوم بتأملاتنا العقلية المجردة لكنا بذلك نسطر جهلنا بتلك العلوم ليس إلا.
و لو تجاهلنا النماذج الرياضية و المشاهدات التجريبية كطرق للتعرف علي الظواهر الطبيعية من حولنا لرجعنا لتخلف العصور الوسطي.
فأن يأتي أحدهم ليرد النسبية العامة و الخاصة و كثير من العلوم المتينة هكذا بجرة قلم بدعوى أنها تتضمن تناقضات عقلية و لغوية و أنه أسقط الأسس الفلسفية التي قامت عليها تلك العلوم...! فهذا في الحقيقة يضر قضيته و لا ينفعها و يرد الحق في تلك العلوم خشية باطل متوهم أو مردود فعلا بنفس أدوات المنهج العلمي لمن أتقنها. و يحارب الطبيعانية برد العلم نفسه و ليس برد العلموية.
الخلاصة أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره
و تصوره الصحيح فرع عن تعلمه
فلا ينبغي رد شيء أو تبنيه قبل أن يطلب علمه من مظانه و مصادره الموثوق ثم يؤيد هذا النقد بمصادر علمية معتمدة .
أما التشكيك المجمل و محاكمة العلوم للتصورات و الأوهام و التصدر للنقد العلمي بدون امتلاك أدواته فليس بمسلك العقلاء و لو صرح هؤلاء برد العلوم التجريبية جملة و تفصيلا لكانوا أكثر اتساقا و صدقا مع أنفسهم و متابعيه .
و في المقابل تجد من يسبح ليل نهار بحمد العلم و العلماء و يلعب دور كلب الحراسة لنظريات لا يعرف عن أدلة صحتها سوي أن معظم أهل الاختصاص يتبنون النظرية (مثل نظرية التطور) . فلا هو بني موقفه المؤيد علي أدلة و لا هو ترك لهؤلاء المتخصصين مهمة الرد علي النقاد .
حتي بات الباحث الجاد يشعر بالغربة بين هذه المعسكرات المتناحرة التي تحشد الأتباع يوما بعد الآخر من خلال سجال عقيم لا تتطور فيه الحجج و لا يسمع فيه النقد الصحيح و لا يسكت فيه عن النقد الباطل و يختلط فيه الحابل بالنابل و الله المستعان .
تعليقات
إرسال تعليق