(8) نقد كتاب شون كارول الصورة الكبيرة The Big Picture


ختم كارول الفصل الثالث بدعوى أنه لا توجد روح واعية غير مادية و لا توجد حياة بعد الموت و استحضر النقاشات القديمة بين ديكارت و الأميرة إليزابيث حول ثنائية الوعي .
حجة كارول تتلخص فيما يلي :
1- النظرية المركزية تصف القوانين الأساسية التي تحكم ذواتنا و كل ما نتعامل و نتفاعل معه في حياتنا اليومية
2- المادة في أجسامنا تؤثر على وعينا و وعينا يؤثر على مادة أجسامنا 
3- لا يمكن لهذا التأثير بين أجسامنا و وعينا أن يحدث إلا في إطار النظرية المركزية و لا سبيل للتفاعل مع الجانب المادي الذي نعرفه بطرق غير مادية
4- مما سبق يتبين أنه لا وجود لشيء غير مادي اسمه الروح ينسب إليها الوعي و البقاء بعد فناء الجسد.

الرد:
هنا كارول يريد أن يبرر الافتراض المادي المسبق لتفسير ظاهرة الوعي و الحياة بشكل عام.. فهو بعد أن أقر بأننا  لا نملك تفسيرا ماديا ممكنا للوعي حاول أن يبرر منطلقات الفلسفة الوضعية الطبيعانية في أن تفسير ظاهرة الوعي حتما سيكون طبيعيا  و أنه يجب علينا استبعاد وجود تفسير غير مادي.
و ذلك بحجة أن الغير مادي لكي يتفاعل مع المادي يجب أن يتفاعل بطرق مادية و هذا لم نرصده و ليس له مكان في معادلاتنا فهو إذن غير موجود.
و من أين لك يا كارول أن التفاعل بين المادي و الغير مادي يجب أن يكون ماديا؟
لماذا لا يكون التفاعل غير مادي هو الآخر و لذلك لا يمكننا رصده و لا يمكننا التكهن بطريقته و لا معرفة كيفيته؟
لماذا لا يكون هذا  العجز التام عن وضع أي فرضية مادية متسقة للوعي هو الأثر الذي يمكننا رصده للمكون الغير مادي للوعي؟
بل  إنه لا يحق لأحد أن يستبعد وجود أسباب غير مادية  حتى في الظواهر الطبيعية التي يمكن تفسيرها ماديا بشكل كامل فما بالك بالتي ليس لها أي تفسير مادي؟
فنحن لا نعلم إلا ما رصدناه أو رصدنا أثره فإن كان هناك أسباب غير مادية لا يظهر لنا أثرها فلن نعلم عنها شيء إلا إذا أخبرنا بذلك عن طريق آخر غير رصد العالم المشاهد.
الحاصل أن كارول بني دعواه هذه على افتراض لا برهان عليه و هو أن التفاعل بين المادي و الغير مادي يجب أن يكون بطرق مادية أو يجب أن يحدث خللا في المنظومة المادية و هذه الادعاءات لا تصح إلا إذا كنت بالفعل تعرف ما هي حقيقة و خصائص الغير مادي و طرق تفاعله و هذا لا سبيل لمعرفته.
و وفقا لهذا المنطق المعيب يمكننا أن ننكر وجود فيزياء الكم بأن نقول لو كانت فيزياء الكم تصف حقا ما يحدث في الطبيعة على المستوى الذري لوجب أن يكون تفاعل الطبيعة على المستوى المرئي لنا بنفس الطريقة الكمومية . لكننا لم نشاهد ذلك بل و لا حتى فيزياء العالم الكبير التي نعرفها (النسبية العامة) يمكنها التفاعل مع هذه الطريقة و بالتالي  فيزياء الكم غير صحيحة و لا وجود لها.!!
و كارول نفسه حين أراد أن يبرر إمكانية انبثاق الوعي و الإرادة الحرة من قوانين الفيزياء الحتمية (و الذي هو تناقض ظاهر) كان يقول أنه قد يكون هناك انقطاع تام أمامنا بين بعض الظواهر و بين قوانينها الأساسية العميقة لدرجة تجعل الباحثين لا يحتاجون أصلا لدراسة هذه القوانين لدراسة الظاهرة.
فلماذا حين يتعلق الأمر بالغير مادي  لا يكون هناك مكان للانقطاع و نصبح على علم و دراية و قدرة على التنبؤ بكل سبل التفاعل الممكنة و الحكم عليها بأنها سوف تنتمي حتما للطرف المادي ؟
الخلاصة أنه لا يمكن نفى وجود الروح أو الملائكة  أو الجن أو أي شيء من عالم الغيب أو نفي تفاعله مع عالم الشهادة بمثل هذه الدعاوى الواهية التي تزعم أن   التفاعل بين الغيب و الشهادة  يجب أن يتم وفقا لقواعد عالم الشهادة. فإن كان ولابد أن يحتكم أحدهما لقواعد الآخر فاحتكام التفاعل لقواعد عالم الغيب أولى و أكثر منطقية لأنه العالم الأعمق.
و قد تكون القواعد المتبعة هي وسط بينهما و لا تنتمي لكليهما.
فالله أعلم و لو كنا نعرف طرق التفاعل بين الغيب و الشهادة لما كان الغيب إذن غيب.

تعليقات