الخميس، 22 نوفمبر 2018

انتحار ملحد..


 ياه أخيرا تخلصت من خوفي و سوف أنهي كل شيء بقفزة واحدة من فوق هذا السور لكي أسلم نفسي لقانون الجاذبية حتى يُصلح خطأ قوانين الطبيعية  المتسببة في وجودي.

لحظات و ينتهي وجود هذا العالم  بنهاية إدراكي له.

هل يعقل  أن سعي الإنسان كله كان من أجل استمرار جيناته في التناسخ؟

دوكينز كان مصيبا حين قال أننا الكائنات الوحيدة التي يمكنها التمرد على دوافعها الجينية.

للأسف أيتها الجينات العزيزة قد فشلت جهودك المضنية التي استمرت لملايين السنين في الحيلولة بيني و بين قرار الانتحار.

وسأكون أنا المحطة الأخيرة في عملية النسخ المقدسة لجينات أسلافي.

لعل هذا هو الشيء الوحيد الذي يدعو للفخر في حياتي البائسة.

و العجيب أن تلك الجينات استطاعت من أجل البقاء أن  تقنع أنثى السرعوف أن تأكل رأس زوجها و أبناء العناكب أن يلتهموا أمهم و أنثى الخنزير أن تأكل أطفالها لكنها لم تستطع أن تصنع لعقول البشر هدفا.

 لعل الدين كان هو خدعة الجينات الأخيرة لمعشر البشر لكي تجد لعقولهم هدفا يمكن الحياة من أجله.

لكن الأمور خرجت مؤخرا عن السيطرة و كشفت لنا العلوم أسرار الكون.

 يا لك من جينات ماكرة تستحقي أقصى درجات العقوبة.

 بل أنت أعظم الخاسرين على الإطلاق لأنك الأكثر تشبثا بالحياة رغم أن الحياة لا قيمة لها

 بل لا فرق بين حياتك و موتك أصلا أيتها البلهاء فأنت مجرد مركب كيميائي لا يضره الموت ولا تنفعه الحياة. 

يا لها من عبثية مطبقة لا مفر منها و المؤسف أنني بانتحاري لن أفلت من هذه الطبيعة و إنما ستدخل ذراتي في مستوى آخر من الانقياد للقوانين الطبيعية.

 لكن لا بأس فأنا لست مجموع ذراتي و لا مجموع جيناتي و إنما أنا شيء متمرد يأبى أن ينحني لقهر تلك القوانين

 والانتحار هو ذروة هذا التمرد .

 ههه.... يا لها من كلمات مشبعة بالمعاني الميتافيزيقية يختم بها شخص مادي حياته.

يبدو أنه لا مفر من الأفكار الدينية و هذا أيضا أحد الألغاز الكبرى و ما أكثر الألغاز لكنني لا أجد حل الألغاز هواية مرضية لي بعد اليوم.

فلتذهب الحياة بألغازها إلى الجحيم.

ممم..... الجحيم هذا التهديد الديني الذي يفترض أن أجد نفسي بداخله بعد لحظات. لكن كيف أخشى ذلك وأنا ملحد!.

هل يمكن أن أكون هارب من العدمية للجحيم؟ لا لا هذا مستحيل! 

 لعل هذه الرهبة التي دبت في قلبي هي رسالة السماء الأخيرة لهدايتي..... لعلها حقا كذلك!!

 هناك أشياء كثيرة مرت في حياتي وكان يمكنني اعتبارها رسائل من السماء. هذا الدليل الخفي لا يمكنني إنكاره بيني وبين نفسي 

 لكن لو كانت هذه رسائل هداية فلماذا لم تجب على كل أسئلتي؟ 

 بل لماذا لم يكلمنا الله مباشرة كما فعل مع موسى؟ 

لماذا لم يقربنا جميعا كما قرب موسى؟

هل هو من ابتعد عنا أم نحن من ابتعدنا عنه؟

 كثيرا ما حسدت موسى و أنا أقرأ آيات حديثه مع الله.

استحضار هذا القرب من الله له شعور غريب لا أعلم له مثيلا في الحياة بل و لا أعلم كيف يمكن أن يكون هناك تفسير تطوري لشعور كهذا.

 أوووه ...لاااا....لااااا...

 كادت قدمي أن تنزلق ...

عجيبة حقا رهبة الموت هذه التي تتدفق في قلب غارق في العدمية.

لا فائدة من الانتحار وسوف أستمر في البحث عن حل الألغاز التي تدور برأسي و لو كان ذلك مصحوبا بمزيد من الألم و القلق فلعلي أجد في نهاية الطريق ما يبدد هذه الظلمات أو لعلي كنت أبحث عن الحلول في المكان الخطأ.

قد تكون حياتي تافهة في نظر الناس  لكنها مهمة بالنسبة لي فهي كل ما أملك 

صحيح أنه بموتي لن تتوقف حركة الكواكب ولن تنطفيء الشمس و تتناثر النجوم  ولن تغلق الجامعات أبوابها وتفرغ البنوك أرصدتها ويخسر الملوك عروشهم لكن بداخلى صوت يخبرني أن حياتي أهم من كل هذا 

من وجهة نظر المجتمع فإن حياة القادة والمشاهير والأغنياء أهم لأنهم يسخرون حياة الآخرين من أجل راحتهم الخاصة ورفاهيتهم

ومن وجهة نظر التاريخ فإن حياة العلماء والمفكرين والرؤساء والملوك والساسة أهم لأنهم الأعمق والأبعد أثرا في تشكيل حياة الشعوب

ومن وجهة نظر الأسرة فإن حياة الأبناء أهم لأنهم الأمل المتجدد في الهروب نحو المستقبل

ومن وجهة نظر الطبيعة البيولوجية فإن حياة المفترس أهم من حياة الفريسة مما يجعل حياة الفيروسات أهم من حياتنا لأنها نجحت في استخدام أجسامنا كغذاء ومأوى للتكاثر.

ومن وجهة نظر الطبيعة الفيزيائية فإن تفسخ القوي الكهرومغناطيسية التي تربط الذرات داخل جدران المباني في وقت معين استجابة لتقادم مرور الزمن عليها أو لهزة أرضية أو ما شابه أهم من مراعاة حياة طفل أو مسن تسقط فوقهم أنقاض الجدار أو أسرة تفقد مأواها. 

لكن من وجهة نظر الدين كيف يكتسب المرء قيمة لحياته؟

الإجابة الدينية الواضحة هي حياة من آمن وعمل صالحا لأن هذا هو الفائز الوحيد من بين هؤلاء جميعا وإن كان أشعث* أغبر لا يملك المال ولا الوجاهة الاجتماعية ولا يعرفه أحد ولا يأبه به أحد فإذا شفع لم يقبل أحد شفاعته وإذا استأذن لم تفتح له الأبواب المغلقة ثم إذا جاء وقت القتال جعلوه حارسا لحياة غيره لأنها أهم في نظر المجتمع من حياة هذا الرجل المسكين أو جعلوه في مؤخرة الجيش لأنه ليس من الأبطال الذين يكون وجودهم علامة فارقة في مصير المعارك. 

فهذا الأشعث حياته غالية عند الله لكنها غير مهمة عند المجتمع والتاريخ.

فإذا كنت مؤمنا وعملت صالحا فستصير حياتي هي الأهم عند الله  وأي شيء ينقصني بعد قربي من خالق كل شيء؟!

كيف لم أفكر في  هذا الأمر من قبل؟

وكأن الدين لا يخبرنا عن الله وعن الآخرة فقط بل يخبرنا عن حياتنا وقيمتها في الدنيا  قبل الآخرة

فهو بيسر وسهولة يفلح فيما أخفقت فيه كل فلسفات و دعوات الانسانية والحرية والوجودية الجوفاء. ولم لا ؟

فمن ذا الذي يهب للحياة قيمتها غير خالقها؟

لابد أن أتعلم أكثر وأكثر عن أدلة وجود الله حتى تتبدد كل الشكوك من قلبي


----------------------------

*كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(طُوبَى لعبدٍ أخذ بعنانِ فرسِه في سبيلِ اللهِ أشعثَ رأسُه مُغبَّرةٍ قدماه إن كان في الحراسةِ كان في الحراسةِ وإن كان في السَّاقةِ كان في السَّاقةِ إن شفَع لم يُشفَّعْ وإن استأذَن لم يُؤْذَنْ له)

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

Translate