الرد علي حلقة #الدحيح مخير أم مخير؟



استوقفني شيء لطيف أود التنويه إليه قبل أن أشرع في الرد علي الحلقة وهو أنني نشرت بالفعل الرد علي هذه الحلقة قبل نشر الدحيح لحلقته و هذا قد يكون دليلا علي أن الدحيح مسير بالفعل كما يزعم هو و أنني استطعت أن أقرأ أفكاره و أتوقع ما سيقوله قبل أن يقوله بحوالي ثلاثة أيام و ليس عدة ثواني فقط :) 
و لكنني في الحقيقة لم أستخدم EEG  ولا fMRI  ولكن استخدمت Google و youtube
فكل ما تحتاجه لمعرفة ما سوف يقوله الدحيح  في أي قضية هو البحث عن التوجه المادي الإلحادي في تلك القضية و الذي يصادف دائما أن يوافقه الدحيح . و يمكنك أن تجرب ذلك بنفسك .

الدحيح بدأ الحلقة بقصة عن شخص حدث له تغير في ميوله الجنسية فجأة و أصبح منجذبا للجنس مع الأطفال (بيدوفيليا) ثم اكتشف بالصدفة أنه مصاب بورم في منطقة معينة في المخ و عندما تم استئصال الورم عاد إلي ميوله الطبيعية و لكنه بعد فترة شعر بنفس الميول الغير سوية تجاه الأطفال و عندما أجري فحص علي المخ وجد أن الورم قد نبت مرة أخري في نفس المكان . و من هنا يستنتج الدحيح أن ميولنا و شهواتنا و عواطفنا ليست سوي كيمياء و نبضات كهربائية تخدعنا بشكل احترافي لنظن أنها مشاعر و عواطف حقيقية . 
و هذه هي الورقة التي سجلت الحالة في عام 2003 
https://jamanetwork.com/journals/jamaneurology/fullarticle/783830
و السؤال البديهي هنا هو كيف نخرج باستنتاج لترابط أو علاقة سببية من تسجيل حالة واحدة ؟ و هل كل من أصيبوا بورم في هذه المنطقة تحولوا من الميول السوية  إلي البيدوفيليا ؟ 
هذه ورقة حديثة في عام 2014 قامت باستقراء الترابط بين الإضطرابات النفسية و بين أماكن نمو الأورام في المخ و خلصت إلي أنه لا يوجد علاقة بين مكان الورم و بين الأثر النفسي المترتب عليه 
A review of the literature indicates that there is no association between psychiatric symptoms and tumor location or histological type
https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1586/14737175.7.4.343
إذن لا يمكن القول بأن مشاعرنا و عواطفنا تخرج من المنطقة الفلانية في المخ و أنه لو أصابها ورم فسوف يتحول الشخص إلي البيدوفيليا أو الشذوذ أو أي سلوك آخر . لكن قد يكون هناك  أثر لنمو الورم في أي مكان في المخ مثل التغير في المزاج العام  و الذي يجعل الإنسان يدخل في حالات اكتئاب و أرق وفقدان شهية و ما شابه ذلك. 

فالذي أراه و الله أعلم أن هذه الضغوط النفسية قد تخرج خبايا نفس هذا الشخص من ميول شاذة أو إجرامية . تماما مثل الضغوط الخارجية عندما تكون شديدة فهي تخرج من النفوس خباياها سواء بالخير أو الشر . قال تعالي (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ).

بعد ذلك ساق الدحيح  عدة تجارب عصبية ليقول في النهاية  أن علوم الأعصاب نفت  وجود الإرادة الحرة.

 فهل هذا الذي قاله صحيح ؟

تخيل أن يقال لك أنه لا وجود للإرادة الحرة و أن ما تشعر به من حرية إرادة أو وعي ما هو إلا وهم صنعته لك تلك الخلايا العصبية التي تسكن رأسك ؟

بالتأكيد سيكون في ذلك اسقاط للتكاليف الشرعية و الأخلاقية و اسقاط لقيمة الإنسان و أخص خصائصه و تسوية تامة بينه و بين الجمادات و الآلات . 

و لكن بصرف النظر عن كل هذه التداعيات فنحن عندما ندرس حقيقة موضوعية يجب علينا النظر في الأدلة و ليس في التداعيات و العواقب الوخيمة .

نحن جميعا نعلم أن هناك علاقة ارتباط بين الوعي بأشكاله المختلفة و بين النشاطات العصبية لكننا خلافا للماديين نعتقد أن بداية النشاطات العصبية إذا تتبعناها فإنها تنتهي بدون أن تصل إلي شيء مادي أو نشاط عصبي يمكن أن يكون هو المعبر عن ظاهرة الوعي أو كما يقال  ghost in the machine فالوعي يقود هذا النشاط العصبي و يؤثر فيه و يتأثر به لكن يبقي لكل منهما شأنه فلا يمكن أن نختزل الوعي في مجموعة نبضات كهربائية في الخلايا العصبية .

الدحيح بدأ هذا الطرح المادي الإختزالي للوعيو الإرادة  بالإشارة إلي تجربة ليبت فما هي قصتها ؟
 في عام 1983 خرج عالم الأعصاب ليبت بتجربة رائدة . إذ طلب من بعض الأشخاص أن يضغطوا علي زر و قبل أن يفعلوا ذلك ينظروا في الساعة لكي يعرفوا الوقت الذي قرروا فيه أن يتخذا قرار الضغط و قام بتسجيل النشاط الدماغي لهم في هذه الفترة فوجد أن النشاط الدماغي يبدأ قبل لحظة اتخاذ القرار بعدة أجزاء من الثانية فاستنتج أنه لا وجود للإرادة الحرة و أنها عبارة عن منتج لعمليات غير واعية ضمن النشاط الدماغي لكنه عاد و أثبت نوع آخر من الوعي و الحرية في تنفيذ أو عدم تنفيذ تلك الإرادة التي تولدت بشكل غير واعي 

https://www.youtube.com/watch?v=OjCt-L0Ph5o&feature=youtu.be

(بالمناسبة دانيال دينيت الملحد الشهير يرفض نفي الإرادة الحرة رغم أنه يرجعها إلي تفسير مادي حتمي في تناقض كبير لكن لعل ذلك لانه يدرك التداعيات الرهيبية لإنكار الإرادة الحرة و له مع رفيقه سام هاريس خلافات كثيرة بسبب ذلك )

أي أن ليبت أنكر الإرادة الحرة و أثبت الحرية في  تنفيذ أو عدم تنفيذ هذه الإرادة المتولدة من النشاط الدماغي غير الواعي  و هذا بحث حديث يتبني فكرة ليبت و يثبت القدرة علي تنفيذ او عدم تنفيذ الإرادة رغم تولد النشاطات العصبية في وقت سابق عن وقت الإدراك 

http://www.pnas.org/content/113/4/1080

المهم أن هناك جدل كبير جدا دار منذ ذلك الحين و إلي وقتنا هذا حول صحة نتائج تلك التجربة و حول صحة تفسيرها أيضا .

ثم جاء بحث هينز الذي أشار إليه الدحيح و الذي يتوقع بنسبة 60% اختيار المشاركين في التجربة و هل سيضغطون علي الزر الأيمن أو الأيسر و يمدد وقت هذا التوقع إلي 10 ثواني قبل إرادة الشخص المشارك و هذا التوقع مبني علي النشاط العصبي الذي سبق الوعي 

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3625266/

لكن كيف يمكن أن يكون كلام هينز صحيح و تكون إرادتنا قد تم انشائها قبل 10 ثواني من إدراكنا لها ؟
هل أحتاج إلي عشر ثواني لكي أقرر أن أغير مسار السيارة بعد أن أبصر شجرة أو عمود انارة ظهر في طريقي  ؟

بالقطع لا .

 و لا يمكن أن يكون هذا النشاط السابق للإرادة الذي يمتد إلي 10 ثواني في الماضي هو الذي ينشيء تلك الإرادة .

و هذا بحث ينتقد بحث هينز و يثبت أن نسبة الترجيح العشوائي في تجربة بهذا الشكل ستصل إلي 64% أي أن موافقة التوقعات لهذه النسبة لا تثبت صحة التوقعات و بالتالي لا تثبت شيء بخصوص الإرادة الحرة و نشأتها من نشاط دماغي سابق 

https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpsyg.2013.00925/full

ثم ذكر الدحيح تجربة اتزيك فريد و قال أنها رفعت نسبة توقعات تجربة هينز إلي 80% و هذا غير صحيح .

فتجربة فريد  تؤكد علي نتائج تجربة  ليبت و تمدد وقت النشاط الدماغي إلي وقت أطول قبل لحظة الإرادة . لكنها تتوقع الوقت الذي ستقع فيه الإرادة بنسبة 80% و لا تتوقع الإختيار نفسه كما هو موضع تجربة هينز الذي تكلمنا عنه  كان يتوقع الضغط علي الزر الأيمن أو الأيسر بنسبة 60%. 

http://www.cell.com/neuron/fulltext/S0896-6273(10)01082-2

و هذه تجارب لميلر و تريفانا ترد علي تجربة ليبت و التجارب المؤيدة له و التي سلكت نفس النمط  مثل تجربة فريد و تخرج بنتيجة  هامة جدا و هي أن هذا النشاط الدماغي ليس هو الذي صنع الإرادة الواعية فيما بعد و أنه ليس هناك أي دليل علي ذلك بل إنه نشاط مرتبط بحالة الإنتباه نفسها و ليس مرتبط بقرار معين بل و ليس مرتبط بحركة مخصوصة أيضا لأنهم عندما أعطوا حرية اختيار الضغط باليد اليمني أو اليسري للمشاركين لم يتغير النشاط العصبي وفقا لمراكز تحريك اليد اليمني و اليسري 

https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1053810009001135?via%3Dihub

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/21123855

و علي الجانب الآخر فهذا بحث ينكر تحديد وقت الإدراك في اللحظة التي يعلن عنها المشارك . و ذلك باعتبار أن الإدراك ليس عملية لحظية وإنما تحتاج إلي بناء سابق و غاية ما يقصده المشارك من فهمه للحظة الإرادة هو الوصول إلي قرار للضغط و لكن هذه اللحظة سبقها بالتأكيد عمليات واعية أخري

https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fnhum.2013.00385/full

و هذه دراسة حديثة  شاملة تناولت الموضوع من جانب الأعصاب و النفس و الفلسفة و معظم الجوانب المتعلقة بالموضوع و تم كتابة حوالي 30 تعليق عليها كأوراق مراجعة من المجلة لمتخصصين آخرين . 

و الورقة خلصت إلي أنه لا يوجد أي دليل يؤيد فكرة أن الإرادة الحرة عبارة عن وهم أو أنها متولدة من نشاط دماغي أو عمليات غير واعية بشكل عام 

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/24461214

أخيرا موضوع لحس الشفايف هذا لم أجد مصدره عند الدحيح و لم أهتم به الحقيقة لأن مثل هذه الأحاسيس الجسدية لا شك في ارتباطها بكيمياء المخ و لا شك أن هذا لاعلاقة له بحرية الإرادة أو الوعي لكن له علاقة بالتشويش علي الوعي .

تعليقات