هل نفت علوم الأعصاب وجود الإرادة الحرة ؟

هل نفت علوم الأعصاب وجود الإرادة الحرة ؟

تخيل أن يقال لك أن لا وجود للإرادة الحرة و أن ما تشعر به من حرية إرادة أو وعي ما هو إلا وهم صنعته لكتلك الخلايا العصبية التي تسكن رأسك ؟
بالتأكيد سيكون في ذلك اسقاط للتكاليف الشرعية و الأخلاقية و اسقاط لقيمة الإنسان و أخص خصائصه و تسوية تامة بينه و بين الجمادات و الآلات .
و لكن بصرف النظر عن كل هذه التداعيات فنحن عندما ندرس حقيقة موضوعية يجب علينا النظر في الأدلة و ليس في التداعيات و العواقب الوخيمة .
نحن جميعا نعلم أن هناك علاقة ارتباط بين الوعي بأشكاله المختلفة و بين النشاطات العصبية لكننا خلافا للماديين نعتقد أن بداية النشاطات العصبية إذا تتبعناها فإنها تنتهي بدون أن تصل إلي شيء مادي أو نشاط عصبي يمكن أن يكون هو المعبر عن ظاهرة الوعي أو كما يقال  ghost in the machine فالوعي يقود هذا النشاط العصبي و يؤثر فيه و يتأثر به لكن يبقي لكل منهما شأنه فلا يمكن أن نختزل الوعي في مجموعة نبضات كهربائية في الخلايا العصبية .
لكن في عام 1983 خرج  عالم الأعصاب ليبت بتجربة مختلفة أثرت في هذا الجدل . إذ طلب من بعض الأشخاص ان يضغطوا علي زر و قبل أن يفعلوا ذلك ينظروا في الساعة لكي يعرفوا الوقت الذي قرروا فيه أن يتخذا قرار الضغط و قام بتسجيل النشاط الدماغي لهم في هذه الفترة فوجد أن النشاط الدماغي يبدأ قبل لحظة اتخاذ القرار بعدة أجزاء من الثانية فاستنتج أنه لا وجود للإرادة الحرة و أنها عبارة عن منتج لعمليات غير واعية ضمن النشاط الدماغي لكنه عاد و أثبت نوع آخر من الوعي و الحرية في تنفيذ أو عدم تنفيذ تلك الإرادة التي تولدت بشكل غير واعي
https://www.youtube.com/watch?v=OjCt-L0Ph5o&feature=youtu.be
(بالمناسبة دانيال دينيت الملحد الشهير يرفض نفي الإرادة الحرة رغم أنه يرجعها إلي تفسير مادي حتمي في تناقض كبير لكن لعل ذلك لانه يدرك التداعيات الرهيبية لإنكار الإرادة الحرة و له مع رفيقه سام هاريس خلافات كثيرة بسبب ذلك )
أي أن ليبت لأنكر الإرادة الحرة و أثبت الرغبة الحرة و هذا بحث حديث يتبني فكرة ليبت و يثبت القدرة علي تنفيذ او عدم تنفيذ الإرادة رغم تولد النشاطات العصبية في وقت سابق عن وقت الإدراك
http://www.pnas.org/content/113/4/1080
المهم أن هناك جدل كبير جدا دار منذ ذلك الحين و إلي وقتنا هذا حول صحة نتائج تلك التجربة و حول صحة تفسيرها أيضا و هذا مثلا بحث يتوقع بنسبة 60% اختيار المشاركين في التجربة بناء علي النشاط العصبي الذي سبق لحظة الوعي
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3625266/
و هذا بحث ينتقد البحث السابق و يثبت ان نسبة الترجيح العشوائي في تجربة بهذا الشكل ستصل إلي 64% أي أن موافقة التوقعات لهذه النسبة لا تثبت صحة التوقعات و بالتالي لا تثبت شيء بخصوص الإرادة الحرة و نشاتها من نشاط دماغي سابق
https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpsyg.2013.00925/full
و هذه أخري تؤكد علي ما ذهب إليه ليبت و تمدد وقت النشاط الدماغي إلي وقت أطول قبل لحظة الإرادة
http://www.cell.com/neuron/fulltext/S0896-6273(10)01082-2
و هذه تجارب لميلر و تريفانا ترد علي تجربة ليبت و التجارب المؤيدة له و تخرج بنتيجة أن هذا النشاط الدماغي ليس هو الذي صنع الإرادة الواعية فيما بعد و انه ليس هناك أي دليل علي ذلك بل إنه نشاط مرتبط بحالة الإنتباه نفسها و ليس مرتبط بقرار معين بل و ليس مرتبط بحركة مخصوصة أيضا لأنهم عندما أعطوا حرية اختيار الضغط باليد اليمني او اليسري للمشاركين لم يتغير النشاط العصبي وفقا لمراكز تحريك اليد اليمني و اليسري
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S1053810009001135?via%3Dihub
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/21123855
و علي الجانب الآخر فهذا بحث ينكر تحديد وقت الإدراك في اللحظة التي يعلن عنها المشارك . و ذلك باعتبار أن الإدراك ليس عملية لحظية وإنما تحتاج إلي بناء سابق و غاية ما يقصده المشارك من فهمه للحظة الإرادة هو الوصول إلي قرار للضغط و لكن هذه اللحظة سبقها بالتأكيد عمليات واعية أخري
https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fnhum.2013.00385/full
و هذه دراسة حديثة  شاملة تناولت الموضوع من جانب الأعصاب و النفس و الفلسفة و معظم الجوانب المتعلقة بالموضوع و تم كتابة حوالي 30 تعليق  عليها كأوراق مراجعة من المجلة لمتخصصين آخرين .
و الورقة خلصت إلي أنه لا يوجد أي دليل يؤيد فكرة ان الإرادة الحرة  عبارة عن وهم أو أنها متولدة من نشاط دماغي أو عمليات غير واعية بشكل عام
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/24461214

تعليقات