هل جراد البحر الرخامي يعتبر نوع جديد؟

ظهرت هذه الأيام مقالات تقول عن جراد البحر الرخامي أنه نوع جديد ظهر منذ 25 عام فقط فلماذا يقولون ذلك؟

لأنه نتج عن طفرة في احدي الإناث حيث أصبح عدد الكروموسومات عندها ثلاثي بدلا من أن يكون ثنائي كما هو المعتاد دائما. مما جعلها غير قادرة على الإنجاب إذا تزاوجت مع ذكر من الفصيلة الأصلية و في نفس الوقت جعلها قادرة على وضع بيض مخصب بدون حاجة لذكر (حل فيمنست بامتياز) و تكون الذرية كلها إناث. أي أنها تحولت من التكاثر الجنسي إلى التكاثر اللاجنسي بالإضافة إلى قدرة كبيرة على التوالد و حجم أكبر بعض الشيء من الحجم المعتاد.
و هنا تبرز مشكلة التعاريف مرة أخرى إذ أن الجراد الرخامي أصبح يعتبر نوع جديد لأنه غير قادر على التكاثر مع النوع الأصلي و قد وجد وسيلة أخرى للتكاثر. و هذا كان بسبب الكروموسوم الثالث الذي أضيف بالخطأ أثناء النسخ. لكن لو كانت إضافة كروموسوم ثالث ينتج عنه تغيرات بدنية و جنسية يعتبر مخرج لصاحبه من النوع الأصلي و علامة فارقة على أننا أمام نوع جديد. فهنا ينبغي علينا أن نتعامل مع أصحاب الخلل الجيني المصابين بمتلازمة داون على أنهم نوع جديد تطور من الجنس البشري أو على الأقل في طريقه إلى التطور. لأن متلازمة داون عبارة عن خلل يحدث أثناء الانقسام الكروموسومي و بالتحديد في الكروموسوم 21 حيث ينتج عنه وجود نسخة إضافية من هذا الكروموسوم أي أنه يصير ثلاثي الصبغيات بدلا من أن يكون ثنائيا و هذا ينتج عنه آثار جسمية و عقلية و جنسية كثيرة و من ذلك أن الذكور يكونوا مصابين بالعقم (إلا في حالات نادرة) بالإضافة إلى فقد الرغبة الجنسية أيضا. أي أننا أمام حالة تصبغ ثلاثي جزئية نتج عنها تغير في الشكل و ضعف شديد في القدرة على التكاثر مع الأشخاص الطبيعيين. و نحن نعتبر هذا مرض و خلل جيني و لا نعتبره نوع جديد فهل لو زادت نسبة العقم عند رجال و نساء متلازمة داون حين يتزوجوا من أشخاص طبيعيين و في الوقت نفسه قلت نسبة العقم إذا تزوج بعضهم من بعض يكون هذا مجرد عرض آخر للمرض أم يكون علامة فارقة على نشوء نوع جديد متطور من الإنسان الحالي؟
بالطبع لا ينبغي أن يكون ذلك علامة على نشوء نوع جديد  و ليس هناك أي اختلاف جوهري بين تأثير هذا الخلل الجيني على شكل أصابع القدم  و بين تأثيره على زيادة الخصوبة في التزاوج  بين الأفراد المصابين و قلتها إذا تزوجوا من الأشخاص الطبيعيين. بل إن هناك عوامل نفسية و اجتماعية تلعب هذا الدور بالفعل مع المصابين بالمتلازمة في يومنا هذا.
لكن وفقا للمعيار الذي يعتمده الدراونة في تحديد النوع الجديد فإن خللا جينيا كالذي ذكرته يجعل من صاحبه نوعا جديدا مغايرا للجنس البشري. و لذلك اعتبروا جراد البحر الرخامي ذو التصبغ الثلاثي نوع جديد  لأنه عقيم مع النوع الأصلي و في نفس الوقت قادر على التكاثر اللاجنسي.
هذه مشكلة تعريفات و ليست أدلة أو ظواهر فارقة.
لكن هناك جانب آخر أود أن أشير إليه و هو أن جراد البحر الرخامي يستخدم في دراسة مرض السرطان و ذلك لأنه يلعب مع النوع الأصلي دور السرطان داخل الجسم البشري  فهو يغزو النوع الأصلي و يتكاثر بسرعة و أصبح يوجد منه بلايين الأفراد الآن و هذا هو مجال نظرية اللعبة و التي تدرس الصراع بين الاستراتيجيات المختلفة. فالجراد الرخامي  حجمه أكبر و يتكاثر بسرعة أكبر مما يجعله يستحوز على نصيب أكبر من الموارد المتاحة(استراتيجية الأناني ) و مع الوقت سيقضي على الفصيلة الأصلية. لكن على الجانب الآخر فالجراد الرخامي يتكاثر لا جنسي مما يجعله متطابق جينيا و هذا يجعله عرضة أكثر للأمراض بخلاف التكاثر الجنسي الذي يعطي الفصيل تنوع كبير من الجينات و بالتالي فلو تمكن فيروس أو بكتيريا من مهاجمة الجراد الرخامي فسوف تسحق الفصيلة كلها في حين أنها لا تستطيع فعل ذلك مع النوع الأصلي بسبب تنوعه الجيني. هذه الاستراتيجيات المختلفة هي ما تتعامل معه نظرية اللعبة في نماذج رياضية قادرة على التنبوء بمجريات الصراع. و من ضمن هذه النماذج نموذج معضلة السجين و الذي يكون فيه الأناني (ذو المواصفات المعينة) قادر على غزو المجتمع كله حتى يدفع النوع الأصلي إلى الانقراض ثم يكون هو في الغالب معرضا للانقراض بعد غياب النوع الأصلي فيما يعرف بمأساة الموارد المشتركة. و هذه العملية تمثل أكبر معضلة لنظرية التطور لأنها تستخدم نفس آليات التطور في تدمير الحياة و ليس إنشائها أو تطويرها مما يبين أن نظرية التطور غير قادرة في الحقيقة على تفسير الحياة ليس لأن آلياتها تنمي بعض جوانب الحياة و تدمر جوانب أخرى و لكن لأن لا يوجد أي مجتمع يمكن أن تفسر وجوده بآليات التطور إلا و ستجد قابلية أكبر بكثير في نفس هذه الآليات لتدمير نفس المجتمع و هذا يعني أن هذه الآليات لا يمكن أن تكون هي التفسير الصحيح.

تعليقات