هل سيؤمن الناس بالله عندما تطلع الشمس من مغربها لأنهم أخيرا وجدوا الدليل القاطع ؟

هذا تصور غير لائق أبدا بالله الحكم العدل الرحمن الرحيم . فمن تصور أن الإيمان بالغيب الذى طلبه منا الشرع يعنى الإيمان فى غياب الأدلة , بل يعنى أنه لو حضرت الأدلة القاطعة فلم يعد الإيمان مقبولا , فقد أخطأ خطأ جسيما .  بل الإيمان أدلته الصحيحة بثها الله فى الفطرة وفى الآفاق وفى العقل , وهى أدلة قاطعة بالفعل و تتبع منهجية صحيحة كما بينت فى الفصل الأول .  و دائما نجد فى القرآن كلمة "إرسال الرسل" مقرونة بكلمة  "بالبينات" .  وما ذم الله أهل الأديان الأخرى إلا لتبعيتهم لأحبارهم ورهبانهم بدون بصيرة ولا عقل ولا نظر فى الأدلة  . فكيف يكون هذا الإيمان الأعمى ممدوحا إذا فعلناه مذموما إذا فعله غيرنا ؟ .هذا غير صحيح أبدا . فالإيمان بالغيب الذى مدحه الله ليس المقصود به الإيمان فى غياب الأدلة , وإنما هو إيمان مبنى على الأدلة الصحيحة والبينات والآيات لكن الغائب هنا هو ما وعدنا به الله من جنة ونار, و ما أخبرنا به عن الملائكة وعن الأمم السابقة وعن الأمور المستقبلة , وكذلك خشية الله وتقواه ومحبته بالغيب فنحن لا نراه حين نمتنع عن ما يسخطه ولا حين نقدم على ما يرضيه  قال تعالى (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَة مُشْفِقُونَ) (الأنبياء : 49) و قال تعالى (مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) (ق :33) , وكذلك الإيمان بحكمة الله فى تقديره بدون أن نقف على تفاصيل الحكمة . فكل هذا داخل فى معانى الإيمان  , الذى هو إيمان بالله و ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره . فإذا عاينا يوم القيامة أو الملائكة أو رأينا الله جهرة فما عاد هناك عمل أو اعتقاد يمكن تسميته بالإيمان أو الكفر بعد ذلك فالأمر خرج من هذا النطاق القلبى العقلى إلى نطاق الحواس . و طلوع الشمس من مغربها هو آخر العلامات الكبرى وهى المذكورة فى قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (الأنعام : 158) فهنا قد انتهى الاختبار و بدأت إرهاصات يوم القيامة . فلم يعد يوم القيامة غيب فى هذه الآونة المتأخرة لأنه و إن كان لم يقم حينها إلا أن الجميع أصبح مترقبا له متيقنا بوقوعه فحالهم يومئذ  كحال الأمم التى كذبت الرسل فلما رأوا بوادر نزول العذاب الذى وعدتهم به الرسل آمنوا فلم ينفعهم إيمانهم حينها قال تعالى (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) (غافر) .  فكذلك لن يقبل الله إيمان من رأوا خروج الشمس من مغربها وكانوا على الكفر قبل ذلك . والدليل على أن الذى كان يحول بينهم وبين الإيمان قبل هذا الوقت هو طغيانهم وليس نقص الأدلة كما قد يتوهم البعض , هو أن هؤلاء لو ردوا لزمن ما قبل هذه العلامة  بعدما شاهدوها بل بعد وقوفهم على النار نفسها , لعادوا لما كانوا عليه من الكفر قال تعالى (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الأنعام)

تعليقات