هل الإلحاد عدو الوثنية أم أنه ابنها البار ؟

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله 

للوهلة الأولى قد يظن البعض أن الإلحاد هو نقيض الوثنية لأن الإلحاد هو نفى وجود الخالق أو أى اله والوثنية هى عبادة آلهة متعددة لكن الحقيقة ليست كذلك فحقيقة الإلحاد هى تقديس الطبيعة سلبا أو بشكل ضمنى (بنسبة كل الوجود لها) أو ايجابا (بوجود مشاعر التعظيم لقوى الطبيعة بالفعل داخل الشخص أو التصريح بذلك ) وهذا القسم الأخير يعرف أصحابه باسم Pantheism أو وحدة الوجود  وليس هناك فرق تقريبا بين Pantheism و Atheism لكن يمكن أن تقول أن أصحاب وحدة الوجود يضفون لمسة جمال على معتقدهم الإلحادى المر فبدلا من أن تحاول الإنتحار بعدما اعتقدت أنه لا وجود للخالق فوحدة الوجود تقول لك لا بل عليك أن تحب هذه النتيجة وتحتفل بها  . وهناك كثير من مشاهير الإلحاد صرحوا بأنهم يتبعون مذهب وحدة الوجود مثل سبنوزا و هيجل و بيتهوفن وآينشتين وهوكينج وغيرهم تجدون أشهرهم فى هذا الرابط  .لكن المثير فى الأمر أن هذا الفكر له أسماء أخرى كما يذكر هذا المقال فى أحد أشهر مواقعهم 
"There are other names for similar approaches, such as religious naturalism or naturalistic paganism. We have gone with Pantheism simply because it's the best known, and has a long pedigree."

من ضمن هذه الأسماء naturalistic paganism أو الوثنية الطبيعية وهؤلاء يعرفون أيضا باسم Pagan Atheists الملاحدة الوثنيون و هذا شعارهم الذى يوحى بأن الإلحاد والوثنية وجهان لعملة واحدة 


و يقول  Stifyn Emrys و هو أحد المنظرين لهذا الفكر فى هذا المقال  أنه لا يوجد أى اشكال فى كون الملحد وثنيا والوثنى ملحدا  و يستشهد باستطلاع اجرى على الإنترنت عن مفهوم الوثنية وكانت نتيجته 87% يعتبرون أن الوثنية هى تقديس الطبيعة فى مقابل 10% فقط يعتقدون أنها عبادة الآلهة .

والحقيقة أن الوثنية فى مفهومها العميق هى تقديس الطبيعة فعلا واتخاذ رموزا لتلك الظواهر الطبيعية نفسها أو رموزا لفهمنا لها فتجد اله الشمس والقمر و الأنوثة و الحرب وما إلى ذلك وتجد هذا ممزوجا بالسخط و التمرد و الخوف و الطمع فى صورة همجية بعيدة كل البعد عن التقديس الدينى لله عز وجل فى الإسلام فقد كان مشركو قريش يسبون الله رغم أنهم يعتقدون أنه الخالق و أنه أحد الآلهة فإذا نظرت للوثنية بعمق تجد أنها مزيج من الكبر و الضعف والتمرد و الاستجداء فالإنسان يعرف أنه مقهور ذليل ضعيف محتاج للمساعدة سواء من القوى الطبيعية التى سخرها له الله  أو سخرها له عقله أو الصدفة السعيدة أو أى شيء و فى نفس الوقت هو ساخط على هذا السيناريو ويرى أنه ما كان ينبغى أن يكون بهذا الذل والضعف الدائمين وما الوثنية إلا تصويرا لهذا المشهد الملحمى فقد صنع الإنسان الوثنى الآلهة ليعبر عن هذا الصراع الذى بداخله فمن السذاجة أن نظن أن الوثنية عبارة عن تقديس حقيقى لهذه الآلهة و إنما حظها من التقديس هو فقط حظ الإنسان من الضعف والحاجة إلى المساعدة ثم ستلعب الآلة دورا هاما أيضا فى تلك المسرحية حيث سيجد الإنسان من يصب عليه غضبه إذا فاته ما يريد و سيجد أيضا الرمز الذى يعبر عن كبره و فخره إذا حصل له ما يريد فالآلهة فى الوثنية ما هى إلا مرآة لهذا الكبر و السخط الإنسانى وهذا نفسه هو المعتقد الإلحادى نحو الطبيعة فهى تقهره فيسخط ويثور ثم يسخر منها شيء فيحتفى بها و يعظمها ليعظم بذلك عقله وعلمه فهما حقا وجهان لعملة واحدة أو يمكنك أن تقول أن الإلحاد هو وثنية اليوم وأن مصدرهما واحد لكن رواد الإلحاد الجديد وضعوا بعض" المكياج " على معتقدهم مدعين أن اسباب إلحادهم علمية بحتة و أنهم فى غاية التجرد و أن اتباعهم للمنهج التجريبى الصارم فى كل مناحى الحياة هو الذى أودي بهم إلى الإلحاد ولكن هذا الزعم سرعان ما ينكشف عندما تعرف أن رموز الإلحاد الجديد مثل دوكينز  وكارل سيجان و نيل تيسون يؤمنون بوجود الكائنات الفضائية !! وبعضهم يقود مبادرات تنفق عليها ملايين الدولارات للبحث عنهم لايمانه بوجودهم مثل ستيفن هوكينج 
 نعود إلى  الوثنية و خير تجسيد لهذا المشهد الوثنى الإلحادى  الملئ بالسخط والكبر و التمرد والذل فى نفس الوقت هى كلمات قصيدة O Fortuna  وهى أول مخطوطات كارمينا بورانا 


 

وهى مجموعة قصائدة وثنية مجهولة المصدر ترجع إلى القرن الثالث عشر الميلادى والقصائد كلها مجون وزندقة وحديث عن الخمر والنساء والجنس وهذه بعض ترجمات لها   لكن الجزء الأول يعبر عن مشكلة الشر(وهى من أكبر أسباب الإلحاد حتى عصرنا هذا )  فى صورة مخاطبة فورتونا آلهة القدر عند الرومان والإغريق و لعلنا جميعا نعرف هذا المقطع جيدا وسمعناه كثيرا لكننا لم نبحث عن معانى كلماته اللاتينية فمنذ أن قام كارل أورف بتلحين بعض قصائد كارمينا بورانا  فى ثلاثينيات القرن الماضى ,أصبحت واحدة من أشهر المقاطع الموسيقية الملحمية فى العالم 

وهذه ترجمة للكلمات مع الإعتذار عن قذارتها 




الخلاصة :
1- الإلحاد والوثنية وجهان لعملة واحدة 
2-موقع العلم من الإلحاد هو موقع المكياج من الوجه 

(قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ )

تعليقات